البطريرك الماروني : الصوم الكبير هو زمن سماع كلمة الله ابتغاء للإيمان وزمن أعمال المحبة والرحمة
نقلا عن الفاتيكان نيوز
15 مارس 2021
كتب : فتحي ميلاد – المكتب الأعلامي الكاثوليكي بمصر .
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي يوم أمس الأحد الرابع عشر من آذار مارس في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة في أحد شفاء المخلّع بعنوان “أتوه بمخلّع يحمله أربعة رجال” (مر 2: 3).
في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي “لـمّا سمع الرجال الأربعة كلمة الله من فم يسوع في البيت بكفرناحوم، والجمع غفير، آمنوا بيسوع وأتوه بمخلّع، إيمانًا منهم أنّه قادر على شفائه. وللدلالة على هذا الإيمان، “نبشوا السقف ودلّوا السرير الذي كان المخلّع مطروحًا عليه، لـمّا لم يستطيعوا الدخول من الباب، فما كان من يسوع إلّا أن شفاه نفسًا وجسدًا، قائلًا له: “يا ابني، مغفورةٌ لك خطاياك”(مر 2: 5)، ثمّ “قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك””(مر 2: 11). ثلاثة مترابطة تنكشف لنا في هذه الآية الإنجيليّة: كلمة الله التي تولّد الإيمان، تجسيد الإيمان بالأفعال، الشفاء بفضل إيمان الإنسان. الصوم الكبير هو زمن سماع كلمة الله ابتغاءً للإيمان، عملًا بقول بولس الرسول: “الإيمان من السماع” (روم 10: 17)، وزمن أعمال المحبّة والرحمة على مثال الرجال الأربعة”.
أشار البطريرك الراعي في عظته إلى أن “الرجال الأربعة يمثلّون كلّ جماعة، في الكنيسة والعائلة والمجتمع، تتعاون وتتنظّم لمساعدة المرضى والفقراء وذوي الاحتياجات وكلّ محتاج، باسم الأخوّة الإنسانيّة، وبروح التضامن الذي يجعلنا نشعر أنّنا كلّنا مسؤولون عن كلّنا. إنّني أحيّي كلّ هؤلاء وأشكرهم على محبتهم تجاه المحتاجين والفقراء. والرجال الأربعة يمثلّون السلطة في الدولة التي لها مبرّر واحد لوجودها هو تأمين الخير العام الذي منه خير كل مواطن وكلّ المواطنين. فالسلطة مؤتمنة على المال العام ومرافق الدولة ومرافئها، وعلى تنظيم مؤسّساتها الدستوريّة وأجهزتها وإداراتها العامّة، وعلى تعزيز ميادين الاقتصاد والاجتماع والتشريع والثقافة، وعلى إجراء اتفاقيّات تعاون اقتصادي وتجاري مع الدول، وعلى تحقيق آمال أبناء الوطن وحقوقهم الأساسيّة، بتجرّد عن كلّ مصلحة شخصيّة أو فئويّة”.
ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، تابع البطريرك الراعي قائلا “إذا سلّطنا نور هذه الحقيقة على واقع الشعب اللبنانيّ والسلطة السياسيّة عندنا لوجدنا، من جهة، الشعب رهينة صراعات أهل السلطة الذين أخذوا اللبنانيّين رهائن ولا يُطلقون سراحهم رغم كلّ الاستغاثات الشعبيّة والمناشدات الدوليّة. وكأنّهم فقدوا الضمير الوطنيّ والعاطفة. ولوجدنا، من جهة أخرى، أنّ السلطة ترى شعبها في الفقر ولا تكفيه، وفي الجوع ولا تطعمه، وفي العتمة ولا تنيره، وفي الهجرة ولا تستعيده. وتراه صارخًا في الشوارع ولا تُلبّي مطالبه، وفي حالة البطالة ولا تجد له عملًا، وفي المحاكم ولا تضمن له عدالة، وفي الهاوية ولا تنتشله. وتراه في حالة الإفلاس ولا تُعوّمه، وفي الذلّ ولا تُعيد إليه كرامته. لسنا نفهم كيف أنّ السلطة تحوّل الدولة عدوّة لشعبها!”
