stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الموارنة الكاثوليك

الرّاعي ترأّس عيد القدّيسة صوفيا خلال زيارته الرّاعويّة إلى بلدة الصّفرا

840views

الثلاثاء 17 سبتمبر – أيلول 2019 المصدر : نورنيوز

 

قام البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي بزيارة راعويّة إلى بلدة الصّفرا، يرافقه المطران حنّا علوان وأمين سرّ البطريركيّ الأب شربل عربيد.

إستهلّ الرّاعي زيارته بمباركة كنيسة مار جرجس بعد ترميمها، وأزاح السّتارة عن لوحة تذكاريّة عند مدخلها تخليدًا للذّكرى. وكان في استقباله عند مدخل الكنيسة راعي أبرشيّة جونية المطران أنطوان نبيل العنداري وكاهن الرّعيّة الأب جوني التّنّوريّ والآباء المعاونون ورئيس البلديّة سمير الهوا وأعضاء المجلس البلديّ وجان الهوا والمخاتير ورابطة الأخويّات، وقد عزفت فرقة غزير الموسيقى التّرحيبيّة.

ثمّ ترأّس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في كنيسة القدّيسة صوفيا، لمناسبة عيدها وبناتها الثّلاث، بمشاركة السّفير البابويّ جوزف سبيتري، ومعاونة لفيف من المطارنة والكهنة، وحضور رسميّ وبلديّ واجتماعيّ وشعبيّ. وخدمته جوقة الرّعيّة بمشاركة موسيقى قوى الأمن الدّاخليّ.

وللمناسبة، ألقى عظة تحت عنوان “يشبه ملكوت السّماوات حبّة خردل تُزرع فترتفع وتصير أكبر المزروعات” (مر4: 31-32)، قال فيها:

“ملكوت الله بمفهومه العامّ، هو الكون الّذي خلقه الله وهو سيّدُه. أمّا بمفهومه الدّقيق والواقعيّ فهو الكنيسة المؤسّسَة على المسيح الّتي، مثل حبّة الخردل، تبدأ صغيرةً ثمّ تكبر وتتّسع لتشمل الكون كلّه. في الواقع، وُلدت الكنيسة من موت المسيح وقيامته، وبدأت مع جماعةٍ صغيرةٍ محدودة العدد، وراحت تنمو وتتكاثر بعد حلول الرّوح القدس يوم العنصرة. وها هي الآن تتواجد على كامل سطح الكرة الأرضيّة. الكنيسة عبر التّاريخ هي في طور تحقيق ملكوت الله، إلى أن يكتمل في السّماء بعد نهاية الحياة البشريّة على الأرض.
على صورة الكنيسة تنمو حياة كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ. فإنّها تبدأ صغيرةً لكنّها مدعوّةٌ لتكبر روحيًّا وماديًّا وتنمويًّا، على مستوى الشّخص والعائلة والمجتمع والدّولة. هكذا نمت القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الثّلاث في الحياة الرّوحيّة، وبشهادة الدمّ أنمَينَ الكنيسةَ على ما قال أحد آباء الكنيسة القدّيسين: “دم الشّهداء بذار المسيحيّين”.

يسعدني وسيادة أخينا المطران أنطوان- نبيل العنداري، النّائب البطريركيّ العامّ في منطقة جونيه وإخواني السّادة المطارنة، بحضور سيادة السّفير البابويّ، أن نحتفل معكم بهذه اللّيتورجيّا الإلهيّة، ونحيي عيد شفيعة هذه الكنيسة وبلدة الصّفرا العزيزة، القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الثّلاث الشّهيدات: إيمان ورجاء ومحبّة. فيطيب لنا أن نهنّئكم بالعيد، راجين أن يكون غنيًّا بالنّعم والبركات السّماويّة.

وإنّا، إذ نحيّيكم جميعًا، نوجّه تحيّةً خاصّةً إلى كاهن الرّعيّة الخوري جوني التنّوري ولجنة إدارة الوقف والجوقة والأخويّات والمنظّمات الرّسوليّة. كما نحيّي رئيس المجلس البلديّ والأعضاء والمختار، شاكرين على الدّعوة إلى هذا الاحتفال، وعلى تنظيمه. إنّنا نرجو لكم خير المكافأة، بشفاعة القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها، ونوجّه أيضًا تحيّة تقديرٍ لموسيقى قوى الأمن الدّاخليّ التي تشارك الجوقة في هذا الاحتفال.

