الزواج في القانون الشرقي الجديد(29)الزيجات المختلطة- الأب د. أيوب زكي
مقدمة
بداية نود الحديث عن التطور المذهل في فكر الكنيسة الكاثوليكية ونظرتها إلى الزيجات المختلطة في الماضي والحاضر. إن تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني يدعونا إلى احترام وتقدير الكنائس والجماعات الكنسية المختلفة. إن هذا الفكر الجديد كان له عظيم الأثر في التقنين الجديد، ولا سيما القوانين الخاصة بالزيجات المختلطة. إن وحدة الكنيسة، والزواج كسرٍّ مقدس، والاحتفال بصلاة الإكليل لبدء حياة جديدة بين طرفين، والمحافظة على وحدة الزواج وعدم انحلاله، كل هذا يتطلب أن يكون الزوجان في إيمان واحد وشركة تامة في الكنيسة الكاثوليكية. إن الزيجات المختلطة هي نتيجة انقسام المسيحيين، وهي في بلاد عديدة، في ازدياد مطرد، حيث يعيش الكاثوليك (كأقلية أحياناً) مع اخوتهم المسيحيين. إن المقصود بالزيجات المختلطة هو كل زواج بين طرف كاثوليكي وطرف غير كاثوليكي من كنيسة أو من جماعة كنسية وليست في شركة تامة مع الكنيسة الكاثوليكية؛ لهذا يجب أن نفرق بين الزيجات المختلطة من الزيجات المنعقدة بين طرفين، أحدهما كاثوليكي شرقي، وآخر غير معمّد، وهو ما نطلق عليه مانع “اختلاف الدين”.
أولاً: الزيجات المختلطة في الإرادة الرسولية الصادرة عام 1949
كان اختلاف المذهب من الموانع المحرمة، وفي هذا الإطار دأبت الكنيسة منذ العصور الأولى في تحريم الزيجات المختلطة. وقد وضع هذا المانع تلافياً للاشتراك في الأسرار المقدسة، ولخطر فقدان الإيمان الكاثوليكي.يقرر القانون 50: “تنهي الكنيسة في كل مكان أشد النهي عن عقد زواج بين شخصين معتمدين الواحد كاثوليكي والآخر منتم إلى بدعة هرطوقية أو منشقة. وإذا كان على الفريق الكاثوليكي أو على الأولاد خطر ضلال من جراء ذلك، فالزواج محرم بمقتضى الشريعة الإلهية نفسها”.كان هذا هو الأسلوب السائد، قبل انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني، وهو يوضح مدى قسوة الألفاظ ولغة التجريح بين الطوائف المختلفة. كان هناك شعار مشهور: “لا خلاص خارج الكنيسة الكاثوليكية”، لأجل ذلك يدعو القانون 52: “يتحتم على الزوج الكاثوليكي أن يسعى بفطنة في هداية الزوج غير الكاثوليكي”.إنها لدعوة صريحة للزوج الكاثوليكي لكي يسعى في هداية الزوج غير الكاثوليكي، ولكننا لا نحكم على تصرفات الماضي بفكر الحاضر.
ثانياً: النظرة اللاهوتية والمسكونية للتقنين الجديد
يقول منطوق القانون 813: “يحرم الزواج بدون سابق ترخيص من السلطات المختصة، بين شخصين معمدين، أحدهما كاثوليكي والآخر غير كاثوليكي”.لقد ألغى القانون الجديد مانع “اختلاف المذهب”، وأدرج الزيجات المختلطة كمادة مستقلة. وقصد القانون 813 بلفظ: “غير كاثوليكي” الشرقيين غير الكاثوليك، والبروتستانت، ولا يقصد الكاثوليك الذين تخلوا علانية عن الإيمان الكاثوليكي، حتى وإن لم ينضموا إلى أية كنيسة، أو أية جماعة كنسية أخرى.إن الزواج المختلط تحرمه الكنيسة الكاثوليكية، وفي حال الاحتفال به، ترخص له لكي يحتفل به جائزاً: إنه زواج صحيح، ولكن إذا احتفل به بدون ترخيص من السلطة الكنسية المختصة، يصبح غير جائز.
