stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصرروحية ورعويةكنيسة الكلدان الكاثوليكموضوعات

الروحانية المشرقية – الحلقة 2 ” الكاردينال لويس روفائيل ساكو “

700views

نقلا عن موقع بطريركية بابل للكلدان 

14 أكتوبر – تشرين الأول 2020

كتب : فتحي ميلاد – المكتب الأعلامي الكاثوليكي بمصر 

 

الروحانية المشرقية – الحلقة 2
المسيح القائم محور الروحانيّة المسيحيّة
الروحاني يُصَوِّبُ نظره نحوه المسيح القائم

 

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

ترتكز الروحانيّة المسيحيّة على حَدَثِ قيامة المسيح، واختبار نور قيامته، مُصَوِّبةً النظر نحوه (المسيح القائم). هذا هو اليقين المُطَمئِن للمسيحي. تقول الرسالة الاولى الى قورنثية بوضوح: “إذا كان المسيح لَم يَقُم من بين الاموات، فإيمانُنا باطل” (1قورنثية 13/15). هذا الايمان بقيامة المسيح هو أساسُ العلاقة والشركة بين المؤمن وبين المسيح  المُمجَّد “أنتم فيّ وانا فيكم” (يوحنا 14/ 20). هذه رؤية وجدانية تنبع من داخل قلبِ الانسان. يَشرق الله في قلوبنا لكي نستنير بمجد قيامة المسيح، من خلال تصويب نظرنا على وجهه. كلُّ شيء يتم من خلال الاتصال بسرّ المسيح المنبعث من بين الاموات. فيه نكتشف تجليات الله في حياتنا بإيمان وشوق. لهذا السبب الجوهري، جعلت كنيسة المشرق الصليبَ في كنائسها صليباً مُمَجَّداً، اي خالياً من جسد المصلوب. انه بالنسبة لهم بمثابة القبر الفارغ، والبوصلة التي تُشير الى قيامته وهي عربون قيامتنا إن سرنا على نهجِه.

لاهوتُنا المشرقيُّ يُعِّبر عن نظرةٍ لاهوتيةٍ وبُعدٍ “اسكاتولوجي” ينطلق من لاهوتِ القيامة والحياة والتجدد الذي هو شعار ليتورجيتنا. لاهوتٌ خلاصيٌّ يُركِّز على النعمة والبركة والفرح، أكثر من التركيز على الصلب والالم. فالصليبُ الفارغ يُذكِّر المؤمن كلَّما دخل الى الكنيسة بان قيامة المسيح هي عربون قيامته. هذه تعزية عظيمة ترسّخ ثقته ورجاءَه.

يقول يسوع في خطاب الوداع: “لن أَدَعَكم يَتامى، فإِنِّي أَرجعُ إِلَيكم. بَعدَ قَليلٍ لَن يَراني العالَم. أَمَّا أَنتُم فسَتَرونَني” (يوحنا 14/ 18-19). بمعنى آخر يقول: اني آتي اليكم عند قيامتي. آتي اليكم بروحي القدوس: “الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء، ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم” (يوحنا 14/ 26). الروح القدس هو سيواصل علاقتنا به ويعمق معرفتنا” ونَزدادُ مَجدًا على مَجد، وهذا مِن فَضلِ الرَّبِّ الَّذي هو روح” (2 قورنثية 3/ 18).

من هم هؤلاء الذين سيَرونه وسيَحيون فيه؟ انهم الذين حياتهم هي المسيح، يعرفون وصاياه، ويحفظونها في عقولهم وقلوبهم.

يقول أفراهاط الحكيم: “نُسبِّحك يا مُتَجَلبِباً بالمجد، ونَشكرك يا من لا تحتاج الى ذلك. صوَّرناك في قلوبنا، وعبّرنا عن شِبهِك في ضمائرنا. جعلتنا هياكل يسكن فيها وقارك” (المقالة 23 /59)1. ونرساي: “كرَّمَنا في البداية والنهاية فوق كلِّ ما كان، حين دعانا صورته، وجعلنا مسكن لاهوته” (المقالة 3 /490).

يُميِّز يوحنا الدلياتي بين الطبيعة الالهية والمجد الالهي. “الله في ذاته (الاب) والله في توجهه نحو البشر هو يسوع المسيح” (الرسالة 1/ 24).

