stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

متنوعة

الرجاء المسيحي

2kviews

إن بولس الرسول يساعدنا منذ عدّة أسابيع في فهم ما ينطوي عليه الرجاء المسيحيّ بشكل أفضل. لقد أوضحنا أن الرجاء ليس تفاؤلًا إنما هو مختلف. وبولس الرسول يساعدنا على فهم هذا الأمر. وهو اليوم يساعدنا إذ يقرّب الرجاءَ من موقفين مهمّين للغاية في حياتنا وفي خبرة إيماننا: “الثَّباتَ” و”العَزاءِ” (روم 15، 4. 5). وقد ذُكِرا مرّتين في المقطع الذي سمعناه للتو: أوّلًا بإشارةٍ إلى الكتب المقدّسة ومن ثم إلى الله ذاته. فما هو معناهما الأعمق، والأصحّ؟ وبأيّة طريقة ينيران واقع الرجاء؟ هذان الموقفان: الثبات والعزاء.

يمكننا أن نحدّد الثّبات على أنه مثل الصبر: إنه القوّة على التحمّل، على البقاء أمناء، حتى عندما يبدو الحملُ لنا وكأنه ثقيلٌ للغاية، لا يُحتَمل، فنميل إلى الحكم سلبًا وإلى التخلّي عن كلّ شيء وعن كلّ شخص. أمّا العَزاءِ، فبالعكس، هو نعمة معرفةِ كيف ندرك ونبيّن حضورَ الله وعملَه التضامنيّ، في أي ظرف من الظروف حتى في تلك المطبوعة بخيبات الأمل والمعاناة. والآن يذكّرنا القديس بولس أن الثّبات والعَزاءِ يُنقلان إلينا بشكل خاص عبر الكتب المقدسة (آية 4). في الواقع، إن كلمة الله تحملنا أوّلًا إلى أن نوجّه نظرنا إلى يسوع، إلى أن نعرفه بطريقة أفضل وأن نتشبّه به، وأن نشبهه أكثر فأكثر. وتكشف لنا الكتب المقدّسة ثانية، أن الربّ هو حقّا “إلهُ الصَّبرِ والعَزاءِ‏” (آية 5)، الذي يبقى دومًا أمينًا لمحبّته لنا، أي أنّه ثابت في محبّته معنا، لا يتعب أبدًا من محبّتنا! إنه ثابت: يحبّنا على الدوام! ويعتني بنا، فيستُر جراحَنا بعناقٍ من صلاحه ورحمته، أي يعزينا. ولا يتعب أبدا من تعزيتنا.

نفهم أيضًا، في هذا المنظور، تأكيد بولس الرسول في بداية النص: “عَلَينا نَحنُ الأَقوِياء أَن نَحمِلَ ضُعْفَ الَّذينَ لَيسوا بِأَقوِياء ولا نَسْعَ إِلى ما يَطيبُ لأِنْفُسِنا” (آية 1). وقد تبدو هذه العبارة “نحن الأقوياء” متعجرفة، ولكنّنا نعرف أن الأمر ليس كذلك بمنطق الإنجيل، بل على العكس تمامًا، لأن قوّتنا لا تأتي منّا، إنما من الربّ. فمَن يختبرُ في حياته محبّة الله الأمينة وتشديده هو قادر، لا بل من واجبه أن يبقى بقرب الإخوة الأضعف وأن يحمل مسؤولية هشاشتهم. إن كنّا بقرب الربّ، فستكون لدينا القوّة للتقرّب من الضعفاء والمحتاجين، ولتعزيتهم، ولمنحهم القوّة. هذا ما يعنيه. وهذا بإمكاننا أن نقوم به دون إرضاء ذاتي، إنما ونحن نشعر بكوننا “قناة” تنقل عطايا الربّ بكلّ بساطة؛ ونصبح هكذا في الواقع “زارعي” رجاء. هذا ما يطلبه الربّ منّا، بواسطة هذه القوّة وهذه القدرة على منح التعزية وعلى أن نكون زارعي رجاء. ومن الضروري اليوم زرع الرجاء، ولكنه ليس بأمر سهل…

