الزواج في القانون الشرقي الجديد- صيغة الاحتفال بالزواج- الأب د. أيوب زكي
مقدّمة
تعتبر صيغة الاحتفال بالزواج (الشكل القانوني) من الأركان الجوهرية لصحة الزواج، وهي عبارة عن شكليات الزواج الخارجية التي رسمها الشرع الوضعي، وقد وضعت لتكون إثباتاً رسمياً لانعقاد الزواج. ولم ترض الكنيسة، منذ عصور خلت، عن الزواج الخفي وقد حرّمته وأصدرت عدة مراسيم نذكر منها: مرسوم مجمع لاتران الرابع المنعقد سنة 1215، ومرسوم المجمع التريدنتيني في 11 نوفمبر 1563، ومرسوم البابا بيوس العاشر في 2 أغسطس 1907.
مرسوم المجمع التريدنتيني 1563 (Tametsi)
الزواج باطل ما لم يُعقد بحضور الراعي أو الرئيس المحلي أو كاهن فوّضه أحدهما هذا الحضور، وبحضور شاهدين أو ثلاثة. وحسب هذا المرسوم، كان الراعي يسأل الرجل والمرأة عن رضاهما الذي يعلنان عنه أمامه، ثم كان الراعي يمنحهما البركة وهو يقول: وأنا أجمعكما في الزواج باسم الآب والابن والروح القدس. وقد قرّر ذات المرسوم بطلان الزواج الذي ينعقد على خلاف هذا الشكل القانوني، أي في حضور الرئيس الكنسي أو الراعي أو مَن يفوّض منه وأمام شاهدين أو ثلاثة. بهذه الصيغة القانونية، يوجب هذا المرسوم الاحتفال بالزواج علانية، وألزم الكاثوليك بأن يعقدوا زواجهم أمام الكنيسة.
مرسوم البابا بيوس العاشر 1907 (Ne Tamere)
لقد ثبّت البابا بيوس العاشر الصيغة القانونية التي حددها المجمع التريدنتيني وقرّر: يحضر الزواج حضوراً صحيحاً الراعي أو الرئيس المحلي كل منهما ضمن حدود منطقته وأمام شاهدين، سواء أكان المتعاقدان من مرؤوسيهما أم لا. إن حضور المذكورين الفعلي لابد منه لصحة الزواج، على أن لا يجبروا عليه بتأثير الإكراه والخوف الشديدين.
أولاً: صيغة الاحتفال بالزواج في القانون الشرقي الجديد
يقول منطوق القانون 828 البند-1: “ليست زيجات صحيحة إلا التي يُحتفل بها بطقس مقدس، أمام الرئيس الكنسي المحلي أو الراعي المحلي، أو الكاهن الذي منحه أحدهما صلاحية مباركة الزواج وأمام شاهدين لا أقل، ولكن وفقاً لأحكام القوانين التالية، ومع عدم الإخلال بالاستثناءات المذكورة في القانونين 832 والقانون 834 البند2.
البند2- بالطقس المقدس يعني هنا اشتراك الكاهن بحضوره وبركته”.
لقد قرّر المشرّع في القانون 85 من الإرادة الرسولية الصادرة 1949 البند1: »لا يصح زواج إلا إذا عُقد برتبة دينية أمام الخوري أو الرئيس الكنسي المحلي أو كاهن أذن له أحدهما بحضور الزواج، وأمام شاهدين على الأقل بموجب مرسوم القوانين التالية مع مراعاة ما يستثنى في القانونين 89و90.
البند2: تُعد الرتبة الدينية، لنفوذ البند حكم الأول، بمجرد وجود الكاهن إذا حضر وبارك”.
إن التقنين الجديد لا يختلف في جوهره عن التقنين القديم، ونستطيع من النصوص المذكورة، أن نستخلص العناصر الرئيسية للصيغة القانونية للاحتفال بالزواج على وجه صحيح:
أ- الطقس المقدس
تستعمل كل القوانين الخاصة بالصيغة القانونية تعبير »مباركة الزواج«، بدلاً من »حضور الزواج«، ويشدّد على هذه الحقيقة القانون 828 البند2، ويؤكد أن المقصود بالطقس المقدس هو اشتراك الكاهن الذي يحضر ويبارك.
يوضّح التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، أن الطقوس الشرقية غنية بصلواتها التي يتوجّه المؤمنون بها إلى الله حتى يبارك الزوجين. إن الزوجين يتحدان اتحاداً أبدياً كشركة الحب القائم بين المسيح وكنيسته (راجع التعليم المسيحي، رقم 1624).
إن الطقس المقدس الذي فيه يستمطر الكاهن الروح القدس على الزوجين لمباركتهما، لهو عنصر أساسي لصحة الزواج. لا يكمن دور الكاهن فقط في قبول رضى الطرفين، بل هو يباركهما لكي يصيرا »أيقونة لا تنحل«، مثل اتحاد السيد المسيح بكنيسته، حتى يعيشا حياتهما الزوجية كمرآة للثالوث الأقدس.
لا يتلو الكاهن صلاة الإكليل كما جاءت في الكتب الطقسية كعمل طقسي شكلي، ولكنه بصفته كاهناً، يدعو الله العلي ليجعل الاثنين واحداً، ويضع الأكاليل عليهما حتى يتذكرا أنهما يبنيان بيت الله، وفيه يصيران جسداً واحداً.
ب- الخادم المختص الذي يحضر ويبارك
الكاهن هو المختص في الكنائس الشرقية لمباركة الزواج، ولا يصح الزواج الذي يباركه مَن هم دون درجة الكهنوت. ولكن المقصود بالكاهن هنا هو مَن له الصلاحية لمباركة الزواج كما ينص القانون 828 البند1: »ليست زيجات صحيحة إلا التي يُحتفل بها بطقس مقدس، أمام الرئيس الكنسي المحلي أو الراعي المحلي، أو الكاهن الذي منحه أحدهما صلاحية مباركة الزواج”.
