التعايش الاجتماعي بين الواقع المأزوم والقيم الواجبة
كتب : ناجح سمعـان
أمام الآثار الاجتماعية والاقتصادية التى يخلّفها انتشار وباء كورونا بين الناس فى كل موقع يوما بعد يوم ، وفى مقابل العجز الطبي العالمي فى الوصول إلى علاج ناجع لهذا الوباء اللعين ، يضحى التعايش الحذر مع هذا الوباء هو الطريق الضيق الذى يتوجب علينا السير فيه حتى الوصول إلى زمن الخلاص . وإذا كان التعايش الاجتماعى سلوك طبيعى فى المجتمعات شرقاً وغرباً ، لكن ، يبقى تعاطى الانسان مع منظومة القيم والقوانين الحاكمة لعملية التعايش ، هو معيار تميز الفرد ورقى الجماعة وتحضر المجتمع . فى هذا السياق تعول الحكومة المصرية فى كافة قراراتها وسياساتها المتخذة بشأن التعامل مع أزمة كورونا على وعي الشعب المصري وقدرته على فهم الواقع وإدراك المخاطر ، معتمدة فى ذلك على ما تحمله الشخصية المصرية من سمات حضارية ، لعل ابرزها اليقظة عند الخطر والتكاتف أمام التحديات . وفى محاولة للاقتراب من قراءة سلوك التعايش فى المجتمع المصري والبحث فى أهم العوامل المؤثرة فيه ، عند هذا يبرز بقوة فى رأيى ، أهمية الحديث عن دور القيم الروحية والانسانية فى دينامية عملية التعايش الاجتماعى ، تحقيقاً لمبدأ الخير العام .
تعايش الوعي :
الوعى هو القيمة الانسانية الأولى التى جميعنا مدعوين إلى التحلى بها فى هذه الايام وفى البداية ، ربما يكون من المناسب ان نطرح التساؤل الأساسي ، ما هو الوعى ؟ . ان الوعى فى تقديرى هو حالة ادراك المواطن لطبيعة الظروف المجتمعية التى يعيشها ، وما تقتضيه هذه الظروف من سلوكيات تهدف إلى التعامل الايجابي مع الموقف العام . فى ضوء ذلك يضحى المناخ الاجتماعى الذى نعيشه فى مصر ، شأن سائر دول العالم ازاء التعامل مع الوباء العالمي كورونا ، هو مناخ أزمة ، وهو ما يتطلب من المواطن ان يكون على دراية بأبعاد القضية وحالتها الحاضرة وتطورها فى الواقع المصري . لا شك ان وسائل التواصل الاجتماعى تحمل تدفقاً معلوماتياً كبيراً فى عرض كافة القضايا المتداولة ، وفى سرعة مذهلة مع رغبة عارمة لدى مستخدمى هذه الوسائط فى نقل المعلومات وتداولها كمادة خام دون تحليلها او نقدها . وهو ما يتطلب برأيى من القارئ ان يكون فطناً قادرا على المقابلة بين ما يقرأ فى الفضاء الالكترونى وما يعيش على ارض الواقع . ان الوعى الحقيقى يُترجم فى صورة افعال ومواقف تسعى إلى تحقيق المصلحة الشخصية للفرد فى ترابط وثيق مع المصلحة العامة للمجتمع . وإذا كان للقانون مهابته فى تحقيق العدالة بين ابناء الوطن فى الزمن الحاضر فإن للضمير الجمعى دوره الفريد فى بناء أواصر المحبة والمواطنة بين ابناء المجتمع فى كل زمان .
