التوبة والمصالحة في زمن فيروس كورونا
نقلا عن الفاتيكان نيوز
21 مارس 2020
مقابلة مع رئيس محكمة التوبة الرسوليّة المونسنيور كرشيشتوف نيكييل سرّ الاعتراف والتوبة في حالة الطوارئ هذه التي يعيشها العالم
أسفرت حالة الطوارئ بسبب وباء فيروس كورونا عن إلغاء ليتورجية التوبة التي كان يُفترض أن يترأسها قداسة البابا فرنسيس عصر الجمعة في بازيليك القديس بطرس في إطار مبادرة “24 ساعة من أجل لرب”. وحول هذا الموضوع أجرى موقع فاتيكان نيوز مقابلة مع المونسنيور كرشيشتوف نيكييل رئيس محكمة التوبة الرسولية، وقال في بداية حديثه إن الأب الأقدس كان سيختتم هذه المبادرة التي تنظَّم كل سنة، وكان يُفترض أن يشارك في دورة خاصة ستون معرّفا، إلا أن انتشار وباء فيروس كورونا دفع إلى تأجيل الدورة وأيضا ليتورجيا التوبة في بازيليك القديس بطرس، إلى جانب مبادرات شبيهة كان قد تم تنظيمها بالفعل على صعيد الكنائس المحلية. ثم واصل المونسنسور نيكييل معربا عن قناعته بأنه ليس من الصعب الحفاظ على روح مبادرة “24 ساعة من أجل الرب”، وبشكل عام على روح زمن الصوم، حيث يمكن لكلٍّ منا حسب أوضاعه الشخصية التوصل إلى الطرق الصحيحة للتعبير عن الارتدد والتوبة المميزَين لهذا اليوم. وذكّر في هذا السياق ببعض أشكال التوبة التي تقترحها الكنيسة مثل الصوم والصلاة والصدقة والصمت، إلا أنه أراد التشديد على أن هذه الأفعال كلها تكون فعالة حقا إذا تم القيام بها بارتداد للقلب والعقل بعون نعمة الله. وأضاف أن الظروف الصعبة التي يعيشها البعض حاليا هي في حد ذاتها تعبير عن التوبة للرب، وأنه يفكر بشكل خاص في المرضى والمتألمين، العامين في قطاع الصحة ومَن يواجهون مصاعب بسبب فقدان العمل، ثم أوكل الضحايا للرحمة الإلهية.
هذا وتطرقت المقابلة التي أجراها موقع فاتيكان نيوز مع المونسينيور كرشيشتوف نيكييل إلى كلمات البابا فرنسيس خلال ترأسه القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا الخميس حيث دعا الأب الاقدس إلى المناولة الروحية، ورفَع الصلاة قائلا: أسجد عند قدميك يا يسوعي وأقدم لك توبة قلبي النادم الذي يغرق في ضعفه وفي حضورك المقدّس”. وقال المونسينيور نيكييل إن المناولة الروحية تقليد قديم للكنيسة يجب أن يلجأ إليه المؤمنون في ظروف مثل هذه التي نعيشها حاليا. وتابع أن مَن ليس بإمكانه أن يشارك في الاحتفال الإفخارستي، وذلك أيضا بفضل وسائل الاتصالات التي تنقل الاحتفالات التي تُجرى بدون مشاركة المؤمنين، يمكنه أن يقدم لله الرغبة الصادقة في تلَقيه، في المناولة، متحدا هكذا روحيا مع الله. تحدث من جهة أخرى عن إمكانية استخدام صلوات عديدة مثل تلك التي استخدمها الأب الأقدس. وتابع أن المناولة الروحية هي ينبوع نِعم كثيرة وخاصةً في زمن تجربة مثل الزمن الحالي.
انتقل الحديث بعد ذلك إلى سر الاعتراف وأجاب المونسينيور نيكييل على سؤال حول كيفية تلقي الافخارستيا بدون سر المصالحة، فقال إنه غير مسموح تلقي المناولة بدون الاعتراف لاسيما إذا كنا ندرك أننا ارتكبنا من خطيئة، وهذا ما يؤكده تعليم الكنيسة الكاثوليكية والقانون الكنسي. وتابع أن البابا فرنسيس قد دعا إلى ترك الكنائس مفتوحة، وشجع الكهنة على ألا يتركوا الشعب الموكل إليهم في حالة الطوارئ هذه. ليس ممنوعا بالتالي التقدّم من سرِّ الاعتراف لمن يمكنه القيام بذلك ولكن مع التمسك بكل الاحتياطات التي تفرضها الإجراءات المدنية. وذكر المونسينيور نيكييل على سبيل المثال بنصيحة مجلس أساقفة إيطاليا ترك مسافة متر على الأقل بين المعرّف والتائب. على الكاهن من جهة أخر أن يتخذ الاحتياطات الممكنة مثل ارتداء الكمامات وعدم لمس المؤمنين بيديه، وهذه هي الاحتياطات ذاتها التي يُنصح بها خلال مسحة المرضى.