لا يسعني في هذه الزّيارة كبطريرك إلى بلدة الصّفرا العزيزة، إلاّ أن أهنّئ بلدتكم الّتي أعطت بطريركًا تميَّزَ بالقداسة الظّاهرة وبأعماله الكبيرة، هو البطريرك يوحنا البوّاب، الّذي دامت بطريركيّته ثماني سنواتٍ من سنة 1648 إلى سنة 1656 في زمن العثمانيّين الصّعب، وعاش في قعر وادي قنّوبين. يُجمِع المؤرّخون بأنّه “بطريرك الزّهد والقداسة”. فقد تميّز بروح الصّلاة والتّضحية المتفانية ورقّة العاطفة والطّيبة والبشاشة، وسواها من الصّفات الأخلاقيّة والإنسانيّة. فكان بها قريبًا من شعبه ومحبوبًا. أمّا العلامات الخارجيّة لقداسته فكان النّور السّاطع من وجهه كاللّهيب، مرّة فيما كان ملقىً على الأرض يصلّي، ومرّةً عند وفاته ليلة عيد الميلاد. من أهمّ إنجازاته تجديد حماية فرنسا للموارنة برقيمٍ من الملك لويس الرّابع عشر في 28 أبريل – نيسان 1649، وإصلاح رتبة القدّاس المارونيّ والأعياد، ونشاطه المسكونيّ في عودة عدد من الكنائس الشّرقيّة إلى الاتّحاد بروما. بفضل قداسته وأعماله نمت الكنسية المارونيّة وتشدّدت سلسلة بطاركتها. فتحقّقت فيه صورة حبّة الخردل.

ولا بدّ أيضًا من أن أستذكر معكم، يا أبناء الصّفرا الأعزّاء، وجهًا كنسيًّا آخر عالقًا في الذّاكرة والأذهان، هو المرحوم الأب جورج خوري اليسوعيّ، مؤسّس رابطة الأخويّات في لبنان، ومرشدها العامّ. إنّه ماثلٌ أمامنا في تفانيه، وتنقّلاته سيرًا على الأقدام في جميع المناطق اللّبنانيّة، ولقاءاته مع الأخويّات في مختلف أقاليمها. ونعني أخويّات الكبار والشّباب والطّلائع والفرسان. إنّ له الفضل الأساس في نموّ هذه الأخويّات، الّتي زرعها كحبّة خردل، ونمت وانتشرت في جميع الرّعايا والأبرشيّات اللّبنانيّة.

هاتان الشّهادتان من بلدتكم، إلى جانب ما أعطت من عائلاتٍ مسيحيّةٍ مؤمنة، ووجوهٍ مدنيّةٍ وثقافيّةٍ متنوّعةٍ، لخير دليلٍ على أنّ ملكوت الله مرسّخٌ فيها، بفضل إيمانكم وتكريمكم للقدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الثّلاث عبر الأجيال. من عهد البيزنطيّين الّذي فيه تمّ بناء كنيستها القديمة الأثريّة على أنقاض معابد وثنيّةٍ. ثمّ كان مشروع بناء الكنيسة الجديدة هذه الّتي بدأتموها سنة 1994، وشئتموها على طرازٍ بيزنطيّ يقينًا منكم أنّ القدّيسة صوفيا هي إيّاها شفيعة آيا صوفيا في إسطنبول. ثمّ عدتم في سنة 2017 تجدّدون العمل فيها من الدّاخل، لنحتفل معكم اليوم بيوبيلها الفضّي، شاكرين الله والقدّيسة صوفيا على يدها الخفيّة البنّاءة معكم.

كما أنّ إيمانكم المتجذّر تاريخيًّا وأثريًّا، ظاهرٌ في تكريمكم للقدّيس جرجس، وقد شيّد أجدادُكم سنة 1914 كنيسةً رعائيّةً جديدةً، مكان الكنيسة القديمة. وأنتم أعدتم ترميمها في العام الماضي مع ما حولها من مجمّعاتٍ تربويّةٍ وصحيّةٍ وراعويّةٍ ورياضيّةٍ. كلّ هذه الأمور تظهر صورة حبّة الخردل. ينبغي أن ندرك نحن أيضًا أنّ الحياة يجب أن تعطي ثمارًا وثمارًا كثيرة بمقدار ما يعطى كلّ واحد وواحدة منّا من مواهب وامكانيّات روحيّة ومعنويّة ومادّيّة. لا أحد يعطى شيئًا لذاته بل يعطى لكي يعطي. فالأنانيّة تخالف تمامًا كلمات الرّبّ يسوع في إنجيل اليوم.

