( التناول بين اليد والفم ) الأب / ميشيل شفيق كنيسة العذراء مريم – غيط العنب
( التناول بين اليد والفم )
مقال في :
“اسلوب توزيع الأسرار المقدسة في زمن الكورونا، بين التناول في الفم مباشرة، أو عن طريق تسليمها في يد المؤمنين”
* تقديم : خلقت أزمة كورونا العديد والعديد من التصرفات التي تبدو مستحدثة علينا في اشكال العبادة والطقوس؛ كغلق ابواب الكنائس واقتصار حضور القداسات على الشمامسة، وعدم تبادل قبلة السلام، واحيانا عدم زيارة المرضى أو كبار السن وحمل الأسرار المقدسة لهم.
* تساؤل : والسؤال المتداول الآن، في حالة استعادة فتح الكنائس جزئيا للقداسات أمام الشعب، كيف تستمر عملية توزيع الأسرار المقدسة؟
هل في الفم مباشرة أو عن طريق تسليمها في يد المتقدم للتناول؟
وذلك تفاديا للتلامس الجسدي المباشر خاصة (لفم المتناول).
* أولا : الكاهن هو مستلم وموزع الأسرار.
وهذا بشهادة انجيلية، ففي العشاء الأخير حيث كان التلاميذ فقط حاضرين، قال لهم يسوع : خذوا كلوا خذوا اشربوا ؛ وفي معجزة الخمس خبزات والسمكتين (وهي المعجزة الوحيدة المذكورة في الأناجيل الاربعة) والتي تشير بحسب اللاهوت الكتابي إلى الافخارستيا، نجد أن يسوع اعطى التلاميذ والتلاميذ اعطوا الجموع.
إذا هناك امكانية وسلطة التسليم يد بيد !
* ثانيا : وضع الأسرار المقدسة في يد المتناول…
١. لقد تم تكريس يد المتناول بزيت الميرون بعد قبوله سر العماد مباشرة.
٢. اليد جزء متحد بالجسد كله، بالرأس والقلب وسائر الأعضاء، فإذا كان هناك جزء مقدس مضيء فالجسد كله يكون مضيئا والعكس صحيح.
٣. اليد ليست إلا أداة لتوصيل الأسرار للفم (ومن ثم للقلب) ، لذلك طالب الرب في العهد القديم قائلا : “اعطني قلبك” ؛ فلا فرق بين اليد التي توضع عليها الأسرار واللسان الذي يقوم بذات العملية، (مع العلم ان اللسان له باع طويل سواء في البركات أو اللعنات، نعم ، به نبارك الله وبه نلعن الناس).
((وللتأمل حول اللسان يمكن الرجوع لسفر يشوع بن سيراخ والأمثال ورسالة يعقوب)).
* ثالثا : عادة التناول باليد في الكنيسة الجامعة الرسولية.
في اللغة اليونانية تترجم كلمة الجامعة بكلمة (كاثوليكون) ، وهي الكنيسة الباقية في الزمان وفي كل مكان، تشهد لحضور يسوع الروحي والفعلي الحقيقي.
فضلا عن احتفاظها ببعض الموروثات الطقسية منذ عهد الرسل والجماعة الاولى سواء في أورشليم أو في روما؛ ومنها عادة تسليم الأسرار في اليد، حيث يضع المتناول الكف الأيسر فوق الكف الأيمن، ومن ثم يلتقط بيده اليمنى الأسرار إلى فمه.
* رابعا : تناول الجسد مع الدم أم بدونه.
بحسب طقس الكنيسة الجامعة (اللاتيني)، (أحيانا وليس دائما) يتم توزيع الجسد بدون الدم.
إلا أنه في الطقس القبطي يتم رشم الجسد كله بالدم ، وذلك خلال الرشومات الثلاث الأخيرة، فقد تضمخ الجسد كله بالدم ، حتى ولو لم يكن ملحوظا للمتناول من حيث الطعم أو الملمس أو الشكل..
ومن الوجهة اللاهوتية ، فإن الجسد اساسا يحتوي على الدم كما أن الدم في ذاته يحتوي على الجسد، فجسد المسيح جسد حي حقيقي، وليس جسد ميت مزيف. فنحن نؤمن بالاتحاد وليس بالانفصال.