ويعود هذا التحديد إلى سبب قانوني ولاهوتي: يكمن السبب القانوني في أن الزواج نظام كنسي يوجب حقوقاً وواجبات في الكنيسة بين الأزواج والأولاد. أمّا السبب اللاهوتي، وهو الأكثر أهمية، يعود إلى أن الزواج سر مقدس، وجب الاحتفال به في الكنيسة علانية، أمام الجماعة الكنسية، ممثلة في شخص الراعي المحلي. ولا تسمح قوانين الكنائس الشرقية أن يبارك الزواج مَن هم دون درجة الكهنوت، والسبب هو أن الكاهن لا ينحصر دوره في قبول الرضى الزواجي، بل حضوره فعّال إذ أنه يبارك الزوجين، وهذا عنصر جوهري وقانوني لصيغة الاحتفال للزواج ومطلوب لصحته.
إن صلاحية مباركة الزواج تعود أولاً إلى الرئيس الكنسي المحلي، والمقصود به:
• الحبر الروماني (ق43).
• البطريرك (ق55، 56، 78 البند1، 101).
• رئيس الأساقفة (ق 151، 152).
• المتروبوليت (ق155، 157).
• الأسقف الإيبارشي (ق178).
• الأسقف المساعد الذي له الحق الخلافة والأسقف المعاون (ق212و213).
• النائب العام الأول والنواب العامون (ق215 البند2).
• الإكسرخوس (ق311، 312، 313).
• المدبر الرسولي (ق 234)
تعود أيضاً صلاحية مباركة الزواج إلى الراعي المحلي، والمقصود به:
• الراعي المحلي (ق280 البند1)
• مدبر الرعية (ق299 البند1)
• نائب الراعي (ق302 البند2)
• الكاهن المفوّض (ق828 البند1)
ج- الشهود في الاحتفال بالزواج
يتطلب القانون حضور شاهدين لا أقل لصحة الاحتفال بالزواج. ويكمن دور الشهود في أن يشهدوا على أن الزواج يُحتفل به كما ينص عليه القانون الكنسي، وفي ذات الوقت أنه سر مقدس يمنح الزوجين حالة حياة جديدة في الجماعة الكنسية. ولكي يقوم الشاهد بدوره، وجب أن تكون له الأهلية والتمييز العقلي والإيمان بالزواج كسر مقدس. ومن المحبذ أن يلقن الشهود تعاليم حول أهداف الزواج وعناصره الجوهرية. وحسب توجيهات الإرشاد المسكوني الصادر في 25مارس 1993، فإنه بإمكان شخص منتمي إلى كنيسة شرقية (أو كنيسة بروتستانتية) أن يقوم بدور الشهادة في الاحتفال بالزواج في الكنيسة الكاثوليكية؛ كذلك أيضاً يستطيع كاثوليكي أن يكون شاهداً على زواج يعقد في كنيسة أرثوذكسية، أو في جماعة كنسية، شريطة أن يعقد ذلك الزواج وفقاً للقانون الواجب تطبيقه في تلك الكنيسة، أو تلك الجماعة الكنسية.
ثانياً: صلاحية مباركة الزواج في الظروف المألوفة
يقرّر منطوق القانون 829 البند1: “إن الرئيس الكنسي المحلي والراعي المحلي، منذ الحيازة القانونية لوظيفتهما، وما داما يمارسانها على وجه شرعي، يباركان الزواج على وجه صحيح في كل مكان داخل حدود منطقتهما، سواء كان الطرفان من الخاضعين لهما، أو من غير الخاضعين بشرط أن يكون أحدهما منتمياً إلى كنيستهما المتمتعة بحكم ذاتي.
البند2- الرئيس الكنسي والراعي الشخصي، بحكم وظيفتهما وفي نطاق ولايتهما، لا يباركان الزواج على وجه صحيح إلا إذا كان ولو أحد الطرفين خاضعاً لهما.
البند3- بحكم الشرع نفسه ومع العمل بالأمور الأخرى التي يقتضيها الشرع، للبطريرك صلاحية مباركة الزيجات بنفسه في جميع أنحاء العالم، بشرط أن يكون ولو أحد الطرفين منتمياً إلى الكنيسة التي يرأسها”.
1- الرئيس الكنسي المحلي والراعي المحلي وصلاحية مباركة الزواج
الشروط الواجب توافرها في الرئيس الكنسي المحلي والراعي المحلي لصحة مباركة الزواج:
أ- حيازة قانونية للوظيفة
يقرر القانون 189 البند1: »يحوز الأسقف الإيبارشي إيبارشيته حيازة قانونية بالتنصيب نفسه على وجه شرعي، إذ يُتلى في أثنائه علناً الكتاب الرسولي أو البطريركي بالتولية القانونية«.
ويحوز الراعي المحلي العناية الخاصة بالنفوس المعهودة إليه عند حيازته للرعية التي تم تعيينه بها حيازة قانونية وفقاً للشرع الخاص (ق288).
ب- ممارسة مشروعة للوظيفة
تُفقد الوظيفة بالتخلي، أو بالنقل، أو بالعزل، أو بالحرمان الذي يتم نتيجة عقوبة كنسية، كالحرم أو الوقف. في حالة فقدان الوظيفة، لا يستطيع الرئيس المحلي ولا الراعي المحلي أن يباركا الزواج، إذ لا صلاحية لهما.
ج- الولاية المحلية
للرئيس الكنسي المحلي والراعي المحلي صلاحية مباركة الزيجات، في كل مكان داخل حدود منطقتهما، سواء كان الطرفان من الخاضعين لهما، أو من غير الخاضعين لهما (المقصود هم أبناء الكنيسة الكاثوليكية)، بشرط أن يكون ولو أحد الطرفين ينتمي إلى كنيستهما المتمتعة بحكم ذاتي (ق829 البند1). لهذا لا يستطيع الرئيس الكنسي المحلي ولا الراعي المحلي من طائفة الأقباط الكاثوليك أن يباركا، على وجه صحيح، زواج طرفين من طائفة الموارنة، ولكنهما لهما الصلاحية لمباركة زواج طرف قبطي كاثوليكي مع طرف كاثوليكي منتمي إلى أية كنيسة متمتعة بحكم ذاتي. هذه القاعدة قد أفتت بها اللجنة البابوية التحضيرية لإعادة صياغة القانون الشرقي في 3 مايو 1953.
وفيما يخص الولاية المحلية للرئيس الكنسي المحلي والراعي المحلي، يقرر القانون 916 البند1: »يحظى كل واحد، سواء بالموطن أو شبه الموطن، برئيسه الكنسي المحلي وراعيه في الكنيسة المتمتعة بحكم ذاتي التي ينتمي إليها، ما لم يستدرك الشرع العام غير ذلك.