يبقى أن نلقي نظرةً إلى واقع وطننا لبنان، ونحن في بداية الاحتفال بالمئويّة الأولى لإعلانه دولةً مستقلّةً في أوّل سبتمبر – أيلول 2020. بعد مسارٍ تاريخيٍّ طويلٍ لعب فيه البطاركة الموارنة الدّور القياديّ منذ أواخر القرن السّابع مع البطريرك الأوّل القدّيس يوحنّا مارون، وصولاً إلى المكرَّم البطريرك الياس الحويّك الّذي ترأّس الوفد اللّبنانيّ الرّسميّ إلى مؤتمر الصّلح في فرساي بفرنسا في سنة 1919، بعد انهيار السّلطنة العثمانيّة. فقد وضع الحويّك في مذكّرته الرّسميّة لمؤتمر الصّلح مطالب اللّبنانيّين، وهي:

1- إعلان لبنان دولةً مستقلّة، مع إعادته إلى حدوده التّاريخيّة والطّبيعيّة، بإرجاع الأجزاء المقتطعة منه على يد العثمانيّين.
2- التّعويضات من المتسبّبين بالقتل والتّجويع وارتكاب الفظائع.
3- تكليف فرنسا بفترة الانتداب، من دون أن ينال من السّيادة المطلقة للبنان.
فكان “إعلان دولة لبنان الكبير” في أوّل أيلول 1920 في قصر الصّنوبر ببيروت بحضور ممثّل الدّولة الفرنسيّة الجنرال غورو الّذي تلا قرار الإعلان الدّوليّ، بحضور البطريرك الحويّك.
لقد وضع البطريرك الحويّك وخلفُه المباشر البطريرك أنطون عريضه ملامح وجه لبنان الظّاهرة في دستوره الأوّل سنة 1926، وفي الميثاق الوطنيّ سنة 1943، وقد تجدّدا في مضمونهما الأساسيّ بوثيقة الوفاق الوطنيّ سنة 1989 في مؤتمر الطّائف. أمّا وجه لبنان الّذي يميّزه عن مختلف بلدان المنطقة فهو إحلال المواطنة المدنيّة مكان المواطنة الدّينيّة، واعتماد النّظام الدّيموقراطيّ اللّيبراليّ، وإقرار التّعدّديّة دينًا وثقافةً بدلاً من الأحاديّة، وجعل العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين بالمساواة وروح التّعامل والتّكامل أساسًا شرعيًّا للسّلطة السّياسيّة، والاعتراف بالإعلان العالميّ لحقوق الإنسان مع كامل الحرّيّات العامّة، وفي مقدّمتها حريّة المعتقد.

إننا نتطلّع إلى الجماعة السّياسيّة في لبنان، بمناسبة هذه المئويّة، وانطلاقًا من حالة اللّااستقرار السّياسيّ والاقتصاديّ والمعيشيّ والاجتماعيّ، ونناشدهم بأمرين: الأوّل، اعتماد نهج حبّة الخردل أعني القيام بعمليّة النّهوض بلبنان من الحالة الّتي ذكرت، بتجرّدهم من مكاسبهم الخاصّة وحساباتهم الضيّقة، لكي يتمكّن لبنان من النّموّ بفضل قدراته وقدرات شعبه وشبابه؛ الثّاني، العودة إلى خصوصيّات لبنان الّتي تميّزه عن غيره، وعدم تشويه ملامح وجهه الّتي جعلت منه رسالةً ونموذجًا على المستويَين العربيّ والدّوليّ.
هذه المناشدة المزدوجة نرفعها صلاةً إلى الله، بشفاعة القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الشّهيدات الثّلاث، راجين قبولها مع نشيد المجد والتّسبيح للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القدّاس زار البطريرك الرّاعي والوفد المرافق القصر البلديّ في الصّفرا حيث رفع السّتارة عن لوحة تذكاريّة تخلّد ذكرى الزّيارة.

 

نقلا عن نور نيوز