وثمرة هذا النمط من الحياة، ليست جماعة يكون فيها البعض من “المجموعة أ”، أي الأقوياء، والآخرين من “المجموعة ب”، أي الضعفاء. الثمرة هي، على العكس، كما يقول بولس، “اتِّفاقَ الآراءِ فيما بَينَكم كَما يَشاءُ المَسيحُ يسوع” (آية 5). فكلام الله يغذّي رجاءً يُتَرجَم واقعيًّا بالمشاركةِ والخدمةِ المتبادلة. لأنّ من هو “قويّ” سوف يختبر الهشاشةَ عاجلًا أم آجلًا، ويحتاج إلى مساعدة الآخرين؛ والعكس بالعكس، فمِن المُمكن أيضًا، في حالة الهشاشة، أن نُهدي بسمة أو أن نمدّ يد المساعدة لأخ يمرّ بالصعوبات. فتكون هكذا جماعة تمجّد “اللهَ بِقَلْبٍ واحِدٍ ولِسانٍ واحِد” (را. آية 6). لكن كلّ هذا ممكن إن وُضِعَ في الوسط المسيحَ وكلمته، لأنه هو “القويّ”، هو الذي يعطينا القوّة، والذي يعطينا الصبر، والذي يعطينا الرجاء، والذي يعطينا العزاء. هو “الأخ القويّ” الذي يعتني بكلّ واحدٍ منّا: إنّنا جميعًا، في الواقع، بحاجة لأن نُحمَلَ على أكتاف الراعي الصالح وأن نَشعرَ بمعانقة نظرته الحنونة والساهرة.

أيها الأصدقاء الأعزّاء، لن نشكر الله أبدًا بما فيه الكفاية على عطيّة كلمته، الحاضرة في الكتاب المقدس. حيث يظهر أبو ربّنا يسوع المسيح على أنه “إلهُ الصَّبرِ والعَزاءِ‏”. وحيث ندرك كم أنّ رجاءنا لا يرتكز على قدراتنا وعلى قوانا، إنما على دعم الله وعلى أمانة محبّته، أي على قوّة الله وعزائه. شكرَا.

* * * * * *

Speaker:

تابع قداسة البابا تعاليمه حول الرّجاء المسيحي مستعينًا بكلمات القدّيس بولس في رسالته إلى أهل روما حيث يبيّن أهمّية “الثَّباتَ” و”العَزاءِ” في حياة المؤمن. والكتاب المقدّس يدعونا من خلال هذين الموقفين إلى التشبّه بالمسيح أكثر فأكثر ويكشف لنا أن الله هو حقّا “إِلهُ الثَّباتِ والعزاء”، إذ إنه هو من يعطينا القوّة للتحمّل، أي الثبات، ونعمة إدراك حضوره في أي ظرفٍ كان، أي العزاء. وأوضح البابا أن هذه القوّة التي أُعطيَت لنا، لنكون أقوياء، إنما هي كي نعطيها بدورنا لإخواننا الذين يمرّون في الصعاب. فالقويّ، عاجلًا أم آجلًا، سوف يختبر الهشاشةَ وسيحتاج بدوره إلى مساعدة الآخرين. والجماعة التي تقوم على هذا النمط من الحياة تعيشُ رجاءً يُتَرجَم واقعيًّا في المشاركةِ والخدمةِ المتبادلة. مع التأكيد على أن هذا لن يكون ممكنا إلا إذا وُضِعَ المسيحَ وكلمته في وسط الجماعة. ودعا البابا إلى شكرِ الله على عطيّة الكتاب المقدس، حيث به ندرك كم أنّ رجاءنا لا يرتكز على قدراتنا ولا على قوانا، إنما على “إلهُ الصَّبرِ والعَزاءِ‏”، الأمين لمحبّته لنا.

* * * * * *

أرحّب بالحجّاج الناطقين باللغة العربية، وخاصة القادمين من مصر، ومن الأراضي المقدسة، ومن الشرق الأوسط. يصبح الثبات مستحيلًا إن لم يُبنى على الرجاء؛ ويصير العزاء مخادعًا إن لم يؤسّس على الثقة في حضور الربّ الأكيد والقريب. إن الثبات والعزاء يصيران مستحيلين بدون وضع المسيح في قلب حياتنا ووجودنا ورجائنا. ليبارككم الرّب ‏جميعًا ‏ويحرسكم من الشرّير!‏

***********

 جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2017

وكالة زينيت