الحوار والتحاور بين الزوجين أسلوب حياة
يجعل الحوار من الحياة الأسرية، أكثر واقعية Rélle ورجاء وإنفتاحاً، معبداً عنها الأوهام وعالم الإفتراضيات Virtuelle. لذلك سنأخذ نصاً إنجيليًّا، يساعدنا في إكتشاف أهمية الحوار واللقاء وقيمه، بهدف إثراء الحوار بين الزوجيّن.
بعد تكسير الخبز والسمك (راجع، لو9: 10- 17) إعتزل يسوع مع تلاميذه وسألهم عن رأي الناس فيه «من أنا في قول الجموع؟»(لو2: 18). سؤال هام ومفصلي يطرحه الرب على الرسل، يريد أن ينقل إليهم حقيقته الحقّة، لأنّه رأى أن «الإعلام السائد- الإفتراضي» يروّج العديد من التأويلات والتفسيرات عن هويته ورسالته، إذاً من هو يسوع بالنسبة الى الخارج في رأي التلاميذ. طبعاً الأجوبة كانت متعددة ومتنوّعة وأحياناً متفاوتة، هناك من يعتبر يسوع «يوحنا المعمدان» (لو9: 19 أ) وآخرون «إيليا» (لو9: 19ب) أو «نبي من الأولين قام» (لو9: 19 ج) ، ثم يعيد يسوع السؤال مرّة ثانية على التلاميذ قائلاً: «ومن أنا في قلوكم أنتم؟» (لو9: 20)، يسوع يركّز هذه المرّة على الإطار الداخلي العقلانيّ الذي يدور في فلك كل واحد من تلاميذه. فكان جوابهم معلناً في جواب بطرس، الذي صرّح أن يسوع هو «مسيح الله» (لو9: 20) ولكنّ المفاجاة أتت من قبل الرب الذي نهاهم بشدّة وحزم بعدم البوح بالأمر (لو9: 21). السبب، أن الرسل لم يتوصلوا بعد إلى كنه شخصية يسوع، فهم على مستوى الــ Virtuelle الرأي الإفتراضيّ، ولو لم يحاورهم الرب ويعد توضيح وتصليح أفكارهم المسبقة عنه، ويطهّر عقولهم التي نفذت إليها الصور الإفتراضيّة عنه Virtuelle، لكانت أصيبت رسالته بإعاقة تمنعه من تتميمها، ولضاعَ التلاميذ في أنماط حياة وهميّة غير واقعيّة. مبادرة يسوع في التحاور مع تلاميذه أساسيّة في نجاح مسألة قراءة الواقع الواقعي Rélle برمّته، مبعداً الإفتراض Virtuelle عن أذهان تلاميذه «إبن الإنسان عليه أن يعاني آلاما شديدة، وأن يرذله الشيوخ وعظماء الكهنة والكتبة، وأن يقتل ويقوم في اليوم الثالث» (لو9: 22 و 44) والمقصود شخص يسوع وليس أحد آخر إنها الحقيقة الواقعية التي لا غش فيها، فالإفتراضات سقطت والصور المتضاربة تبددت
من هذا المنطلق لمفهوم الحوار، نكتشف في تعليم يسوع أنه لا بدّ من الأزواج أن يبادروا ليتحاوروا، من أجل إيضاح الحقيقة وجلائها عن كل المؤثرات الوهميّة والإفتراضيات المشكوك فيها، التي بإمكانها أن تلحق أضرارا في حياتهم الزوجيّة. وينطلق هذا الحوار من بعدين، البعد الأوّل خارجي يبدأ بطرح السؤال، من هي عائلتنا بالنسبة الى الله والكنيسة ونحن، وأولادنا؟ البعد الثاني داخلي، من نحن بالنسبة الى بعضنا البعض والأولاد؟ لذا عليهم أن يذكّروا ذواتهم بالسبب الجوهري والحقيقي والموضوعي الذي دفعهم الى الزواج، وأعني حقيقة الحب والقدرة على حمايته وتوريثه والمسؤولية تجاهه، بهدف عيش فعالية الحوار مع الله والآخر[1] (الإطار الداخلي) وأن يعرفوا أهميّة العائلة بالنسبة الرب والكنيسة والمجتمع (الإطار الخارجي). الإنسان معرّض في كل لحظة الى التأثرات التي تأتيه إما من داخله (راجع روم7: 23- 24)، أو من الخارج، والتي بإمكانها أن تغير نظرته لذاته وللآخر، ونحن نعلم قوّة تأثير الإعلام الموجّه ووسائل التواصل الإجتماعيّ «يمكن أن تستعمل وسائل الإعلام… لشلّ حركة الجماعة … وأن تتجاهل أو تحط من قدر ما يرفع ويشرّف»[2]!!، فالعائلة تحت رحمة وقساوة مطرقة تلك الوسائل.