وأضاف غبطته قائلا “لقد برهن شعب لبنان، بشبابه وكباره، من كلّ المناطق والانتماءات، عبر انتفاضته أنّه شعب يستحقّ وطنه. لكنّه مدعوّ ليناضل من أجل أن يستعيد لبنان هويّته الأصليّة كمجتمع مدنيّ، ومن أجل إفراز منظومة قياديّة وطنيّة جديدة قادرة على تحمّل مسؤوليّة هذا الوطن العريق وحكمِ دولته وقيادة شعبه نحو العلى والازدهار والاستقرار والحياد. إن شابّات وشباب لبنان الثائرين هم أمل الغد. لذا، ندعوهم إلى توحيد صفوفهم وتناغم مطالبهم واستقلاليّة تحرّكهم، فتكون ثورتهم واعدة وبنّاءة. ولعلّهم بذلك يستحثّون الجماعة السياسيّة وأصحاب السلطة على تشكيل حكومة استثنائيّة تتمتّع بمواصفات القدرة على الإنقاذ وإجراء الإصلاحات، وتعمل في سبيل إنقاذ لبنان لا المصالح الشخصيّة والحزبيّة والفئويّة. ما يقتضي اتخاذ القرارات الجريئة على أساس من الحقيقة والمصلحة العامّة. إذا كان المسؤولون، بسبب انعدام الثقة، عاجزين عن الجلوس معًا لمعالجة “النقاط الخلافيّة” التي تراكمت حتى الانفجار النهائي اليوم، فلا بدّ من اللجوء إلى مؤتمر دوليّ برعاية الأمم المتّحدة، لإجراء هذه المعالجة، مثلما جرى في ظروف سابقة. لكنّني أدعو أهل الثورة إلى احترام حقّ المواطنين بالتنقل من أجل تلبية حاجاتهم، وإلى تجنّب قطع الطرقات العامّة، واستبدالها بمظاهرات منظّمة في الساحات العامّة يعبّرون فيها عن مطالبهم المحقّة، وفقًا للأصول القانونيّة والحضاريّة. إنّهم بذلك يتجنّبون أيّ صدام مع الجيش والقوى الأمنيّة، ويقفون سدًّا منيعًا بوجه المتسللين المخرّبين”.
هذا وفي عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الراعي ” مثلما نتفهم غضب الشعب نتفهّم أيضًا تذمّرَ المؤسّسة العسكريّة. فالجيش هو من هذا الشعب، ولا يجوز وضعه في مواجهة شعبه. والجيش هو من هذه الشرعيّة، ولا يحقّ لها إهمال احتياجاته وعدم الوقوف على معطيات قيادته ومشاعر ضبّاطه وجنوده. والجيش هو القوّة الشرعيّة الـمُناط بها مسؤوليّة الدفاع عن لبنان، فلا يجوز تشريع أو تغطية وجود أيِّ سلاح غير شرعيّ إلى جانب سلاحه. والجيش هو جيش الوطن اللبنانيّ كلّه، ولا يحقّ أن يجعله البعض جيش السلطة. والجيش هو جيش الديمقراطيّة ولا يحقّ لأحد أن يحوّلَه جيش التدابير القمعيّة. والجيش بكلّ مقوّماته هو رمز الوحدة الوطنيّة ومحقّقها. بالمحافظة عليه، نحافظ على الوطن وسيادته وحياده الإيجابيّ، وعلى الثقة بين أطيافه، والولاء له دون سواه. ونتفهّم ايضًا دعوة وزير التربية والتعليم العالي لتعليق الدروس في المدارس، بالتوافق مع ممثلي العائلة التربوية، بسبب التلكؤ بتلبية المطالب المحقة التي تؤمن استمرارية القطاع التربوي في ظل الأزمات المتلاحقة التي تستدعي الاسراع في وضع حد لها، لذا من واجب المعنيين بالشأن العام اعطاء القطاع التربوي الاهتمام الذي يستحقه، وبخاصة ما يتعلق بتأمين اللقاح للمعلمين والمعلمات والإداريين والتلامذة. ونطالب مجدّدًا بالدعم المالي لجميع مكونات الاسرة التربوية، وبخاصة موافقة مجلس النواب على مشاريع القوانين التي تقدمت والتي من شأنها ان تؤمن بعض الارتياح للأهل وبعض رواتب المعلمين وبالتالي استمرارية المؤسسات، لأنّ انهيار التعليم لا سمح الله يعني انهيار الوطن”.
وفي ختام عظته قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي “نسأل الله أن يقبل مقاصدنا لمجده تعالى وخلاص النفوس وخير وطننا وشعبنا. له المجد والشكر، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.