الزواج في القانون الشرقي الجديد- الموانع على وجه عام- الأب د. أيوب زكي
مقدمة:
لكل إنسان الحق في أن يعقد زواجاً ما لم يُمنع عن ذلك شرعاً. ولهذا يقرر القانون 778: “يحق لكل إنسان أن يتزوج ما لم يُمنع بقوة الشرع”. فالزواج إذاً حق طبيعي لكل رجل أو امرأة، ولا يمكن منع أي منهما ما لم يثبت عدم أهليتهما لعقده أو الاحتفال به. وهذا الحق ليس ضرورياً لغاية الإنسان الخاصة، بل للحول دون انقراض الجنس البشري.
وقد يقول قائل: إذا كان الزواج حقاً طبيعياً، فلماذا إذاً وُضعت موانع تحول دون صحة انعقاده؟ ونجيب على هذا ونقول: إن الموانع الزواجية لا يُقصد بها الحد من حرية الزواج، بل تنظيمه، تلافياً للأضرار الناتجة عنه، لأن من الموانع ما يستند إلى قيود سابقة ارتبط بها الإنسان مثل التبني، والقرابة الروحية، والنذور الرهبانية والدرجة المقدسة، ومنها ما يستند إلى جرائم تضر بالمجتمع، ويجب العمل على عدم وقوعها كالخطف والقتل، ومنها ما يتوخى زيادة الألفة والصداقة بين الناس كالقرابة، ومنها ما ينافي طبيعة الزواج كالعجز والارتباط بزواج سابق.
تعريف المانع
نستطيع أن نعرف المانع بمعناه الواسع بأنه “كل ما يعترض دون عقد الزواج قانوناً. مثال ذلك: عدم أهلية الشخص لتقيده بأحد الموانع الزواجية كالعجز الجنسي والقرابة وغيرها.
وقد اختلف العلماء في تحديد المانع وليس هناك نص رسمي وقد عرفه بعضهم أمثال (Cappello-Gasparri)، “بأنه حالة خارجية لاحقة بالشخص يحرم عليه القانون من جرائها عقد الزواج صحيحاً أو جائزاً”. وقد قيل علة خارجية تمييزاً لها عن الحالة الداخلية الصادرة عن الرضى.
الموانع في القانون الكنسي الحديث
لقد نصت الإرادة الرسولية “نظام سر الزواج في الكنيسة الشرقية” الصادرة في 22 فبراير سنة 1945 على وجود موانع مُحرّمة وموانع مُبطلة والمقصود هنا هو أن المانع المحرّم يجعل الزواج غير جائز لكنه صحيح، أما الثاني، أي المانع المُبطل، فهو الذي يُبطل الزواج.
والقانون الشرقي الجديد الصادر في 18 أكتوبر سنة 1990 قد أبقى فقط على وجود موانع مبطلة وألغى الموانع المحرِّمة. وقد أبقى المشرع على المبدأ القائل ببطلان الزواج حتى لو كان المانع محصوراً في أحد الطرفين وقد جاء في القانون 790 بند2 “المانع يُبطل الزواج وإن انحصر في أحد الطرفين فقط”.
وتجدر الإشارة بأن “جهل” وجود مانع في شخص ما، أو الخطأ، لا يبرران الزواج إذ أنه في حكم الباطل حتى وإن توافرت النية السليمة لعقده أو للاحتفال به. كما نرى فإن الموانع تخص الزواج “العقد” وليس “كسر”، وبما أن الزواج هو فعل قانوني غير منقسم، فإن وجود مانع ما يجعله باطلاً حتى ولو رضى الطرفان بعقده.
تقسيم الموانع:
تنقسم الموانع إلى طبيعية أو وضعية أو كنسية، والمقصود بالموانع الطبيعية هي التي أوجدها الله أو أسسها على حق طبيعي وهي تخص جميع الناس، معمدين كانوا أم غير معمدين.
والموانع الوضعية هي التي أعلن الله عنها بواسطة الوحي المقدس.
والموانع الكنسية هي تلك التي قررتها السلطة الكنسية المختصة وهي تسري فقط على أبنائها دون سواهم.
والموانع ذات الحق الإلهي هي:
– العجز الجنسي
– الارتباط بزواج سابق
– القرابة الدموية في الخط المستقيم الصاعد والنازل
والموانع الكنسية هي:
– السن
– اختلاف الدين
– الدرجة المقدسة
– النذر الرهباني
– الخطف بهدف الزواج
– قتل الزوج
– القرابة الدموية في الخط المنحرف
– القرابة الأهلية
– الحشمة
– التبني
– القرابة الروحية
ويكون المانع أيضاً مشتهراً أي يمكن إثباته في المحكمة الخارجية وذلك بإثباته بشهود ثقة أو بوثائق رسمية (مثال ذلك: اختلاف الدين، الدرجة المقدسة، النذر الرهباني) وإلا كان المانع خفياً.
ويكون المانع أكيداً أو مشكوكاً فيه، فهو الذي يُرتاب من قيامه إما بالريب القانوني، وإما بالريب الفعلي، وإما بالريب القانوني والفعلي معاً.
فالأول- الريب القانوني- يقع على وجود الشريعة أو قوتها أو امتدادها (هل من شريعة تُحرّم هذا العمل)، والثاني- الفعلي- يقع على حدث ما، هل وقع أم لا؟
ويكون المانع قابلاً للتفسيح أو غير قابل للتفسيح، فالأول يمكن إزالته بفعل السلطة الكنسية كالقرابة الدموية والعمر والتبني، أما الثاني فلا يُفسح منه أبداً خاصة الموانع الإلهية الأكيدة.
ويكون المانع مفرداً أو متعدداً، فالأول هو ما يعترض الزواج بوجود مانع مفرد لا غير، أما الثاني فيتعدد المانع بتعدد أنواعه وهذا يحدث عندما يكون بين متعاقدين مانع قرابة أهلية ومانع العمر مثلاً أو غير ذلك.
ويكون المانع مطلقاً وهو الذي يجعل الإنسان غير أهل بعقد الزواج مع أي كان موانع العجز المطلق والارتباط بزواج سابق والدرجة المقدسة، أما المانع النسبي فهو الذي يحول دون عقد الزواج مع أشخاص معينين كموانع اختلاف الدين والعجز الجنسي والخطف والقرابة والحشمة.
عن مجلة صديق الكاهن، العدد الأول 1995