البند2- راعي من ليس له موطن أو شبه موطن إيبارشي، هو راعي المحل الذي يمكث فيه حالياً.
البند3- الرئيس الكنسي للرحال وراعيه، هما الراعي والرئيس الكنسي المحلي لكنيسة المكان الذي يمكث فيه الرحال حالياً.
البند4- إن لم يكن لمؤمني كنيسة متمتعة بحكم ذاتي راع فيختار أسقفهم الإيبارشي راعياً من كنيسة أخرى متمتعة بحكم ذاتي، يتولى العناية بهم كراعيهم، ولكن برضى الأسقف الإيبارشي للراعي المزمع اختياره.
البند5- في الأماكن التي لم تنشأ فيها ولو اكسرخية، لمؤمني كنيسة متمتعة بحكم ذاتي، بما في ذلك الكنيسة اللاتينية، مع سريان القانون 101؛ أما إذا تعدّد [الرؤساء]، فيعتبر رئيسهم من يختاره الكرسي الرسولي، أو البطريرك بموافقة الكرسي الرسولي إذا تعلّق الأمر بمؤمني كنيسة ما بطريركية«.
ولتطبيق هذه القواعد نذكر بعض الأمثلة:
(1) الراعي الشرقي، وبحكم الوظيفة، يبارك الزواج على وجه صحيح وفي داخل حدود منطقته، لطرفين من رعيته وينتميان إلى كنيسته المتمتعة بحكم ذاتي.
(2) الراعي الشرقي، بحكم الوظيفة، على وجه صحيح وفي داخل حدود منطقته، لطرفين ليسا من رعيته، ولكنهما ينتميان إلى كنيسته المتمتعة بحكم ذاتي.
(3) الراعي الشرقي، بحكم الوظيفة، يبارك الزواج على وجه صحيح وفي داخل حدود منطقته، لطرف من رعيته وينتمي إلى كنيسته المتمتعة بحكم ذاتي مع طرف من الكنيسة اللاتينية.
(4) الراعي الشرقي، بحكم الوظيفة، يبارك الزواج على وجه صحيح وفي داخل حدود منطقته، لطرف ليس من رعيته ولكنه ينتمي إلى كنيسته المتمتعة بحكم ذاتي، مع طرف من الكنيسة اللاتينية.
(5) الراعي الشرقي، بحكم الوظيفة، يبارك الزواج على وجه غير صحيح وفي داخل حدود منطقته، لطرفين من الكنيسة اللاتينية.
(6) الراعي الشرقي، بحكم الوظيفة، يبارك الزواج على وجه غير صحيح وفي خارج حدود منطقته، لطرفين من رعيته أو ليسا من رعيته، حتى ولو كانا ينتميان إلى كنيسته المتمتعة بحكم ذاتي.
(7) الراعي الشرقي، يبارك الزواج على وجه صحيح وفي داخل حدود منطقته، لطرفين من الكنيسة اللاتينية، وذلك إذا عُيّن راعياً على وجه شرعي للمؤمنين المنتمين إلى الكنيسة اللاتينية. وتسري نفس القاعدة على الراعي اللاتيني الذي يبارك الزواج على وجه صحيح وداخل حدود منطقته للمؤمنين المنتمين إلى كنيسة شرقية متمتعة بحكم ذاتي، وذلك في حال تعيينه راعياً على وجه شرعي لهؤلاء المؤمنين.
(8) الراعي اللاتيني في منطقة الكنيسة اللاتينية (الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أمريكا الجنوبية، استراليا…الخ)، وحيث تم إنشاء كنيسة شرقية متمتعة بحكم ذاتي، ولكن في محل الاحتفال بالزواج لم تنشأ رعية لأبناء هذه الكنيسة الشرقية، ففي هذه الظروف لا يستطيع أن يبارك زواج طرفين شرقيين دون الحصول على تفويض من رئيسهم المحلي الشرقي.
(9) الراعي اللاتيني، في منطقة الكنيسة اللاتينية، وحيث لم تنشأ سلطة كنسية شرقية ولا رعية شرقية، بل سلطة كنسية لاتينية، يبارك على وجه صحيح، زواج طرفين من الكنائس الشرقية، ولهما سكن في منطقة رعيته اللاتينية، شريطة أن تكون منحت له صلاحية مباركة الزواج من رئيسه الكنسي المحلي اللاتيني، بينما يبارك على وجه غير صحيح زواج طرفين من الكنائس الشرقية دون الحصول على تفويض من رئيسهما الكنسي المحلي.
(10) الراعي اللاتيني وفي منطقة ما، حيث يوجد بها عدد من الرؤساء الكنسيين الشرقيين، ولكن ليس هناك رئيس كنسي وليكن الماروني، يبارك على وجه غير صحيح زواج طرفين من الموارنة، في حال عدم تعيين الرئيس الكنسي اللاتيني راعياً لهما.
(11) الراعي الشرقي، في داخل حدود منطقته، يبارك على وجه صحيح وجائز زواج طرفين من كنيسته المتمتعة بحكم ذاتي، سواء كانا من مرؤوسيه أو من غير مرؤوسيه، وذلك في مكان مقدس مخصص للعبادة تابع للكنيسة اللاتينية فقط وكان في نفس منطقة الراعي الشرقي، إلا إذا، منع ذلك صراحة الرئيس الكنسي اللاتيني، والذي يمارس سلطانه في منطقته.
د- اختصاص الرئيس الكنسي والراعي الشخصي
يقرر القانون 280 البند1: »تكون الرعية عادة محلية، أعني تشمل جميع مؤمني منطقة معينة؛ أما إذا رأى الأسقف الإيبارشي، بعد استشارة مجلس الكهنة، أن الأمر مناسب، تنشأ رعايا شخصية بناء على الجنسية أو اللغة أو انتماء المؤمنين إلى كنيسة أخرى متمتعة بحكم ذاتي، بل بناء على سبب آخر محدد«.
على ضوء هذا القانون، يعتبر الراعي الشخصي هو الذي يقوم بالخدمة لبعض الفئات مثل المهاجرين والبحارة والجنود أو الرعاة المعينين لمؤمنين من كنيسة أخرى متمتعة بحكم ذاتي. في هذه الحالة يبارك الراعي الزواج على وجه صحيح وفي داخل حدود منطقته لطرفين، على الأقل أن يكون أحدهما من كنيسته المتمتعة بحق ذاتي.
