الرضى في الزواج- الأب د. أيوب زكي
1-الخداع وتأثيره على الرضى الزواجي
يقرر القانون 821: “يحتفل بالزواج على وجه غير صحيح من وقع في خدعة دبرت له لنيل رضاه، متعلقة بإحدى صفات الطرف الآخر التي قد تنغص بطبيعتها شركة الحياة الزوجية على نحو خطير”.
إن الخداع يجعل الفعل القانوني باطلاً، كما قرر ذلك القانون 932 البند 2: “الفعل القانوني الذي أنجز تحت (نوع) آخر من الإكراه أو عن خوف شديد أوقع ظلماً أو عن خدعة، هو صحيح، ما لم يستدرك الشرع غير ذلك؛ لكن يمكن أن يفسخه القاضي بحكم منه إما بناء على طلب الطرف المتضرر أو من يخلفه في حقوقه، وإما بحكم المنصب”.
إن الخداع شر يفسد مبدأ التعامل بين الناس، لذا يجب مقاومته ومحاربته حتى انتفائه من الوجود. والقوانين الحديثة تناولته ومنها القانون الفرنسي، كما نصّت عليه المادة 1116: “الخداع سبب لبطلان التعاقد، عندما تبلغ المناورات المستعملة من قبل الطرفين مبلغاً يمكن القول معه: لولاها لما قبل الفريق الآخر بالعقد”.
إن تدقيق النظر في القانون الذي يتناول الخداع يقودنا إلى استخراج فرضيات أربع لابد أن تتحقق مجتمعة لكي يكون الخداع مبطلاً للزواج، وهذه الفرضيات هي كالتالي:
(1) أن يكون الخداع سبب الغلط
يقول عامة الفقهاء إن الكذب وكل الوسائل بما فيها الصمت عن العيوب الخطيرة تؤدي إلى الغلط الذي يفسد الرضى، غير أن إثبات الخداع أسهل إذا تم بالفعل والكلام وأصعب إذا تم عن طريق الإخفاء والصمت. ويجب أن يصدر الخداع عن شخص ما على الأقل، لكي يكون هناك خادع ومخدوع، ولا فرق في أن يكون الخادع هو أحد المتعاقدين بالذات أو شخص ثالث.
(2) أن يحصل الخداع بقصد انتزاع الرضى
من حيث المبدأ يجب أن يستهدف الخداع الرضى. ولقد انتقد بعض الفقهاء نص القانون الذي يتطلّب أن يكون الخداع بقصد انتزاع الرضى وليس مسبباً له فقط والدليل على ذلك، أن القانون 825 الذي يحدد أن الزواج المحتفل به بداعي الخوف الشديد باطل، سواء كان الخوف بداعي انتزاع الرضى أو بأي داع آخر. ولكن نستطيع القول إن المشرّع أخذ بعين الاعتبار الفرق بين تأثير الخوف الشديد على الإرادة وتأثير الخداع، فالأول يعطّل الإرادة بشكل حتمي، أما الخداع فهو مجرد شائبة تسبب نقصاً في الإرادة، لذلك وجب ألا يؤخذ بكل خداع بل فقط بذلك الموجه لانتزاع الرضى، لأن كل خداع لآخر يمكن أن يخف تأثيره على الحرية إلى حد انعدامه، وهذا الأمر لا يتحقق في حال الخوف الشديد.
(3) أن يكون موضوع الخداع صفة من صفات الطرف الآخر
يحدد القانون 820 البند2 الصفة المقصودة بطريقة مباشرة وأساسية، ولذلك يمكن فهم الصفة بالمعنى الواسع لأنها غير موصوفة ومحددة. أما في القانون 821 الذي يتكلم عن الخداع فيقتضي أن تكون الصفة من النوع الذي يعكّر الحياة الزوجية على نحو خطير، فهي موصوفة وبالتالي أقل اتساعاً من الأولى. علاوة على ذلك يُقتضى في الخداع أن تكون الصفة المقصودة في الطرف الآخر حكماً وفعلاً.
ويرى البعض أنه ينبغي أن يفهم من كلمة الطرف الآخر بالمعنى الواسع أي ليس فقط بالمعنى المادي بل بالمعنى العاطفي أيضاً، أي الشخص بكامل علاقاته التي يصرّ عليها، والتي تؤثر بالتالي على استقرار الزواج. يحدث ذلك عندما يكون هناك عيب في والدة الزوج لا فيه هو شخصياً، وأن يكون هذا العيب خافياً عند الاحتفال في الزواج، وهذا يؤدي إلى زعزعة الحياة الزوجية، وأن يبقى الزوج رغم ذلك مصراً كل الإصرار على العيش مع والدته.
