الشهداء الأقباط في ليبيا، الكاردينال كوخ: شهود إيمان أيضًا في الكنيسة الكاثوليكية
نقلا عن الفاتيكان نيوز
17 قبراير 2024
كتب : فتحى ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .
في بازيليك القديس بطرس، تم الاحتفال في ١٥ شباط فبراير، بإحياء الذكرى الأولى لمجموعة الرجال الذين تم اختطافهم وقطع رؤوسهم على شاطئ في سرت على يد رجال الميليشيات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. وكان البابا فرنسيس قد أدرجهم في قائمة الشهداء الرومانيين في ١١ أيار/مايو الماضي.
إنَّ شهداء الكنيسة “ليسوا ظاهرة هامشية، بل يشكلون نقطة ارتكازها الأساسية”، هذا ما أكّده الكاردينال كورت كوخ، عميد دائرة تعزيز وحدة المسيحيين، الذي ترأس في ١٥ شباط فبراير، في كابلة الجوقة في بازيليك القديس بطرس، الاحتفال بالذكرى الأولى في الكنيسة الكاثوليكية للواحد والعشرين شهيدًا الذين قتلوا في ليبيا، والذين أدرجهم البابا فرنسيس في قائمة الشهداء الرومانيين في ١١ أيار/مايو الماضي.
تم اختطافهم في سرت من قبل مجموعة من رجال الميليشيات التابعة لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، وقطعت رؤوسهم على الشاطئ في الجزء الغربي من المدينة في ١٥ شباط فبراير ٢٠١٥؛ وكانوا عمالاً مهاجرين في ليبيا: عشرون من الجنسية المصريّة، يجمعهم الانتماء إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وواحد غاني، وهذا الأخير لم يكن مسيحياً، ولكن عندما طُلب منه أن ينكر المسيح، أجاب: “إلههم هو إلهي”.
ذكّر الكاردينال كوخ بكلمات يسوع في إنجيل يوحنا: “إذا اضطهدوني فسيضطهدونكم أيضًا”؛ وشدّد على أن الاستشهاد هو “جانب أساسي من المسيحية”. وقد “ظهر هذا الأمر مراراً عبر تاريخ الكنيسة”. وهذا ما يتم تأكيده أيضًا “في عالم اليوم، حيث يوجد عدد أكبر من الشهداء مقارنةً بزمن اضطهاد المسيحيين في القرون الأولى”: إنَّ ٨٠٪ من جميع الذين يضطهدون اليوم بسبب إيمانهم هم مسيحيون. ولذلك فإن الإيمان المسيحي حاليًا هو “الدين الأكثر تعرّضًا للاضطهاد. وقد أصبحت المسيحية مرة أخرى كنيسة شهيدة، إلى حد لا مثيل له”. كذلك، أكد الكاردينال كوخ أن آلام يسوع هي “الاستشهاد الأول”، وهي في الوقت نفسه “النموذج المثالي لاستشهاد المسيحيين الذين يعيشون في اتباعه ويبذلون حياتهم محبّة به”. وكما أن المسيح “خضع بالكامل لإرادة الآب السماوي من أجلنا نحن البشر وضحى بحياته على الصليب بسبب محبته اللامتناهية لنا، كذلك إن الشهيد المسيحي لا يسعى إلى الاستشهاد، ولكن إذا جاء الاستشهاد لا محالة فهو يأخذه على عاتقه كنتيجة لأمانته لإيمانه”. في الواقع، لاحظ الكاردينال كوخ أن الموت ليس هو ما يجعل المسيحي شهيدًا، وإنما نيته وبالتالي استعداده الداخلي. فإذا “أخذنا يسوع المسيح كقدوة، فإن علامته المميزة ستكون المحبة”: فالشهيد يضع موضع التنفيذ “انتصار المحبة على الكراهية والموت”. وتضحيته “تظهر أنها فعل المحبة الأسمى تجاه الله وتجاه الإخوة والأخوات في الإيمان”.