هـ- الصلاحية الشخصية للبطريرك
للبطريرك داخل إيبارشيته نفس حقوق وواجبات الأسقف الإيبارشي (ق101)؛ لذلك يستطيع البطريرك مباركة الزواج داخل حدود منطقته لطرفين من مرؤوسيه أو من غير مرؤوسيه بشرط أن يكون أحدهما من كنيسته المتمتعة بحق ذاتي.
ويقرر القانون 829 البند3: »بحكم الشرع نفسه ومع العمل بالأمور الأخرى التي يقتضيها الشرع، للبطريرك صلاحية مباركة الزيجات بنفسه في جميع أنحاء العالم، بشرط أن يكون ولو أحد الطرفين منتمياً إلى الكنيسة التي يرأسها«.
إنها صلاحية شخصية للبطريرك وهو لا يستطيع أن يفوضها لأحد لمباركة زواج معين أو لكل الحالات. هذا الامتياز للبطاركة الشرقيين لا يتمتع به الكرادلة الغربيين في الكنيسة اللاتينية.
ثالثاً: السلطان المفوّض لمباركة الزيجات
يقرّر القانون 830 البند1: “بوسع الرئيس الكنسي والراعي المحلي، ماداما يمارسان وظيفتهما على وجه شرعي، أن يمنحا كهنة من أية كنيسة متمتعة بحكم ذاتي، بما في ذلك الكنيسة اللاتينية، صلاحية مباركة زواج معين، داخل حدود منطقتهما.
البند2- أما الصلاحيات العامة لمباركة الزيجات فبوسع الرئيس الكنسي المحلي أن يمنحاه دون سواه، مع سريان القانون 302 البند2.
البند3- منح مباركة الزيجات لكي يكون صحيحاً، يجب أن يعطى لكهنة معينين صراحة، بل كتابة إذا تعلق الأمر بالصلاحيات العامة.
إن الرئيس الكنسي المحلي والراعي المحلي ماداما يمارسان وظيفتهما على وجه شرعي داخل حدود منطقتهما، وبحكم سلطانهما المألوف، يستطيعان منح صلاحية مباركة الزواج لأي كاهن، سواء كان ينتمي إلى كنيستهما المتمتعة بحق ذاتي أو من أية كنيسة أخرى متمتعة بحق ذاتي، بما في ذلك الكنيسة اللاتينية. لذلك بوسع الرئيس الكنسي المحلي والراعي المحلي من الكنائس الشرقية أن يمنحا كاهناً من الكنيسة اللاتينية الحق في مباركة زواج طرفين شرقيين. وفي الكنيسة اللاتينية يمكن منح هذه الصلاحية للشماس الإنجيلي، ولكن في الكنائس الشرقية الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية فإن هذه الصلاحية لا يصح أن تُمنح إلا للكهنة: وهذا تقليد قديم في الكنائس الشرقية. وإذا فوّض الرئيس الكنسي المحلي اللاتيني شماساً إنجيلياً لمباركة زواج طرفين أحدهما لاتيني والآخر شرقي، أو طرف لاتيني وآخر أرثوذكسي، لانعقد الزواج باطلاً. ولكي يكون التفويض صحيحاً يجب:
(1) لأن يكون التفويض صريحاً من قبل المفوض، شفاهة أو كتابة. أما بخصوص التفويض العام يجب أن يكون كتابة.
(2) أن يمنح التفويض لكاهن معين، ولا يصح التفويض لو قال المفوض: أفوض الكاهن الذي سيحضر في الأيام القادمة لمباركة الزواج. ولا يستطيع الكاهن المفوض لمباركة الزواج أن يفوض كاهناً آخر، ما لم يكن هذا مصرحاً به من الكاهن المفوض، وهذا ما قرره القانون 988 البند3: »السلطان التنفيذي الذي تفوضه سلطة أخرى لها سلطان مألوف، إذا كان مفوضاً لجميع الحالات، يمكن تفويضه بدوره في حالات منفردة لا غير؛ أما إذا فوض لفعل واحد أو لأفعال محددة، فلا يمكن تفويضه بدوره على وجه صحيح، إلا بمنح صريح من المفوِّض«.
(3) التفويض الخاص يجب أن يُمنح لزواج محدد، أي مع ذكر أسماء الزوجين. وحسب القانون الشرقي فإن التفويض العام يمكن أن يمنحه الرئيس الكنسي المحلي (ق830 البند2)، وهناك استثناء لنائب الراعي الذي يستطيع منح صلاحية مباركة الزواج لكهنة آخرين في كل حالة بمفردها (ق302 البند2).
ويستطيع البطريرك أن يمنح تفويضاً لأي كاهن كاثوليكي لمباركة زواج لطرفين على الأقل أحدهما من كنيسته المتمتعة بحق ذاتي داخل حدود منطقته، ولكنه لا يستطيع منح هذا التفويض في أي مكان في العالم، لأن الصلاحية الشخصية للبطريرك هي خاصة فقط بشخصه.
رابعاً: جواز الاحتفال بالزواج
يقرر القانون 831 البند1: »يبارك الرئيس الكنسي المحلي أو الراعي المحلي، الزواج على وجه جائز:
(1) بعد التأكّد من الموطن أو شبه الموطن أو المكوث لمدة شهر، أو- في حالة الرحّل- من مكوث أحد الطرفين حالياً في مكان الزواج؛
(2) بعد الحصول- إذا لم تتوفر هذه الشروط- على ترخيص من الرئيس الكنسي أو راعي موطن أو شبه موطن أحد الطرفين، ما لم يعف عن ذلك سبب صوابي؛
(3) في مكان ولو مقصور على كنيسة أخرى متمتعة بحكم ذاتي، ما لم يرفض ذلك صراحة الرئيس الكنسي الذي يمارس سلطانه في ذلك المكان. البند2- يحتفل بالزواج أمام راعي العريس، ما لم يقتضِ الشرع الخاص غير ذلك، أو أعفى عن الأمر سبب صوابي«.