سؤال آخر وُجه إلى المونسينيور نيكييل كان حول إمكانية استخدام الهاتف أو البريد الإلكتروني كوسائل استثنائية للاعتراف، وأيضا إن كان ممكنا الاعتراف بدون وساطة الكاهن أي بشكل داخلي مباشر إلى الرب، وقال في إجابته إنه لا يمكن لسر الاعتراف أن يتم عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو وسائل اتصالات أخرى وذلك نظرا لسرية الأمر، وفي المقام الأول لأن هناك حاجة إلى حضور فعلي للتائب. إلا أنه يمكن للكهنة عبر هذه الوسائل أن يقدِّموا نصائح روحية مفيدة للمؤمنين، أن يُعزوهم ويقووهم بالرجاء. أما فيما يتعلق بالاعتراف الداخلي بدون تدخل الكاهن فقال إن الكنيسة قد أكدت على الدوام “أن الاعتراف الفردي الكامل بالخطايا مع الحلّة الفرديّة أيضاً هما الطريقة الوحيدة العادية التي تتيح للمؤمن الذي يعي أن عليه خطيئة ثقيلة، مجال المصالحة مع الله ومع الكنيسة”، حسب ما كتب البابا القديس يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي “المصالحة والتوبة”. وتابع أنه في حالات الخطورة الخاصة حين لا تتوفر الظروف لنوال سر التوبة فإن الكنيسة توفر فرصة الحصول على مغفرة الرب فيما يُعرف بالـ votum sacramenti، أي التعبير عن الرغبة في تلَقي سر المصالحة والاستعداد للاحتفال به في وقت لاحق متى أصبح هذا ممكنا. وأضاف أنه إن كانت الأوضاع لا تسمح بالحصول على الحلة بالشكل الاعتيادي حسب تقدير أسقف الأبرشية، فيمكن في فترة الطوارئ الحالية استبدال الاعتراف بفعل ندامة حقيقي من خلال صيغة فعل الندامة عينها أو بكلماتنا الخاصة، أو من خلال أفعال توبة أيضًا، إن كان هذا ممكنا، مثل الصوم والصلاة والصدقة بانتظار الاحتفال بسر التوبة بالشكل التقليدي.
وفي إجابته على سؤال حول كيفية لمس رحمة الله ومغفرته في هذه الفترة مع غياب حضور الكاهن قال المونسينيور نيكييل إن في أوقات الطوارئ والخوف مثل هذه يُدعى الكهنة والمؤمنون جميعا إلى التوجه بشكل مكثف إلى الرب، طالبين منه أن يجعلنا نشعر برحمته الرقيقة. وأضاف أن الإيمان يعضدنا دائما ويدعم الرجاء في أن الله، في تصميم العناية الإلهية، يعرف كيف يستخرج حتى من الأوضاع السيئة خيرا أكبر، وتابع أن من يؤمن ليس بمفرده أبدا. وذكَّر هنا بكلمات القديس بولس في رسالته إلى أهل رومة “وإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ جَميعَ الأشياءِ تَعمَلُ لِخَيْرِ الَّذينَ يُحِبُّونَ الل” (8، 8). ثم عاد إلى دعوة البابا فرنسيس إلى عدم إيقاف روابط التضامن مع الأخوة خلال هذه الأيام، وتحدث عن تجاوز كلٍّ منا الميل إلى الانغلاق على الذات، قدر المستطاع، وعن تمكننا من النظر إلى احتياجات مَن هم في عوز ومعاناة، وذلك للتعبير عن رحمة الله على مستوى أفقي حسب ما ذكر.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة “24 ساعة من أجل الرب”، والتي كانت تأتي في إطارها ليتورجية التوبة التي تم إلغاؤها بسبب حالة الطوارئ الصحية الحالية، قد أطلقها المجلس البابوي لتعزبز البشرة الجديدة بالإنجيل وتتمحور حول كلمات يسوع: “غُفرت لك خطاياك”.