وأمام ذخائر الشهداء الواحد والعشرين – التي تم إحضارها إلى البازيليك لهذه المناسبة وقد قدّمها للحبر الأعظم قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية – ذكر الكاردينال كوخ بما سلّط عليه الضوء القديس يوحنا بولس الثاني، “مسكونية الشهداء” عندما أقام، خلال اليوبيل الكبير لعام ٢٠٠٠، في الكولوسيوم، احتفالًا لا يُنسى بحضور ممثلي مختلف الكنائس المسيحية والجماعات الكنسية. وبهذه المبادرة أظهر بوضوح أن “الشهادة المقدمة للمسيح حتى سفك الدم قد أصبحت إرثًا مشتركًا للكاثوليك والأرثوذكس والأنغليكان والبروتستانت”، كما نقرأ في الرسالة الرسوليّة Tertio millennio adveniente.
وأشار الكاردينال كوخ إلى أن المسيحيين اليوم “لا يتعرضون للاضطهاد لأنهم ينتمون إلى جماعة دينية معينة، بل لأنهم مسيحيون”. وشدد على أن البابا فويتيلا قد اعترف في “مسكونية الشهداء” بـ “الوحدة الأساسية بيننا نحن المسيحيين، وكان يأمل أن يتمكن الشهداء من مساعدة المسيحية على إعادة اكتشاف الشركة الكاملة”. كذلك، كما كانت الكنيسة الأولى مقتنعة بأن دماءهم يمكنها أن تكون بذار مسيحيين جدد، “هكذا يمكننا اليوم أيضًا أن نغذي الرجاء في الإيمان بأن دماء العديد من شهداء عصرنا قد تكون يومًا ما بذار وحدة مسكونية كاملة لجسد المسيح، الذي تجرحه انقسامات كثيرة.” وأكد الكاردينال كوخ: “في دماء الشهداء، يمكننا أن نكون متأكدين، أننا قد أصبحنا واحدًا”، وشركة الشهداء “تتحدث بلا شك بشكل أكثر بلاغة من الانقسامات التي لا تزال اليوم تفرقنا”.
وبهذا المعنى، فإن البابا فرنسيس “قد اعتبر دائمًا شهادة الشهداء الأقباط الأرثوذكس في غاية الأهمية”. ومن خلال إدراجهم في قائمة الشهداء الرومانيين كـ “علامة للشركة الروحية التي توحد كنيستينا”، خلص الكاردينال كوخ إلى القول، أراد أن يُظهر أنهم “شهود الإيمان أيضًا في الكنيسة الكاثوليكية، وبالتالي فهم شهدائنا أيضًا”.
خلال الصلاة المسكونية، رُفعت الصلوات لكي يمنح الرب، بشفاعة الواحد والعشرين شهيدًا، قوة روحه لكي يعلن اسمه، وللمضطهدين بسبب إيمانهم، فيجدوا القوة لكي يغفروا، وللكنائس الكاثوليكية والقبطية الأرثوذكسية التي تسير على درب الوحدة، لكي يعضد الرب الجميع في مسيرتهم نحو عيد الفصح. وقد أحيت الصلاة الجوقة القبطية الأرثوذكسية لكنيسة القديس جاورجيوس في روما، وكان من بين الحاضرين أمين سرِّ دائرة تعزيز وحدة المسيحيين، بريان فاريل؛ وأمين سر دائرة الكنائس الشرقية الأب ميشيل جلخ؛ والأسقف القبطي الكاثوليكي الفخري على أبرشية الجيزة (مصر) أنطونيوس عزيز مينا؛ والنائب العام لأبرشية روما القبطية الأرثوذكسية ثاوفيلوس السرياني؛ وكاهن رعية القديس مينا للأقباط الأرثوذكس في روما أنطونيو جبرائيل؛ بالإضافة إلى العديد من الممثلين المسكونيين، من بينهم ماثيو لافرتي، من المكتب المسكوني الميثودي في روما، وتارا كورلويس، من المكتب المسكوني للكنائس الإصلاحية في روما، وبساك تيبيرجيان، من الكنيسة الرسولية الأرمنية. وبعد الصلاة، تم عرض الفيلم الوثائقي الشهداء الواحد والعشرون: قوة الإيمان في مكتبة الأفلام في الفاتيكان. وقد تم تصوير الفيلم في قرية الشهداء الواحد والعشرين، تحت رعاية البابا تواضروس الثاني. وفي الختام، عُقدت طاولة مستديرة حول موضوع مسكونية الدم، شارك فيها الكاردينال كوخ والمونسنيور عزيز مينا والقس جبرائيل ومخرج الفيلم الوثائقي صموئيل أرمنيوس.