إن السبب الذي يريد المشرع من خلاله أن يُحتفل بالزواج في رعية أحد الزوجين، هو دعوة أفراد الرعية حتى يشتركوا في صلاة الإكليل المقدس من أجل مسيرة الإيمان والحالة الجديدة التي يعتنقها الزوجان لبلوغ كمال المحبة في المسيح يسوع. إن الرعية التي احتفلت بسر العماد المقدس الذي اصطبغ به العروسان، مدعوة أيضاً لمصاحبة هذين الزوجين اللذين يبدآن حالة جديدة، إذ يكرّس كلاهما حياته للآخر، على غرار حب المسيح لكنيسته، الذي سفك دمه حباً لها.
يُحتفل بالزواج في رعية العريس أو العروس. ويعطي المشرع أولوية أن يحتفل بالزواج في رعية العريس وهذا هو تقليد الكنائس الشرقية، ولاسيما الاحتفال بالزيجات المختلطة؛ ولكن لسبب صوابي، أو إذا قرر غير ذلك الشرع الخاص، فيمكن الاحتفال بالزواج في رعية العروس.
خامساً: صيغة الاحتفال بالزواج غير المألوفة
يقرر القانون 832 البند1: »إذا لم يكن بدون مشقة جسيمة، حضور الكاهن المختص وفقاً للشرع أو الاتصال به، بوسع الراغبين في زواج حقيقي أن يحتفلوا به على وجه صحيح وجائز أمام الشهود فقط:
(1) في خطر الموت؛
(2) بعيداً عن خطر الموت، بشرط أن يرجح بحكمة استمرار الظروف نفسها لمدة شهر.
البند2- إذا توفر في كلتا الحالتين وجود كاهن آخر، فليدع- إذا أمكن- لمباركة الزواج، مع بقاء الزواج صحيحاً أمام الشهود وحدهم؛ وفي كلتا الحالتين يمكن دعوة كاهن آخر غير كاثوليكي.
البند3- إذا تم الاحتفال بالزواج أمام الشهود فقط، لا يهمل الزوجان قبول بركة الزواج من الكاهن في أقرب وقت«.
إنها ظروف خاصة جداً واستثنائية، حيث يريد الزوجان أن يحتفلا بالزواج صحيحاً، لذلك يتطلب إعطاء الأولوية للشرع الطبيعي لأجل خلاص النفوس. ويذكر المشرع حالتين ألا وهما: خطر الموت وعدم إمكانية حضور أو الاتصال بالكاهن المختص، وهذا يستمر لمدة شهر.
والمقصود بخطر الموت هو الذي يصدر عن علة داخلية كالمرض، أو عن علة خارجية كالزلازل والبراكين أو نشوب حرب طويلة أو إعصار مدمر. أما المشقة الجسيمة في حضور الكاهن المختص أو الاتصال به، إذ قد يكون توفي أو طرح في السجن، أو أصيب بمرض خطير أو بالجنون، أو تم اعتقاله من قبل السلطات المدنية، أو لأنه يحضر كل فترة طويلة كما يحدث في بلاد الإرساليات. وفي الحالة الثانية يمكن حضور الشخص المطلوب أو الذهاب إليه إلا إذا كان ذلك يكلف مشقة جسيمة كدفع مبلغ كبير من المال أو التعرّض لفقدان الحياة من جراء كمين منصوب. في هذه الحالة يجب أن يستحيل أو يتعذر حضور الكاهن المختص، وإذا أهملت محاولة إحضاره أو الذهاب إليه، لانعقد الزواج باطلاً.
في حالة توافر الظروف المشار إليها، يصح عقد الزواج أمام الشهود فقط. ويدعو المشرع المحتفلين بالزواج في مثل هذه الظروف أن يدعو أي كاهن كاثوليكي لمباركة الزواج أو أي كاهن غير كاثوليكي (أرثوذكسي). في عدم وجود أي كاهن لمباركة الزواج، لا يهمل الزوجان طلب البركة من الكاهن في أقرب وقت.
سادساً: حضور كاهن كاثوليكي زواج طرفين غير كاثوليك
يقرر القانون 832 البند1: »بوسع الرئيس الكنسي المحلي منح أي كاهن كاثوليكي صلاحية مباركة زواج مؤمني أي كنيسة شرقية غير كاثوليكية، لا يمكنهم بدون مشقة جسيمة الاتصال بكاهن من كنيستهم، إذا طلبوا ذلك من تلقاء أنفسهم، وبشرط عدم وجود ما يحول دون صحة أو جواز الاحتفال بالزواج.
البند2- على الكاهن الكاثوليكي تبليغ الأمر، إذا أمكن، إلى السلطة المختصة بهؤلاء المؤمنين قبل مباركة الزواج«.
يُعتبر هذا القانون جديداً ويتطابق مع روح المجمع الفاتيكاني الثاني الذي يولي اهتماماً خاصاً بالكنائس الشرقية غير الكاثوليكية. ويقرر القانون 671 البند3: »كما إن للخدام الكاثوليك لهم أن يقوموا بخدمة أسرار التوبة والقربان الأقدس ومسحة المرضى على وجه جائز، لمؤمني الكنائس الشرقية التي ليست في شركة تامة مع الكنيسة الكاثوليكية، إذا طلبوها من تلقاء أنفسهم وكانوا مستعدين كما يجب«.
أما فيما يخص مباركة الزواج يتطلب المشرّع أن يواجه المؤمنون، من الكنائس الشرقية غير الكاثوليكية، مشقة جسيمة في الوصول إلى خادمهم المختص وأن يطلبوا ذلك من تلقاء أنفسهم، ومع مراعاة القانون فيما يخص صحة وجواز الزواج. وبالنسبة للموانع الزوجية، مع مراعاة الشرع الإلهي، يجب تطبيق القانون الخاص بكنائسهم؛ أما بالنسبة لصيغة الاحتفال يجب القيام بخدمة طقس الإكليل المقدس. على الكاهن الكاثوليكي تبليغ الأمر، إذا كان في الإمكان، إلى السلطة المختصة بهم وقبل الاحتفال بالزواج. هذا التبليغ واجب أيضاً بعد عقد الإكليل لهؤلاء المؤمنين لكي يتم تسجيل الزواج في سجلات الزيجات الخاصة بكنيستهم.