ثالثاً: الشروط لمنح الترخيص
يقول منطوق القانون 814: “بوسع الرئيس الكنسي المحلي، منح هذا الترخيص لسبب صوابي؛ لكن لا يمنحه ما لم تتم الشروط التالية:
(1) أن يعلن الطرف الكاثوليكي عن استعداده لدفع خطر ترك الإيمان، ويعد صادقاً بأنه سيبذل كل ما في وسعه لتعميد جميع أبنائه وتربيتهم في الكنيسة الكاثوليكية؛
(2) أن يُحاط الطرف الآخر في حينه علماً بهذه الوعود، الواجب أن يؤديها الطرف الكاثوليكي وواجباته؛
(3) يجب تلقين الطرفين أهداف الزواج وخصائصه الجوهرية التي لا يجب ألا يستبعدها أيٌّ من المخطوبين”
(4) القانون 815: “تقرر في الشرع الخاص بكل كنيسة متمتعة بحكم ذاتي، الطريقة التي بها تتم هذه التصريحات والوعود التي لابد منها، وتحديد طريقة إثباتها في المحكمة الخارجية وتبليغها إلى الطرف غير الكاثوليكي”.يستطيع الرئيس الكنسي المحلي أن يمنح الترخيص بالاحتفال بالزواج وذلك، على حسب احتياجات الزمان والمكان والشخص ولسبب صوابي. ولمنح هذا الترخيص، هناك بعض الشروط المستقاة من الإرادة الرسولية (Matrimonia mixta ) “الزيجات المختلطة” التي أصدرها البابا بولس السادس 1970. ويعتبر الخير الروحي للزوجين وخصائصه الجوهرية، كذلك الوعود والواجبات التي تقع على عاتق الطرف الكاثوليكي من خطر ترك الإيمان وتعميد الأبناء وتربيتهم في الكنيسة الكاثوليكية، وأن يُحاط الطرف غير الكاثوليكي علماً بها.
إن الشرع الجديد يفرض على الطرف الكاثوليكي الواجبات الخاصة بإيمانه وأمانته للكنيسة الكاثوليكية، كما أنه يحترم حرية الضمير والعقيدة الخاصة للطرف غير الكاثوليكي.على الشرع الخاص لكل كنيسة متمتعة بحكم ذاتي أن يحدد الطريقة الواجب اتباعها لتتميم التصريحات والوعود التي لابد منها، كما أنه يجب تحديد إثباتها، شفهياً أو كتابة، في المحكمة الخارجية وكيفية تبليغها إلى الطرف غير الكاثوليكي. يجب أن يتم كل هذا باحترام الطرف الآخر، ولا سيما حريته الدينية والعقيدة والعادات والتقاليد الخاصة بكنيسته.
رابعاً: العناية الرعوية والمسكونية
يقول منطوق القانون 81:
“على الرؤساء الكنسيين المحليين وغيرهم من رعاة النفوس أن يعنوا بألا يعوز الزوج الكاثوليكي والأبناء المولودين من زواج مختلط العون الروحي للإيفاء بواجبات ضميرهم، ويساعدوا الزوجين على تعزيز الوحدة في شركة الحياة الزوجية والعائلية”.
إن الزيجات المختلطة حقيقة واقعة وفي ازدياد مطرد، وبالتالي هناك ضرورة ملحة للقيام بدراسة مشتركة بين الكنائس المسيحية، تكفل التعمق في كل ما يخص الزيجات المختلطة ولا سيما المسائل القانونية والرعوية والمسكونية. إن المشاكل الخاصة بالزيجات المختلطة كانت لها أولوية خاصة وطرحت على بساط البحث في اللقاءات المختلفة بين الطوائف المسيحية.إن كل كنيسة تتمسك بمعتقداتها وإيمانها، وهي تشترط بعض الشروط للسماح للمنتمين لها لعقد الزيجات المختلطة، وتطلب أن يربى الأبناء ويعمدوا في كنائسهم، وهذا هو نظام الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي أصدرت قراراً في 19 أبريل 1977، تقرر فيه أن يعقد الزواج المختلط، حسب قواعد الكنيسة الأرثوذكسية، وأن يعمّد الأبناء ويربوا على عقائد الكنيسة المقدسة، ويجب على الطرفين قبل عقد الزواج، أن يوقعا على شهادة لإثبات حسن النوايا.أما الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فهي تمثّل التيار الأكثر تشدداً وتطرفاً، فهي لا تقر أبداً الزيجات المختلطة، بل تحتم على الطرف غير القبطي الأرثوذكسي أن يُعاد عماده لكي يتزوج في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على يد كاهن قبطي أرثوذكسي، طبقاً لطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (صلاة الإكليل).
وفي جلسة السبت 3/6/1990 للمجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، سُئل البابا شنودة الثالث:
س- هل نعمد الأقباط الكاثوليك؟
ج- نعم. لأن بيننا وبين الكاثوليك خلافات في العقيدة مثل: انبثاق الروح القدس، والحبل بلا دنس، وخلاص غير المؤمنين (القرارات المجمعية في عهد صاحب القداسة والغبطة البابا شنودة الثالث، ص51، الطبعة الثانية، القاهرة 1996).
إن الأطراف المسيحية التي تعيش داخل الصعوبات الناجمة عن الزيجات المختلطة لمدعوة أكثر من غيرها للشهادة للإنجيل المقدس، الذي يدعو بأن يكون الجميع واحداً. هذه الأسر المسيحية تعتبر نواة حقيقية وخميرة صالحة توحّد بين جميع المسيحيين ليكون الجميع واحداً، تحت لواء الحب المقدس، للراعي الواحد.