تعايش الأخوّة :
قد تكون أزمنة المحن والتجارب العامة سبباً فى تنامى الأنانية عند البعض ، ومن ثم السعى ليس فقط فى البحث عن المصلحة الفردية او الفئوية الضيقة بل قد يجنح بعضهم إلى الإضرار بمصالح واحتياجات الأخرين خارج دائرتهم ، سواء كان ذلك بقصد أو دونه ، وهو ما يتطلب من اصحاب السلطة ورجال الفكر بل وكل ذوى الإرادة الصالحة إلى توجيه الفرد والجماعة نحو قيم المواطنة . وليس اقوى من رابط الأخوّة فى تقديرى يمكن التعويل عليه فى سبيل تحقيق الوحدة الوطنية والوصول إلى السلام الاجتماعى . فعندما تعاش قيمة الأخوّة بين أبناء المجتمع ، يمكن تقاسم الخيرات بين المواطنين برضا ، بل والتكاتف معاً من اجل ابتكار الحلول للتحديات الحاضره والتطلع إلى مستقبل أوفر . فى هذا السياق يكون من المناسب جداً ان أضع امام القارئ الكريم سطوراً ذا معنى اقتبسها من وثيقة ” الاخوّة الإنسانية ” التى اعلنها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الشيخ احمد الطيب شيخ الازهر ، إلى العالم اجمع من اجل السلام والعيش المشترك ، بدولة الامارات فى فبرير 2019 ، وقد جاء بنص الوثيقة ” أن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس ، من شأنه ان يسهم فى احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التى تحاصر اًجزءاً كبيراً من البشر . أن الحوار بين المؤمنين يعنى التلاقى فى المساحة الهائلة للقيم الروحية والانسانية والاجتماعية المشتركة ، واستثمار ذلك فى نشر الاخلاق والفضائل العليا التى تدعو إليها الأديان ” .
تعايش التفاؤل :
لا شك ان تخلى الإنسان عن افعاله اليومية التى كان معتاد على القيام بها بحرية تامة كالعمل والتعليم والصلاة والتزاور ، قد القت بظلال كثيفة على الحالة النفسية للفرد والاسرة والمجتمع ، كما ان فى متابعة الانباء المتواترة حول تفشي الوباء فى صدور الناس وحصده لأرواح كثيرة ، يشيع فى القلوب مناخاً من القلق والترقب والحزن ، لا سيما وان كلمة النهاية فى عمر هذا الوباء اللعين لم تكتب بعد . ليس غريباً امام الحالة الوجدانية السابقة ، ان نعتصم بالتفاؤل كقيمة انسانية تقود إلى تقوية الروح المعنوية للإنسان فى سبيل التماس يوم الخلاص . وفى هذا دعنى قارئى العزيز ان اضع امامك بعض قراءاتى :
- إن حالة الحرمان التى عاشها الكثيرون من افعالهم اليومية والتى غالباً ما اشتكوا من وطأتها وقسوة الحياة من خلالها – قبل الكورونا – كانت فرصة لمراجعة الذات واكتشاف قيمة هذه العطايا من جديد ومن ثم العودة إليها بمشيئة الله فى مناخ من التعايش الحذر ، بسلوك اليقظة وروح الأمانة .
- فى عودة افراد الأسرة للعيش معاً داخل البيت بعد فترات من التباعد لظروف العمل ومشاغل الحياة السابقة ، كانت فرصة ايضاً لعودة الحوار بين الأباء والابناء والاخوة ومن ثم اكتشاف ما فعل الزمان بكل منهم .
- فى تعامل الدولة المصرية الجاد على مدى الثلاثة اشهر السابقة ، مع أزمة الوباء العالمي كورونا وحرصها على صحة المواطن ما عبر عن قناعتها بكرامة الشخص البشرى ، وهو ما يساهم بلا شك فى نمو الرضا الشعبي عن الاداء الحكومي ومن ثم تقوية الثقة بين المواطن والحكومة .
- فى القراءة الدينية للحدث الأبرز ” كورونا ” وتفسيره فى الفضاء الإيماني ، لأبد سيثمر فى المستقبل تعاليماً لاهوتية وفقهية تنطلق من أرض الواقع المأزوم وترتفع إلى عنان السماء الرحب .