سابعاً: وجوب الالتزام بصيغة الاحتفال بالزواج
يقرّر القانون 834 البند1: “يجب الالتزام بصيغة الاحتفال بالزواج المقررة شرعاً، إذا كان ولو أحد الطرفين المحتفلين بالزواج معمّداً في الكنيسة الكاثوليكية أو منضماً إليها.
البند2- أما إذا احتفل الطرف الكاثوليكي المنتمي لأي كنيسة شرقية متمتعة بحكم ذاتي بالزواج من طرف تابع لكنيسة شرقية غير كاثوليكية، فصيغة الاحتفال المقررة شرعاً يعمل بها من حيث الجواز فقط؛ أمّا من حيث الصحة فتلزم مباركة الكاهن مع العمل بالأمور الأخرى التي يقتضيها الشرع”.
يجب الالتزام بصيغة الاحتفال بالزواج لطرفين يكون أحدهما قبل العماد في الكنيسة الكاثوليكية أو انضم إليها؛ كما أنّه يلتزم بالصيغة المقررة أولئك المعمدون في الكنيسة الكاثوليكية ولكنهم تربوا وعاشوا منذ الصغر في وسط جماعة غير كاثوليكية أو من دين آخر أو لا دين لها.
يجب على الطرف المنتمي إلى إحدى الكنائس الشرقية، في حالة زواجه، الالتزام بصيغة الاحتفال بالزواج. إن الكاثوليكي الشرقي الذي ينفصل عن الكنيسة ويعقد زواجاًَ مدنياً فلا تكون لديه نية الزواج في الرب، ويعتبر زواجه باطلاً، وهو ليس سراً مقدساً ويخالف منطوق القانون 776 البند2: “بترتيب من المسيح، الزواج الصحيح بين المعمدين هو سر بذات الفعل، به يجمع الله بين الزوجين على مثال الاتحاد السرمدي بين المسيح والكنيسة، ونعمة السر تمنحهما نوعاً من التكريس والحصانة”.
ويضيف القانون 843 البند2 استثناءً للمبدأ المقرر في القانون 832، ألا وهو في حالة زواج طرفين أحدهما كاثوليكي شرقي والآخر أرثوذكسي، فصيغة الاحتفال المقررة هي فقط لجواز الزواج، أما بركة الكاهن (الكاثوليكي أو الأرثوذكسي) فهي مقررة لصحة الزواج. ولا يجب أن يُفهم أن الطرفين لهما مطلق الحرية في اختيار الكاهن الذي يرأس صلاة الإكليل، بل على ترخيص من قبل الرئيس الكنسي المحلي (ق813). ولا يصح أبداً أن يبارك الزواج، في الكنائس الشرقية الكاثوليكية وغير الكاثوليكية، الشماس الإنجيلي أو أحد العلمانيين، فهذا فقط يعود إلى الأسقف أو الكاهن الذي يحضر ويقيم الطقس المقدس (صلاة الإكليل).
ثامناً: التفسيح في صيغة الاحتفال بالزواج
إن مهمة صيغة الاحتفال بالزواج هي التأكّد من صحة الزواج والمحافظة على عدم انحلاله وهي تعبّر عن الزواج كسرّ مقدس، لذلك تشدّد الكنيسة على الالتزام بها، حتى ولو كان أحد الطرفين كاثوليكياً (ق828).
في الظروف غير المألوفة للرئيس الكنسي المحلي صلاحية التفسيح، لذلك يقرر القانون 796 البند1: »عند خطر الموت الملّح، بوسع الرئيس الكنسي المحلي أن يفسح للمؤمنين الخاضعين له أينما مكثوا، وكذلك لسائر المؤمنين المقيمين حالياً في حدود منطقة الإيبارشية، في صيغة الاحتفال بالزواج التي قررها الشرع.
البند 2- وفي الظروف نفسها وفي تلك الحالات فقط التي يتعذّر فيها الاتصال حتى بالرئيس الكنسي المحلي، يملك سلطان التفسيح ذاته الراعي، وكاهن آخر حائز على صلاحية مباركة الزواج، والكاهن الكاثوليكي المذكور في القانون 832 بند2″.
يستطيع الأسقف الإيبارشي أن يمنح التفسيح في صيغة الاحتفال بالزواج المقررة في الشرع إن لم يعمل بها، وذلك عند التصحيح من الأصل لزواج غير صحيح (ق848). في الظروف المألوفة، لا صلاحية للرئيس الكنسي لمنح التفسيح في صيغة الاحتفال، لأن هذا محفوظ للكرسي الرسولي وللبطريرك، ويمنح لسبب بالغ الأهمية (ق835).
في الواقع هذا التفسيح يخصّ زواج:
(1) طرفين كاثوليك شرقيين.
(2) طرف شرقي كاثوليكي وطرف بروتستانتي أو طرف غير معمّد.
(3) طرف كاثوليكي شرقي وطرف أرثوذكسي شرقي.
تاسعاً: الاحتفال بطقس الزواج (صلاة الإكليل)
يقرر القانون 836: »للاحتفال بالزواج يجب مراعاة الكتب الطقسية والعادات المشروعة، ماعدا حالة الضرورة”.
يجب أن نفرّق بين صيغة الاحتفال بالزواج المقررة في القانون 828، والتي تتطلّب الطقس المقدّس لصحة الزواج، وبين الصيغة الطقسية التي بها يحتفل بالطقس المقدس، والمقررة في الكتب الطقسية، والعادات المشروعة في كل كنيسة شرقية متمتعة بحكم ذاتي.
ويقرر القانون 199 البند1: “على الأسقف الإيبارشي، بصفته المشرف والمنشّط والحارس في الإيبارشية المعهودة إليه على الحياة الطقسية بأسرها، أن يسهر على تعزيزها إلى أقصى حد وتنظيمها، بموجب الأحكام والعادات المشروعة في كنيسته المتمتعة بحكم ذاتي”. ويحدّد القانون 674 البند1: “لدى الاحتفال بالأسرار المقدسة يعمل بدقة بما جاء في الكتب الطقسية.
البند2- على الخادم أن يحتفل بالأسرار المقدسة وفقاً للمراسيم الطقسية لكنيسته المتمتعة بحكم ذاتي، ما لم يقرر الشرع غير ذلك، أو إذا كان الخادم نفسه قد حصل على صلاحية خاصة من الكرسي الرسولي”.
