الدعوة: مسيرة ” حج” طويلة نكتشفها شيئا فشيئا – البطريرك الكردينال لويس روفائيل ساكو
البطريرك الكردينال لويس روفائيل ساكو
بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لرسامتي الكهنوتية 1/5/1974
من الضروري أن يفهم المرء حياته كدعوة، وليس كمجرد مجموعة معطيات وتصرفات. الدعوة نعمة “هدية” أعطيت له، وعليه ان يعيشها بدوره وان يعطيها بفرح. هذا ما ادركه الرسول بولس حينما قال: “ما تسلمتُه من الرب سلمتُه اليكم” (1 قورنثية 15: 1-8). الدعوة إستجابة شخصيًة، وحرة لهبة الذات، نميّزها بوضوح، من خلال السير مع الله ، والاصغاء إلى كلمته “تعال وانظر” (يوحنا 1: 39)، والاستماع الى احتياجات الناس وطلباتهم وعمل شيء من أجلهم. كل دعوة هي بمثابة حج مع الجماعة ومن أجلها، بدينامية وانفتاح وبخبرات فريدة. قد لا ينطبق هذا الكلام علينا نحن الشرقيين عموماً، إذ نتسرَّع في إتخاذ قرار أو موقف ما مندفعين وراء عواطفنا ثم نتراجع أمام الصعوبات.
1. لم يكن إختيارنا أن نأتي الى هذه الحياة، ولايمكننا بناءها وحدنا. حياتنا لم نحصل عليها بجهودنا، ولايمكننا بناءها وحدنا. حياتنا تلقيناها من والدَينا. وكمؤمنين نعِدُها نعمة من الله، فهو مُحرِّكها ومُلهمها، يقودها الروح القدس بطريقة فريدة، ويريدنا ان نعيشها مع الجماعة التي تنشّيء دعوتنا وتساعدنا على تحقيقها بسخاء وسرور وسلام.
سؤال: هل تدرك انك في الزواج مدعو لتكون أباً ولتكوني اُماً وأن تُرَبيا أولادكما تربية سليمة، مسؤولة وحرّة. هل تُدرك أن الزواج هو دعوة لتكوين عائلة تشارك الله في منح الحياة للآخرين بكل جوانبها، فالزواج ليس مجرد متعة أو بحسب القول الدارج سُنَّة الحياة!
2. الدعوة طريق القداسة، واذا تجاوبنا معها بقناعة وقوة، ستجعلنا سعداء خصوصاً عندما نقود الآخرين الى الفرح، لأن دعوتنا في الأساس هي دعوة لنحب الاخرين حباً جماً ونخدمهم بكل قوانا، على خطى المسيح “فقَد جَعَلتُ لَكُم مِن نَفْسي قُدوَةً لِتَصنَعوا أَنتُم أَيضاً ما صَنَعتُ إِلَيكم” (يوحنا 13: 15). المسيحيون مدعوون إلى اتباع المسيح في مسارات مختلفة وحالات متنوعة من الحياة، فتقودهم إلى الحرية والوحدة والانسجام وحمل الرسالة التي كُلِّفوا بها، بحيث يجدون فيها مكانتهم في الحياة، وفرحتهم في الاستجابة لها بشغف!
سؤال: هل تدرك أن دعوتك الخاصة في التكريس هي لتبني حياتك على الله وعلى انجيل الفرح بسخاء، وليس على ما هو خاص وشخصي، وأن تنقله الى الاخرين بجذرية، أم أن تكريسك كان مجرد عاطفة وبعده صرت تبحث عن بدائل؟؟
ختاما أقول ان الدعوة بلا شك مغامرة عظيمة، ولا يمكن ان تفهمها وتعيشها دفعة واحدة.هذا ما فعله أبونا إبراهيم وبولس الرسول والمدعوون الحقيقيون، عندما مس الله قلبهم. قد لايمكننا أن نقول الشيء الكثير عن الدعوة، لانها في النهاية، سرّ يجعلنا نتتبع الطريق طوال حياتنا من خلال اصغائنا لصوت الله وصوت الآخرين لنندمج في السر الفصحي. فالدعوة تشبه إلى حد كبير عملاً فنياً يرسم ملامح حياتنا بهدوء وصمت وتجرّد، بثقة ومن دون خوف، ويجسد مسيرتنا وأبديتنا.
نصيحة: اقرأ بتمعن وتأمل سيَرالمدعوين لعلَّك تكتشف فيها ملامح دعوتك الخاصة.