يُشدد جميع الاباء على عدم إمكانية مشاهدة الله خارج يسوع المسيح. كل شيء يتم فيه وليس خارجاً عنه، أو في غيره. المسيح هو المركز ” كلاّ في الكل Christocentrism“. “هو الَّذي أَشرَقَ في قُلوبِنا لِيَشُعَّ نورُ مَعرِفَةِ مَجدِ اللّه، ذلِكَ المَجدِ الَّذي على وَجهِ المسيح” (2 قورنثية 4/ 6).

يشرح نرساي هذه العلاقة قائلا: “هو الهيكل الذي سنعبد فيه الطبيعة الالهية غير المحدودة، وكأننا في باب الهيكل لان المسيح سيكون مثل الصورة تستطيع حواسنا الخارجية مشاهدتها، وسيتحقق الفكر من وجود الجوهر الالهي الذي سيبقى غير منظور” (الميامر طبعة منكنا 236).

يقول يوحنا الدلياتي: “مشاهدة المسيح المُمجَّد تكون في داخل قلب الانسان… لقد اشرقت في قلوبنا فاستنارت هذه بمجد الله” (الرسالة 4/7). ونرساي يتكلم عن عين الوجدان: “بعين الوجدان)ܪܥܝܢܐ) الخفية يجد الرحمة في بيت الدين” (المقالة 3 /490).

يتكلم مار أفرام عن الارتقاء: “يرتقي الاجساد طبقات النفوس، والنفس طبقةَ الفكر. ويرتقي الفكر ذُروةَ الجلالة، وهو يقتربُ بخشيةٍ ومحبةٍ، ولا يُغريه الارتقاء ولا يبعده الانفصال”2.

يذهب كتاب المراقي (القرن الرابع) الى أبعد من هذا عندما يتكلم عن رؤية الروحانيين مجد المسيح اعتباراً من هذه الحياة: “يَنظرون الى ربِّنا في هذا العالم، بالروح كما في مرآة. وعندما يموتون عن اجسادهم يُشاهدونَه وجهاً لوجه، كما من مجدٍ الى مجد” (العِظة 2/5)3.

يتدرج هذا الارتقاء عند نرساي من المعمودية الى خبرة الافخارستيا “ولادته جديدة… فتُدرّجه مثل ولد الى الحياة الآتية. أمٌّ روحيَّة هيّأت لحياِته حليب الروح، وبدل الثديَين وضع في فمه الجسد والدم” (ميامر ليتورجية الميمر3/215-220). يؤكد ثيودورس المصيصي (+428) ان هذا التدرج الى الخلود – المجد يتم عبر خبرة الافخارستيا التي تُغذي الولادة الجديدة التي تمت بالمعمودية.

سرُّ قيامة المسيح حاضرٌ في الحياة المسيحيَّة من خلال الافخارستيا: ” بعد ان قبلتم الولادة الحقيقية بالقيامة، تأخذون طعاماً آخر يَعجز عنه الكلام. وتتغذون من نعمة الروح القدس التي بها تظلون خالدين في اجسادكم وثابتين في نفوسكم. هذا هو الطعام الذي يوافق هذه الولادة. أخذ القربان والمشاركة في الاسرار، يوفر لنا القيامة والتنعم بالخلود” (الموعظة 15/2-3)4.

ويشرح ثيودورس دور الروح القدس في هذا التحول: “هذا يحصل عليه بطبيعة الروح المحيي، الذي به ينتقل الى هذه الحالة وهي ان يصير خالداً، وان يهب الخلود للآخرين ايضا” (الموعظة 15/11). ونرساي: “فالسر يرمز الى ما كانَ والى ما سيكونُ” (شرح الاسرار/25)5. ويصلي ليوسف حزايا من اجل هذا الارتقاء – الاندماج : “والآن عندما يأتي روحك من السماء ويحل على هذه الأسرار ليتني ارتقي بالروح من الأرض إلى السماء في هذا الوقت. وعندما تمتزج قوّتك بالخبز ليت حياتي تمتزج بحياتك روحيّا في هذا الوقت. وعندما تتحول الخمر إلى دمك، ليت أفكاري تثمل باندماجها في محبتك”8.

يلخص الاب ميشيل الحائك اللبناني هذه الروحانية المشرقية بقوله: “تحيي الكنيسة الارامية (السريانية) الانحناء على قبر المسيح والانغماس معه في غبشة (فجر) السبت المقدس… انها مكرسة للسهر الغَسَقي مع الرجاء بمجدٍ لا يزال موعودا”6.