أمّا القانون 668 البند2 يقرّر أيضاً: “إن السلطة المختصة بتنظيم العبادة الإلهية العامة هي الوارد ذكرها في القانون 657، مع سريان القانون 199 البند1؛ ليس لأحد غير هذه السلطة أن يضيف على ما تقرّه أو يحذف منه أو يبدّل فيه أي شيء”.
نستخلص مما سبق أنه أثناء الاحتفال بالزواج، يجب المحافظة بكل دقة على الكتب الطقسية، دون إضافة أو حذف أو تبديل أي شيء.
عاشراً: حضور الزوجين
يقرر القانون 837: »لصحة الزواج، لابد أن يحضر الطرفان معاً، وأن يعبّر الواحد للآخر عن رضاه بالزواج «.
بحكم القانون الطبيعي، يمكن أن يعبّر الزوجان عن رضاهما بأية طريقة تشير إلى إرادتهما لإنشاء الزواج (كلمات، إشارات، لبس الخواتم، تشابك الأيدي). ولتحقيق هذا الهدف، يجب حضور الزوجين. وحسب التقليد الشرقي العريق في القدم، فإن الرضى الزواجي يعبّر عنه أثناء صلاة الإكليل، لذا وجب حضور الزوجين لكي يصلي الكاهن من أجلهما حتى يوحّد الروح القدس الزوجين في جسد واحد، على غرار اتحاد السيد المسيح بالكنيسة.
ويضيف القانون 837 البند2- »لا يمكن الاحتفال على وجه صحيح بواسطة الوكيل، ما لم يقرر في الشرع الخاص بالكنيسة المتمتعة بحكم ذاتي غير ذلك، وفي هذه الحال يجب أيضاً تدبير الشروط اللازمة التي بموجبها يمكن الاحتفال بمثل هذا الزواج«.
لقد تمّ تغيير ما قررته الإرادة الرسولية في القانون 80 البند1: “لا يمكن عقد الزواج بواسطة وكيل إلا إذا أذن بذلك الرئيس الكنسي المحلي خطّا وفي حالة مخصوصة.
البند2- يستطيع الرئيس الكنسي المحلي أن يأذن بما سبق في حالة الضرورة فقط أي إذا تعذّر على الفريقين الحضور معاً أمام الكاهن لسبب خطير”.
إن الزواج بواسطة وكيل لا يتلاءم مع طقس صلاة الإكليل الذي يتطلّب الحضور الشخصي للزوجين. وهناك ظروف خاصة قد تبرر الاحتفال بالزواج بواسطة وكيل، وذلك إبان نشوب حروب أو تواجد أحد الطرفين في دولة ما وليس لديه السيولة المالية للسفر إلى دولة أخرى للاحتفال بالزواج.
في كل الأحوال يجب الحذر الشديد، عند تقرير هذا المبدأ في الشرع الخاص، واتخاذ كل الاحتياطات للاحتفال بالزواج بهذه الطريقة.
أخيراً، لا يجب منح الصلاحية للاحتفال بالزواج بواسطة وكيل في الدول التي لا يقرّ القانون المدني مثل هذا الزواج.
حادي عشر: الاحتفال بالزواج في كنيسة الرعية
يقرّر القانون 838 البند1: “يحتفل بالزواج في كنيسة الرعية، أو- بترخيص من الرئيس الكنسي المحلي أو الراعي المحلي- في مكان مقدس آخر؛ لكن في أماكن أخرى لا يمكن الاحتفال به إلا بترخيص من الرئيس الكنسي المحلي.
البند2- في ما يتعلق بوقت الاحتفال بالزواج، يجب العمل بالقواعد المقررة في الشرع الخاص بالكنيسة المتمتعة بحكم ذاتي”.
يدعو المشرع أن يُحتفل بالزواج في كنيسة الرعية لضمان المحافظة وبكل أمانة على الالتزام بالطقس المقدس وتتميم الصلوات كما يجب، بكل خشوع ووقار.
ويقول القانون 869 عن الكنيسة: “الكنيسة مبنى مكرس بالتدشين أو بالبركة للعبادة لا غير”.
ويعرّف الشرع الجديد الرعية في القانون 279: “الرعية هي جماعة معينة من المؤمنين، مقامة في إيبارشية ما على نحو ثابت، تُعهد العناية الرعوية بها إلى راع”.
إن جماعة المؤمنين لمدعوة للمشاركة في الاحتفال بالزواج، وهي تبتهل إلى الروح القدس لكي يقدس الزوجين، لأنه مصدر كل نعمة وبركة.
وفي ما يخص زمن الاحتفال بالزواج، في كنائس شرقية عديدة، لا يحتفل به، في زمن الصوم والتوبة. ويقرر الشرع الخاص لكل كنيسة متمتعة بحكم ذاتي، زمن الصوم والتوبة، الذي هو بمثابة فترة يتفرغ فيها المؤمنون للعبادة والتأمل، وهذا ما يقرره القانون 882 : “يجب على المؤمنين، في أيام التوبة أن يحفظوا الصوم أو الانقطاع، بالطريقة المحددة في الشرع الخاص بكنيستهم المتمتعة بحكم ذاتي”. ولذلك تمنع الاحتفالات بالزواج، لا لأن الزواج به نجاسة، بل لأن الأفراح تصاحبها مظاهر اجتماعية، كالأطعمة التي نمتنع عنها إبان زمن الصوم. إن الزواج مكرم والمضجع طاهر، ولكنه لا يتلاءم الاحتفال به في زمن الصوم، وهو ما تقرره أيضاً سائر الكنائس الشرقية والتي ليست في شركة تامة مع الكنيسة الكاثوليكية.
ثاني عشر: الاحتفال الديني بالزواج
يقرر القانون 839: »سواء قبل أو بعد الاحتفال على وجه قانوني، يحظر القيام باحتفال ديني آخر بنفس الزواج لإبداء أو لتجديد الرضى في الزواج، كما يَحظر الاحتفال الديني الذي يطلب فيه كاهن كاثوليكي وكاهن غير كاثوليكي معاً الرضى من الطرفين”. يحتفل بالزواج صحيحاً بتبادل الرضى بين الزوجين وبحضور الكاهن الذي يبارك الإكليل وبشهادة الشهود (ق828). وفي حالة زواج طرف كاثوليكي شرقي بطرف شرقي من الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، يرخص الرئيس الكنسي للاحتفال بهذا الزواج، ويمنع أي احتفال آخر قبل أو بعد الزواج يقوم به كاهن كاثوليكي، لأن الزواج الذي يباركه كاهن غير كاثوليكي هو صحيح.
