الدين بين الايمان والتدين والطبيعي: 2. التدين الطبيعي – للاب هاني باخوم
الدين بين الايمان والتدين والطبيعي: 2. التدين الطبيعي
للاب هاني باخوم – وكيل بطريركية الاقباط الكاثوليك
والمتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية بمصر
القاهرة 23 سبتمبر 2018
الدين بين الايمان والتدين الطبيعي سلسلة مقالات تهدف الى محاولة تحليل فعل الايمان عند الانسان، بغض النظر عن ديانته، معتقداته وافكاره. في المقالة السابقة وجدنا كيف ان الانسان يحيا صراع بين رغبة في السمو والابدية وواقع محاط بموت ونهاية. وكيف يرد ولو بطريقة غير واعية. فهناك من يهرب من هذه الصراع فيحيا اليوم بيومه، في واقع الحياة اليومي المحشود بانشغالاته واهتماماته. يتخلص من الازمة لانه في العمق لا يجد لها حل. فيقرر انها ليست موجودة اصلا. هذا القرار لا يصمد كثيرا، تأتى الرياح بما لاتشتهيه السفن. يأتي الواقع ويرى الانسان نفسه امام محدوديته من جديد. ومن جديد الصراع.
ولكن هناك من يقرر شيء اخر: التدين اي التدين الطبيعي
يجد الانسان نفسه امام هذا الواقع، محدود وصغير، فشيء لا ارادي بداخله يجعله يبحث عن قوى اكبر منه، عن مصدر اعلى منه يمده بالحياة، يبحث عن كيان يعبده، وهذا ما يسمى التدين الطبيعي وهو حسن في حد ذاته وشيء وضعه الله في قلوبنا كي نبحث عنه، ولكن تأتي المشكلة عندما يحرف الانسان هذا الشعور. كيف؟
في البدء كان الانسان يبحث عن قوى كبيرة مثل النار او الامطار او السماء او الاشياء الخارقة ليعبدها، فماذا كان يفعل؟ يجد شيء كبير في الطبيعة، جبل او هضبة، صخرة مثيرة وغريبة، فكان يعتقد انها نزلت من السماء فيبنى عليها مذبح يقدم منها تضحيات لهذه القوى الكبيرة، كي يجعلها تحن عليه وتعمل له ما يطلبه منها او لكي تحميه من الشرور.
فالانسان كي يجعل هذه القوى الكبيرة تحقق له مشيئته، وتحميه كان قادرا ان يصنع اي شيء، يضحي باي شيء، حتى ظهرت التضحيات البشرية، كلها يقدمها الانسان كي يكسب تلك القوى، بغض النظر عنما هي. ليس المهم في التدين الطبيعي من اعبد، ولكن ماذا يستطيع ان يصنع لي وكيف لي ان اكتسب رضاه. وكأن هذه القوى الكبيرة ثأرة دائما وترغب في من يوقف ثورتها بتضحيات وباعمال ترضيها على الدوام.
التدين الطبيعي يجعلنا نخاف من هذه القوى، فيجب ان نهابها، ونجعل لها مكان خاص، واشخاص خاصين للتعامل معها، والا دمرتنا.
التدين الطبيعي حرفه الانسان واصبح يقوم على كيفية ارضاء هذه القوى التي اختارها الانسان ونصبها عليه، وعلى كيفية كسبها كي تصنع ما نريد. فيكون الحوار بين الانسان ومن اختاره كبير عليه هو محصلة طلب العفو والسماح، ثم طلب اشياء لي ولابني ولزوجتى والى اخره.
التدين الطبيعي ما كان في قلب الانسان كي يبحث عن الله جعله الانسان وسيلة كي يحقق رغباته ويحمي نفسه، فلا يصمد، لان هذه القوى في اوقات كثيرة لا تصغي لمشيئتنا، لا تنصاغ لارادتنا، من جديد تأتي الرياح بما لاتشتهيه السفن، ومن جديد الازمة: واقع لا يتغير، مرض لا يشفى، فشل لا يمضي، ……والنتيجة تشكك من هذه القوى، صراع، بل واكثر من قبل، يُخذل الانسان، كان يعتقد انه وجد من يخلصه، ومن جديد يجد صراعه بين يديه وتلك القوى لا تخدمه او كما يقول في اوقات غير مباليه.
التدين الطبيعي ظاهرة طبيعية وحسنة في الانسان ولكن مهم ان تتطور والا لا تصمد امام الواقع، امام العلم، امام التقدم. الهذا نجد الالحاد ينتشر؟
التدين الطبيعي عليه ان ينمو ويصبح ايمان. مازل الانسان بالرغم من تقدمه وعلمه، يحيا في اوقات كثيرة علاقته بالله بهذا المستوى من التدين الطبيعي فقط. ولكن مهم ان يتسامى الى الايمان، فالايمان هو الفعل الاسمى من التدين الطبيعي. فما هو الايمان؟
للمرة القادمة.