مراحل التقدم الروحي نحو القيامة

يقدم العديد من الاباء ادوات عملية للتقدم نحو القيامة. نذكر منهم على سبيل المثال يوحنا الافامي ويوسف حزايا واسحق النينوي وشمعون ده طيبوثا، ويسمونها بتسميات مختلفة: طقس، درجة، سيرة، قياس، مذبح ܛܟܣܐ، ܕܪܓܐ، ܕܘܒܪܐ، ܡܫܘܚܬܐ، ܡܕܒܚܐ ثلاث مراحل هي للتطهير والتقديس والاتحاد7، من خلالها يتمكن الروحاني من بلوغ ذروة الاتحاد بالله، والتحرر الكامل من العالم الحسي. هؤلاء الآباء متأثرون بنهج مقاريوس المنحول وافاغريوس البنطي.

المرحلة الاولى هي المرحلة الجسدية ܦܓܪܢܝܬܐ. ينصَّب فيها عمل الروحاني في تهذيب الذات، للسيطرة على الميول الرديئة والافكار الخبيثة (فوضى الغرائز)، اي إماتة الغرائز mortification، كما كان يُعلم في المعاهد الرهبانية والكهنوتية سابقاً، والعمل اليدوي، وتجنب الخطيئة، وممارسة الصوم والسهر والصلاة. هذه مرحلة تنقية الذات.

المرحلة النفسية ܢܦܫܢܝܬܐ. ممارسة الفضائل وأعمال التوبة، وانكسار القلب، والزهد وحفظ الوصايا.

المرحلة الروحية ܪܘܚܢܝܬܐ. بعد مرحلة التنقية وممارسة الفضائل وحفظ الوصايا، يصل الروحاني الى مرحلة الحبّ الذي يشرق في قلبه، والى الشفافية (ܫܦܝܘܬܐ) التي تُتيح له ان يرى بعين القلب والفكرتجليات اسرار الله. مرحلة هي عربون القيامة على رجاء الملء في الحياة العتيدة.

هذه المراحل الثلاث يُسميها يوسف حزايا (القرن الثامن) ܡܘܫܚܬܐ قياسات أو محطات ويؤسس خلاصة synthesis لاهوتيّة وروحانية متبلورة9. بينما شمعون ده طيبوثيه (القرن السابع) يسميها ثلاث مذابح. ويرى ثلاثة أنواع من المعرفة: المعرفة الطبيعية الحسية والمعرفة العلمية والمعرفة الالهية او المشاهدة الروحية10.

هكذا يغدو الروحاني ايقونة تشير الى الله من خلال مرحلة التطهير والتقديس والاتحاد بصلاته ورؤيته الروحية.

من صلاة لمار افرام: “اللهمّ إننا نلقاك كل يوم في أسرارك، ونستقبلك في جسدنا. إجعلنا أهلاً لأن نختبر في نفوسنا القيامة التي نرجوها”.

___________________

1.افراهاط الحكيم الفارسي، المقالات، قدم لها ونقلها الى العربية الخوري بولس الفغالي، دار المشرق، بيروت 1994، ص 390.

2. مار افرام السرياني، منظومة الفردوس، ترجمة الاب روفائيل ممطر اللبناني، الكسليك 1980 ص 164.

3. كتاب المراقي، عرّبه عن السريانية الخوري( المطران) فرنسيس البيسري، منشورات المكتبة البولسية،حريصا 1989 ص35.

4. ثيودورس اسقف المصّيصة، العظات التعليمية، نقلها الى العربيى وقدم لها، الخوري بولس الفغالي، دار المشرق بيروت 1989.

5. نرساي، ميامر ليتورجية، قدم لها وترجمها الى العربية، الخوري بولس الفغالي، منشورات الجامعة الانطونية، بيروت 2002

6. Dictionnaire de Spiritualité, f.66-67,1978 p.640-642

7. Elie Khalife – Hachem, Isaac de Ninive Dictionnaire de Spiritualité t. VII Paris 1971 pp. 2041-2054.  والاب منصور المخلصي، التصوف بين الاسلام والمسيحية، بغداد 2019.

8. اباؤنا السريان، ص 341

 9. اباؤنا السريان، ص 339- 344

10. اباؤنا السريان، ص 304- 308.