ولا يجوز أن يطلب كاهن كاثوليكي مع كاهن غير كاثوليكي الرضى الزواج معاً، لكن هذا لا يمنع أن يشترك الكاهن غير الكاثوليكي في الصلاة، بل هو محبذ جداً.
ويجب توعية المؤمنين، خاصة في البلاد التي تتطلب قوانينها عقد الزواج المدني أولاً، بأن هذا الأخير لا يُعَد زواجاً صحيحاً، بل يجب الاحتفال به حسب الصيغة المقررة في القانون الكنسي.
ثالث عشر: الزواج المحتفل به سراً
يقرر القانون 840 البند1: »لسبب هام وملّح، بوسع الرئيس الكنسي المحلي أن يأذن بالاحتفال بالزواج سراًُ، ويترتب على ذلك واجب جسيم بكتمان السر، يلزم الرئيس الكنسي المحلي والراعي والكاهن الحائز على صلاحية مباركة الزواج والشهود وأحد الزوجين إذا كان الآخر غير راض بإفشاء السر.
البند2- يزول واجب الرئيس الكنسي المحلي في كتمان السر، إذا نتج عن هذا الكتمان عثار خطير أو امتهان جسيم لقدسية الزواج
البند3- الزواج المحتفل به سراً إنما يدوّن في سجل خاص، يحفظ في أرشيف الدائرة الإيبارشية السري، ما لم يحل دون ذلك سبب بالغ الأهمية”.
لقد قررت الإرادة الرسولية الزواج الضميري (ق93)، ولكن القانون الجديد، يريد أن يوضح أن الزواج السري ليس فقط في الضمير (المحكمة الداخلية) ولكنه زواج حقيقي في المحكمة الداخلية والخارجية. إنه زواج علني وليس خفياً، بمعنى أنه يمكن إثباته في المحكمة الخارجية. ولصحة هذا الزواج السري يجب أن يقوم الرئيس الكنسي المحلي أو الراعي أو الكاهن المفوض من أحدهما بصلاة الإكليل، حسب الكتب الطقسية. وهناك واجب كتمان السر يلتزم به الرئيس الكنسي المحلي أو الراعي أو الكاهن المفوض من أحدهما، وهذا الكتمان واجب أيضاً لما يخص التحريات السابقة للزواج والتسجيل في السجل الخاص الذي يُحفظ في الأرشيف السري للإيبارشية.
يأذن الرئيس الكنسي المحلي للاحتفال بالزواج سراً إذا كان هناك سبب هام وملّح، أمثال ذلك: الفارق الشاسع في الوضع الاجتماعي (زواج الباشا بمخودمته)، اعتراض الوالدين الغير المقبول اللامعقول، تحريم القوانين المدنية للزواج المعقود سراً.
يستطيع الزوجان طلب الإذن بالاحتفال بالزواج سراً، كما للرئيس الكنسي المحلي فرض هذا الزواج السري لدفع عثار كبير، كما أنه يزول واجب كتمان السر عندما ينتج عن ذلك عثار خطير أو امتهان جسيم لقدسية الزواج كسرّ عظيم من أسرار الكنيسة السبعة.
رابع عشر: تسجيل الاحتفال بالزواج في سجلات الزيجات والعماد
يقرر القانون 841 البند1: »بعد الاحتفال بالزواج، على راعي مكان الاحتفال أو من ينوب عنه- حتى وإن لم يبارك أي منهما الزواج- أن يدون في أقرب وقت في سجل الزيجات، أسماء الزوجين، والكاهن الذي بارك، الشهود، ومكان ويوم الاحتفال بالزواج، والتفسيح- إذا اقتضى الأمر- في صيغة الاحتفال بالزواج أو في الموانع، ومانع التفسيح، مع ذكر المانع ودرجته والصلاحية الممنوحة لمباركة الزواج، وكذلك الأمور الأخرى حسب الطريقة التي يقررها أسقفه الإيبارشي.
البند2- علاوة على ذلك، على الراعي المحلي أن يدون في سجل العماد أن الزوج احتفل بالزواج في يوم كذا في رعيته؛ أما إذا كان الزواج قد تعمد في مكان آخر، فيجب على الراعي المحلي أن يَرسل بنفسه أو عن طريق الدائرة الإيبارشية شهادة الزواج إلى الراعي المدونة لديه معمودية ذلك الزواج، ولا يطمئن إلى أن يبلغه نبأ تسجيل الزواج في سجل العماد.
البند3- إذا احتفل بالزواج وفقاً للقانون 832، فعلى الكاهن- إذا كان هو الذي باركه، وإلا فعلى الشهود والزوجين- أن يعنوا بتسجيل الاحتفال بالزواج في السجلات المقررة في أقرب وقت«.
القانون 842 – »إذا صُحح الزواج في المحكمة الخارجية، أو أعلن بطلانه أو انحل على وجه شرعي- ماعدا حالة الوفاة- يجب إبلاغ راعي المكان الذي احتفل فيه بالزواج، ليسجل ذلك في سجلي الزواج والعماد«.
يجب تسجيل الزواج، في أقرب وقت ممكن، في سجل الزيجات. وكل القواعد المقررة في القانونين 841 و 842 قانونية محضة، ولكنها لا تخلو من معنى لاهوتي ورعوي، حيث تنبثق عنه بعض واجبات الراعي المعهودة إليه الرعية التي هي بمثابة قطيع المسيح. إن الراعي الصالح يعرف خرافه وهي تعرف صوته وتتبعه، بينما تهرب من الغريب (يو 3:10-5). ويقرر القانون 296 أن تكون للرعية سجلاتها، أي سجل المعمدين وسجل الزيجات وسجل المتوفين، ويقع على عاتق الراعي على أن تحرر وتحفظ كما يجب. إن تسجيل الزواج في سجل الزيجات وسجل المعمدين لهو إثبات قانوني للاحتفال بالزواج والذي له آثاره الكنسية والمدنية.
عن مجلة صديق الكاهن