إن أهمية تخصيص وقت مستقطع Time out في الحياة الزوجيّة، يحتم على الأزواج أن يعتزلوا سوياً ولفترة محددة عن مشاغلهم اليوميّة، تخصص من أجل الحوار الحقيقي Rélle من أجل التلاقي وتشريج “طاقات الحبّ” وإقصاء كل ما هو وهمي وظرفي Virtuelle في حياتهما، والتخطيط وتنظيم أوضاع الأسرة، وخاصة في إكتشاف حقيقتهما، على غرار ما فعله يسوع مع تلاميذه (راجع، لو9: 18) فما يدور في رأس الشريك هو الأهم، لا يكفي أن تؤمن له إحتياجاته الخاصة وإحتياجات العائلة، فيسوع لم يكتفي في إطعام الخمسة آلاف (راجع، لو 9: 10 – 17)، بل تجده يهتم في معرفة ما يدور في عقل التلاميذ (راجع، لو9: 18-19).
في كتاب السيرة للقديسة تريزيا الأفيليّة، كانت تشدد على أهمية معرفة ما يدور في عقول الراهبات، لأن الشيطان عندما يريد إسقاط إحدى الأخوات في التجربة، يبدأ في إستراتيجية العزل السلبي، بعزل الراهبة عن الرئيسة وقطع الحوار معها ليستنى له بحشو عقلها بأفكار خاطئة وغير صحيحة، وتشويه الحقائق وتحريفها كما فعل مع حواء وآدم (راج، تك 3: 1) زارعاً فيها بذور الخوف من الآخر والضغينة والتخفي (راجع، تك3: 8)، ليقضي في مرحلة لاحقة وهي الأهم على المحبّة وقدرة الغفران والعيش معاً (راجع، تك 3: 24). فإذا كانت الحياة الديرية تقتضي هذا الإهتمام لمسألة الحوار، فكيف بالحري الحوار في البيت “الكنيسة البيتية”؟ ربما هناك من يقول أتركه/ها، على حريته/ها، لكن تأكدوا إن لم تضعوا أفكاركم وما يجول في خاطركم على ضوء كلمة الله وامام الشريك، ستأخذ حياتكم الزوجيّة منحاً خطيراً سيؤدي لا محال الى حدّ إنهيارها. وهذا ينسحب للتوّ على الأولاد، عليكم أن تعرفوا ما الذي يدور في رؤوسهم من أفكار محشوّة حول الحياة والقيم المسيحيّة والعفة والنظرة الى الآخر المختلف وإكتشاف مخاوفهم، لأن هناك الكثير من الأولاد تعاني وتتألم لوحدها دون معرفة الأهل.
إن تخصيص الوقت الكافي للأولاد يجنّبهم مخاطر جمّة وكثيرة، ويمنحهم جواً من الأمان والثقة والإنفتاح. فإذا كانوا لا يتحاورون معكم، أخلقوا لهم الأجواء المناسبة لتحقيق فرص الحوار [إفعلوا بحسب وصيّة القديسة تريزيا الأفيليّة]، هناك الكثير من الوسائل والطرق المعتمدة، وأنا أفضل أن تصلوا وتتحاور معاً في نص مأخوذ من الكتاب المقدس، أو التأمل في حياة أحد القديسين… أو التنزه والسير في البرية أو الجلوس معاً أمام مشهد طبيعي جميل… عليكم ان تعرفوا أن ما يبوح به ولدكم لا يقدر بثمن. يقول الطوباوي يعقوب الكبوشي حول هذه المسألة : «لا تقولي:”إبنتي تقية”. نعم إبنتك تقية. لكن ليت لي أن أصنع جمجمتها من بلّور لأريك الأفكار التي تمرّ في رأسها»[3].
يا ترى لو سألت زوجتك/زوجك أولادكما، من أنا في نظركم؟ ماذا سيكون الجواب؟ واقعي Rélle أم إفتراضي Virtuelle؟ إسألوا… تسمعوا… تروا… تعملوا… تصلحوا… فتتقدّسوا.
[1] – راجع، البابا يوحنا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم، فقرة 11.
[2] – المجلس الحبري لوسائل الإعلام والإتصال الإجتماعيّ، وسائل الإعلام والإتصال الإجتماعية أخلاقيات وآداب، فقرة13 و17.
[3] – رزق الله سليم (الكبوشي)، إسمعوا صوتي الطوباوي يعقوب الكبوشي، ص 150.