ومن الوجهة الفسيولوجية الطبيعية والعلمية، فإن أي جزء ضئيل من الجسم، من شأنه أن يدل على الجسم كله (وهو الأمر المستخدم في تحليل DNA) .
* خامسا : في طقس الكنيسة الجامعة، (أحيانا وفي حالات الطواريء) يسمح للراهبة رئيسة الدير ، بفتح بيت القربان لمناولة الراهبات، كما يسمح للراعي أن يعطي الأسرار لبعض المؤمنين بهدف توصيلها لذويهم في البيوت من المرضى او كبار السن.
* سادسا : “ديناميكية” فكر الكنيسة الجامعة.
الكنيسة الجامعة مؤسسة إلهية وبشرية في ذات الوقت.
ولأنها تعيش في الزمن والتاريخ، فهي تؤثر وتتأثر، ولأن بها العنصر البشري، فهي ديناميكية متجددة، تواكب متطلبات ومتغيرات وتحديات الأزمنة المختلفة؛ وهذا ما سعى لايضاحه المجمع الفاتيكاني الثاني، فالكثير من أنماط العبادة والأشكال الطقسية والقانونية تم تحديثها لتواكب العصر، كلغة القداس وأيام وساعات الصوم. حيث أن الكنيسة أم رحوم بأبنائها، تشعر بهم وتلبي رغباتهم بما يلائم متطلبات العصر من جهة ، ويلائم الروحانية الإنجيلية من جهة أخرى.
* سابعا : من تزمت الفريسيين إلى رحمة يسوع.
لقد أعترض الفريسيون على يسوع لأن تلاميذه لما جاعوا في أحد السبوت أخذوا “يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ الحقل وَيَأْكُلُونَها” (متى 12)، وهو بحسب الشريعة أمر “لا يحل”، لأنه “كالقيام بعمل في السبت” ؛ فاجابهم يسوع مستشهدًا بقصة داود الذي لحاجته للطعام هو وجنوده، أكلوا من الخبز المقدس، والذي (لا يحل) أكله “في العادة” إلا للكهنة. وقال : “فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ : إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ! فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا” (متى 12: 7–8).
إن ما يريده يسوع هو أن يحررنا من المفهوم الضيق للشريعة، وأن ينبهنا إلى تجربة اعتقاد أنفسنا أكثر ايمانًا من غيرنا ، لمجرد أننا نحافظ على الشرائع التي نجعلها أحيانًا هدفًا وليس وسيلة، مهملين الهدف الحقيقي : ألا وهو ان نبلغ إلى ملء و كمال المحبة والرحمة.
وقديما في كنيسة القيامة ذاتها، كان شكل التناول، (أقله خلال القرن الرابع)، يتم بقبول جسد الرب على كف اليد، كما تشهد لذلك عظة شهيرة لأسقفها، القديس كيرلس الأورشليمي، والتي جاء فيها : “عندما تقترب (من المناولة) لا تقدّم راحتيك بيد ممدودة، ولا أصابعك غير مجتمعات، ولكن اجعل من يديك عرشًا فاخرا ، لأنها ستستقبل الملك، وفي بطن اليد خذ جسد المسيح وأنت تقول بعناية وإيمان وانتباه : “آميــن”، قدّس عينيك بهذا الجسد المقدّس، ثمّ تناوله ، وانتبه ألا تفقد شيئاً منه، وإذا فقدت شيئاّ كأنّك تفقد أحد أعضائك.. قل لي إذاً، إذا أعطيتك جرامات ذهب قليلة، ألا تحافظ عليها بعناية فائقة؟”.
اعتذر عن التطويل……
مع أن هذا المقال ليس بحثا شاملا..
فمما سبق يتضح امكانية التناول باليد ، وذلك رجوعا للسلطة الكنسية والتي تملك وحدها زمام الأمور في القرارات الاستثنائية .
“طالبين من الذي وهبنا جسده ودمه أن يرفع عن العالم الوباء والمرض وان يرثي لضعفاتنا، ويجعلنا مستحقين أن نتناول من أسراره المقدسة ونحن بلا عيب ولا لوم ولا دنس” آمين…..
الأب / ميشيل شفيق
كنيسة العذراء مريم – غيط العنب