stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الكلدان الكاثوليك

البطريرك لويس روفائيل ساكو يكتب : الحوارُ سُنّةُ الحياة

360views

نقلا عن موقع أبونا 

نشر الجمعة، ٩ يوليو / تموز ٢٠٢١

كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .

البطريرك لويس ساكو :

كتبتُ قبل أيام مقالةً مقتضبة عن التعصب وهو حالة إنسانية شاذة، وأود اليوم ان أتناول موضوع الحوار لما له من أهمية كبرى في حياتنا العائلية والاجتماعية والسياسية والدينية.

الحوار ضرورة حياتية

بسبب التداخل الاجتماعي والديني. كانت المجتمعات سابقاً متجانسة ومنغلقة، أما اليوم فصار العالم كله كقرية رقمية صغيرة، كل شيء فيه يتحرك، ويتعيَّن على المرء كما يقول أفلاطون ان يرى كل قيمة تنبع من الخير المطلق. تنوعنُا سُنَّة الحياة وغِنى، ولا يجب ان يتحول الى خِلاف وصراع.

ما الحوار؟

الحوار من ܚܘܪ – ܚܘܪܐ حور حوارا، حور (أبيض) في اللغة السريانية، ويعني إظهار الوجه الأبيض (الخفي) للحقيقة. أما في اللغات الأجنبية dialogue فيعني لقاءَ شخصين أو فريقين وجهًا لوجه للكلام بصدق وعلمية.

الحوار ليس مقاربة دبلوماسية، ولا عملية جر البساط من تحت أقدام الآخر، بفرض رأي معيَّن عليه، ولا إلزامه باعتناق معتقد، بل الحوار تلاقٍ وانفتاح على الآخر وفهم حقيقته، وقبول الاختلاف باحترام. لذلك يتطلب الحوار اصغاءً من دون تبسيط أو توفيق لئلا يتحول الى سِجال وتكفيرٍ وقطيعة. الحوار يعلِّم التواضع ويقود الى المحبة.

يسعى الحوار الى معرفة وجهة نظر الآخر كما يعرضها بنفسه بعيدًا عن المجاملة والكذب، أي ان يلتقيه في مستوى الفكر وغِناه الكينوني. ان الجهل يقود الى أخطاء وفقدان الثقة والتحول الى موقف الدفاع والهجوم. لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، لكل واحد شيء من الحقيقة. ويجب الاعتراف بنسبية ومحدودية نظرتنا وحكمنا. بالحوار يحلُّ كلُّ شيء وتستقيم الامور.

الناس مختلفون في الطباع والثقافة والبلد والدين والجنس. هذا الاختلاف واقع طبيعي بمشيئة الله الذي خلقنا مختلفين. فالاختلاف في الرؤى والأفكار طبيعي ومقبول. لذا من المؤسف ان تكون ثمة حركات عنصرية طاغية يفكر أصحابها بانهم فوق الآخرين، واكثر قيمة منهم. هذه عنصرية مقيتة. الانسان بطبيعته كائن اجتماعي كما يذكر أرسطو، اي انه كائنٌ متحاور في العائلة والمعبد والعمل. فطبيعي أن يعترف بالآخر أخًا أو مواطنًا متساويًا. اعترافٌ قانوني ومؤسساتي يؤمِّن حياة المواطنين ويضمن حقوقهم.

المجتمعات والديانات ليست منغلقة، بل هي منفتحة، فالجانب الوطني والاجتماعي والديني متسامح، لا يقبل إقصاء وإلغاء الآخرين المختلفين.

التعايش السلمي يمر عبر الاحترام للهوية الخاصة، والاختلافات شرعيّةٌ. عندئذٍ نختبر بالفعل، أنّ لدينا أمورًا كثيرة توحّدنا وتدفعنا معًا على المُضي قُدُمًا. الخير حالة وموقف، والتعصب شذوذ!