(4) أن تكون هذه الصفة بذات طبيعتها قادرة على تعكير شركة الحياة الزوجية على نحو خطير
الصفة التي نحن بصددها هي الصفة التي يقتضي أن تكون موجودة في المحتفل بزواجه وهي مهمة جداً موضوعياً وذات صلة بطبيعة الزواج وأهدافه، بحيث أنه يعتبر فقدانها نقصاً أساسياً في شركة الزواج. مثال ذلك: العقم نتيجة عملية جراحية، أو الحمل من الغير، أو الحكم بسجن طويل، أو الإصابة بمرض فتّاك لا شفاء منه كالإيدز. وتُقاس الصفة وخطورتها على ضوء المكان والزمان، فمثلاً فقدان غشاء البكارة يعتبر ذا شأن وأهمية خاصة في بعض البلاد، بينما لا يعبر عن ذات الأهمية في مناطق أخرى. يمكن أن نقول إنه لا يكفي قياس مدى الخطورة في هذا المجال بقياس موضوعي، بل يجب أيضاً قياسه بمقياس شخصي.
ولكي نقيّم مدى الخطورة الناجمة عن الحالة وأهمية الصفة التي حدث فيها الخداع، وجب علينا أن نلمس إلى أي مدى تعكّر صفو الحياة الزوجية على نحو خطير.
2-الغلط في وحدة الزواج وعدم انحلاله أو كرامته كسرّ مقدّس
يقرر القانون 822: “الغلط فيما يخص وحدة الزواج أو عدم انحلاله أو كرامته كسرّ (مقدّس)، لا يفسد الرضى الزواجي، ما لم يكن هو الدافع للإرادة”.
إن المقصود بالغلط حسب نص القانون الذي نحن بصدده هو المفهوم الخاطئ للتعليم الكنسي الخاص بالزواج المسيحي. إننا نجد هذا- المفهوم الخاطئ- سائداً بين الديانات غير المسيحية والتي تبيح تعدّد الأزواج أو الزوجات، وأيضاً لدى بعض الطوائف غير الكاثوليكية والتي تقرّ مبدأ الطلاق، أو التي لا تؤمن بأن الزواج سرّ مقدس.
هذا المفهوم الخاطئ قد يتحقق لدى بعض الكاثوليك فيما يخص وحدة الزواج. المفهوم الخاطئ للزواج لا يعيب الرضى في حدّ ذاته، لأن الرضى الزواجي هو فعل إرادة يقوم به الرجل والمرأة لإنشاء الزواج (راجع القانون 817 البند1)، ولكن يستطيع شخص أن يحتفل بزواجه وهو يعتقد خطأ أنه يحتفل به حسب إرادة المسيح وطبقاً لتعليم الكنيسة، بينما هو في الواقع يرفض إحدى خصائص الزواج الجوهرية، فإنه في هذه الحالة يكون رضاه باطلاً، وبالتالي زواجه باطل. هذا الزواج الذي يقوم على المفهوم الخاطئ يحتفل به في الكنائس الشرقية وبالتحديد في الزيجات المختلطة بين طرف كاثوليكي وطرف أرثوذكسي والذي يقرّ مبدأ الطلاق.
يجب أن يكون الخطأ خطأ واقعياً لا نظرياً، بمعنى أن الطرف الغير كاثوليكي وهو يحتفل بزواجه بطرف كاثوليكي، إنما يريد فعلياً أن ينكر إحدى الخصائص الجوهرية، وبالتالي يحتفل بالزواج باطلاً.
لقد أبقى المشرّع الحديث على القانون 75 للإرادة الرسولية: “الغلط البسيط فيما يخص وحدة الزواج أو عدم قابلية انحلاله أو مقامه كسرّ، ولو كان الغلط سبباً للعقد، لا يفسد الرضى الزواجي”.
3- العلم أو الاعتقاد ببطلان الزواج
يقرر القانون 823: “العلم أو الاعتقاد أن الزواج باطل، لا يستبعدان بالضرورة الرضى الزواجي”.
يحدد هذا القانون الحالة التي فيها يعبر الشخص عن رضاه الزواجي الطبيعي، والحر، والكامل لإقامة الزواج، بينما هو متأكد ببطلان زواجه بسبب وجود مانع مبطل، أو بسبب عيب في الصيغة القانونية (الشكل القانوني).
هذه الحالة لا تستبعد بالضرورة الرضى الزواجي كفعل إرادة. هذا الاعتقاد بوجود مانع كنسي مبطل تستطيع الكنيسة أن تفسح فيه، مثل مانع السن أو القرابة الدموية في الخط المنحرف، أو بوجود عيب في صيغة الاحتفال، مثل عدم اختصاص الكاهن الذي يرأس صلاة الإكليل: في هذه الحالة يمكن تصحيح الزواج من الأصل دون تجديد الرضى الزواجي (راجع القانون 848 البند1).
أما إذا كان الزواج باطلاً بسبب وجود مانع مبطل ولا تستطيع الكنيسة أن تفسح فيه، مثل الارتباط بزواج سابق أو العجز الجنسي، في هذه الحالة، الاعتقاد ببطلان الزواج يفسد بالضرورة الرضى الزواجي، ولا يمكن تصحيحه إلا بعد زوال المانع؛ ويزول مانع الارتباط بزواج سابق بوفاة أحد الزوجين ومانع العجز الجنسي بشفاء الطرف المريض.