« الشعور بالعجز وقدرة الله فينا» بقلم الأب نادر ميشيل اليسوعيّ
قدّمته لكم مها سركي
الشعور بالعجز جزء من واقعنا الإنسانيّ، ونحن نمرّ به طوال حياتنا. إنّه ينبع من بنيتنا النفسيّة ويرتبط بعلاقاتنا بالآخرين. شعور مصدره إحساسنا بأنّنا لا نقدر على كلّ شيء. فبعض الأمور تتعدّى إمكاناتنا وتجعلنا نشعر بالنقص أو بالعجز حيال أمور كثيرة في هذ الحياة.
كثيرًا ما تتناهى إلى مسامعنا عبارة “دخل بالحيط”؛ فما هو أصل هذه العبارة ومتى نعيشها؟ نقولها عندما نشعر بالعجز، ونشعر بالعجز لأنّنا نحبّ! نحبّ ذواتنا والآخرين والحياة، ولأنّ مَن نحبّهم لم يتجاوبوا مع نداءاتنا ونصائحنا لهم. نقولها حين لا تأتينا الحياة بما نحلم به أو نتمنّاه، فنصطدم بحائط العجز. حيال هذا الشعور لا يقف الكاتب عند شرح معنى العجز أو أسبابه أو أبعاده الاجتماعيّة، بل يوضح مصدر نشأته في داخل الإنسان ودور الكلمة في حياته لينتقل إلى فهم جذور هذا الشعور والديناميّة التي تحمله وتغذيه.
ويعرض الكاتب رأي الكتاب المقدّس حول هذا الشعور، ويجد في حياة القدّيس بطرس صدى لما نحمله في فكرنا وفي قلبنا، ويوجّه مواقفنا واختياراتنا. فيتأمّل حياة بطرس بغية الوصول إلى رؤية موضوعيّة لذواتنا وفهمًا لطبيعتنا البشريّة وعمل الله فيها ومن خلالها. إنّه يناقش خبرة الحبّ في العجز.
ويتوقّف في الفصل الثالث أمام شخص يسوع ليفهم معنى سلطانه ومصدر قدرته وأثره في حياة الناس. ويبيّن أنّ عمله ليس سحراً وإنّما تحريرًا للكلمة التي تسكن فينا. لأنّ يسوع يتحمّل كلمات العتاب والغضب حتّى تهدأ قلبنا، وتوقظ الحرّيّة في أعماقه، فيعرف طريق السلام، وتنفتح أمامه إمكانيّات الحياة في أروع صورها.
وفي الفصل الرابع يتأمّل يسوع يقوم بتأسيس الكنيسة. فهو يهب ذاته لأصدقائه ويمنحهم جسده ودمه، حياته وذاته، ثمّ يتأمّل هبة يسوع ذاته في غسل الأرجل. ويرافقه في صلاته في بستان الزيتون. إنّ دراسة كلّ تلك المواقف والأحداث تغيّر مفاهيمنا ونوعية حضورنا الكنسيّ والاجتماعيّ. لقد خلّص يسوع تلاميذه من أوهام القدرة التامّة، وكشف القناع الذي يخفي وراءه جمال إنسانيّتهم، فجعلهم يقبلون أنفسهم بمواهبهم وامكانيّاتهم بحدودها وضعفها وعجزها، ويسيرون جنبًا إلى جنب في مسيرة الحياة والحبّ. فطريق الحب أوسع من العجز.
وأخيرًا يعرض بعض ملامح طريق السلام وسط الشعور بالعجز، ويبيّن أنّه في العجز التامّ يبقى شيئًا واحدًا ممكنًا وهو أن يهب كلّ ذاته فيجد نفسه وفرحه وسعادته. إنّ يسوع يقلب مفاهيمنا. فحائط العجز لا يصدّ الإنسان بل يجعله يدخل إلى عمق أكبر في ذاته، ويجد مساحةً عظيمة في قلبه ينطلق منها ليحبّ بسخاء لا يعرف حدود.
يقترح الكاتب في نهاية كلّ فصل بعض النصوص الكتابيّة للصلاة والتأمّل. وهي تساعد على التفكير الشخصيّ والمشاركة في المجموعات. نصوص تغني حياتنا الروحيّة وتمنحنا فهمًا أوسع لذواتنا وتشركنا معًا في نهوض القلب من كبوة اليأس والحزن التي تُدخِلنا فيها خبرة الشعور بالعجز.
ففي قلب واقعنا الأليم نلتقي الله، نبع الكلمة في حياتنا، ونجد معنى لحياتنا في علاقتنا به، بالرغم من الشعور بالعجز والخسران.
كتاب يلمس مشاعرنا التي نحسّ بها، خاصةً في أيامنا هذه، من إحباط ويأس. نحن نبحث عن القدرة المطلقة، ونختلق لأنفسنا إلهًا يحقق لنا أحلامنا وكلّ مبتغانا، ويسدّ كلّ حاجاتنا انطلاقًا من إحساسنا بألم الآخرين.
كتاب يساعد القارئ على الوصول إلى المحراب الداخليّ حيث يمكنه استعراض حياته ويطرح عليه تساؤل: هل تثق بأنّ الله قادر على أن يفتح لك باب الحياة عبر حائط العجز؟ فطريق الحبّ يخترق كلّ الحوائط والسدود.
كتاب يستوقف القارئ مراراً وتكراراً، ويدعه يتأمّل في استشفافات الكلمات والسطور وفي رمزيّتها وفي فلسفتها إلى أبعد الحدود وإلى أبعد ما في السطور.
يسوعيون