حوار الاديان

الدين “صلة” بالله، يرتفع فيها المرء فوق أهوائه، ليتعبّد الى الله، ويتحلَّى بالاخلاق الحميدة، ويرسخ صلته بأخيه الانسان، الذي هو موضوع خلق الله وعنايته. من هذا المنطلق يرسي حوار الديانات منطلقات لاهوتية للتلاقي في العمق الايماني والاخلاقي والاجتماعي والوطني.

الدين في جوهره حوار، بكونه رسالة موجهة الى البشر من دون استثناء. وعلى الدياناتات ان تكون منفتحة على العالم وثقافته، والتواصل مع الناس بافضل الوسائل، وعدم استعمال اجوبة جاهزة قديمة لا تجيب على اسئلتهم الحالية.

ثمة علاقة وطيدة بين العقل والمنظومة الدينية. فالتفكير والتحليل والحوار ينطلق من النص الديني الذي ليس منافيًا للعصرنة، كون الرسالة الدينية هي لكل الناس وكل الازمنة، فلا يمكن عزل فرائض الدين وشرائعه عن الواقع المعاصر.

الخلاص من التطرف والارهاب ينطلق من حوار الديانات ومن عملية تنشئة الناس تنشئة انسانية واجتماعية وثقافية وروحية سليمة، وتدريبهم على قيم الاخوَّة كما دعا البابا فرنسيس، وشيخ الازهر د. أحمد الطيّب، والمرجع الشيعي الاعلى السيد السيستاني. على رجال الدين التمتع بالصوت النبوي لتدريب مؤمنيهم على ممارسة التسامح والمحبة والخير والسلام.

اذا كان هناك من تسابُق فليكن في مجال الخدمة المضحية للناس، خصوصًا تجاه الفقراء ومن يجمعنا بهم الوطن والمصير. علينا تعزيز حوار الأديان كما قال البابا فرنسيس يوم الأربعاء 4/11/2016 لدى استقباله مجموعة من ممثلي الأديان: “من الفظاعة تبرير الأعمال البربرية بإسم الدين”.

وحدتنا كمسييحين

نحن إخوة متنوعون. وهناك مساحة مشتركة واسعة تجمعنا، وقيَم مشتركة ينبغي تفعيلها. علينا ادراك أبعاد الوحدة ومستلزماتها حتى يشعر كل طرف بمضامينها. نحن كلدان وسريان وآشوريون وأرمن قوميات موجودة لا يمكن الغاؤها بقرار فردي. ليتحمل الجميع مسؤولياتهم في رفع الحواجز النفسية والفئوية بين كل القوميات، والنظر الى بعضهم البعض كاشخاص أحرار ومسؤولين بالرغم من الاختلافات، والتوصل عبر حوار هادىء الى الاتفاق والتضامن والتعاون خدمةً لشعبنا ووطننا.

ثمة أمر أساسي بالنسبة لي كمؤمن ومسؤول في الكنيسة الكاثوليكية (الجامعة) المنفتحة على كل الناس، اني أرفض التطرف، وأؤكد أني عندما أدافع عن الكلدان، لست انفصالياً، بل أبقى أحب الجميع وافكر بهم، وانفتح عليهم، انما اُدافع عن الكلدان لان هناك من يريد إقصاءهم وإلغاءهم من دون وجه حق. أؤمن بالحوار وبان كل كنيسة محلية مهما كان عدد مؤمنيها هي كنيسة جامعة منفتحة. الكنيسة لا يمكن ان تتحول الى جماعة طائفية منغلقة. هذا يتعارض مع دعوة يسوع المسيح لتبشير كل الاقوام: “اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين” (مرقس 16 / 15).

ان كنيسة المشرق المجيدة كانت كنيسة جامعة تضم عدة اقوام من دون ان تنغلق على قومية واحدة، فالتسمية الاشورية تعود الى سنة 1976. في النهاية اي كلداني يشعر انه أشوري، قراره محترم، كما ينبغي احترام حرية الكلدان والسريان والارمن في الحفاظ على تسميتهم القومية.