أبوك يرى في الخفية وهو يجازيك….
نحن المساكين بالروح. وهذا يجب أن يظهر في خدمة الله من أجل ذاته، لا طلباً لأمجاد باطلة “وحتّى يرانا الناس”. لسنا هنا أمام السّر والعلن (هل نصلّي في السّر؟)، بل أمام استقامة نيّة وتجرّد فكر ونزاهة ضمير.
عاد يسوع إلى الممارسات اليهوديّة فأعطانا ثلاثة أمثلة نموذجيّة: الصدقة، الصلاة، الصوم. هكذا يتصرّف عدد كبير من الفرّيسيين: يقفون في المجامع وملتقى الشوارع ليراهم الناس. ونحن، ألا نتصّرف مثلهم؛ هل نطلب نفوسنا أم نطلب الله الآب؛ هل نطلب من الناس أن يمتدحونا أم أن يمجّدوا الله الذي في السماء؟
حدّثنا النبيّ يوئيل عن التوبة (توبوا إلّي بكلّ قلوبكم، 2: 12) والقدّيس بولس عن المصالحة (تصالحوا مع الله، 2 كور 5: 10). ولكنّ التوبة والمصالحة ليستا فقط موقفاً باطنيّاً. فنحن نعبّر عنهما بأعمال خارجيّة: بالصوم والصلاة والصدقة.
كيف نتقبّل كلمات يسوع التي تبدو بعيدة عن أوضاعنا الحاضرة؟ نضرب أمامنا بالبوق! نركع على ملتقى الطرق! نضع العطور. على رؤوسنا!
نعرف أنّ الله يرى ما لا يُرى وهو يجازي. فلتوجّهنا أعمالنا إلى الذي هو الينبوع، إلى الله، إلى الروح، إلى الجماعة. ولينقِّ الله نوايانا من كلّ محاولات الظهور والتظاهر.
بعد هذا نستطيع أن نعيش الانتباه إلى الله بالصلاة، العلاقة مع الآخرين بمساعدة بعضنا بعضاً، البحث عن تفتّح شخصيّ.
أوّلاً: الصلاة. لتكن دعوة الصلاة في الخفية إلى الجماعات الصغيرة لكي تكبر وتنمو. كيف ذلك؟ بالأمانة للاجتماع الأسبوعيّ يوم الأحد. هكذا نشهد لحضور الله في عالمنا.
ثانياً: الصدقة. إنّ جماعاتنا مدعوّة إلى حياة المقاسمة في كل وقت، ولا سيّما في زمن الصوم. لنبحث عن التوازن بين مساعدة فاعلة وناجعة وإن كانت خفيّة، وبين شهادة منظورة عن التواضع تدفع الآخرين إلى التحرّك.
ثالثاً: التفتّح الشخصيّ. هناك تجربة بأن نجتذب الأنظار إلينا، بأن نعمل ما في وسعنا لكي يرانا الناس ويعرفوا قدرنا. هذا تشويه لحاجة الإنسان إلى الاعتبار. ولكنّ يسوع يردّد ثلاث مرّات: الله الذي يرى في الخفية. المهمّ أن نرضي الله لا أن نرضي الناس.
الله يدعونا إلى الصدقة في الخفية. نحن لا ينقصنا شيء جوهريّ من أجل حياتنا، ولكن عدداً من الرجال والنساء والأطفال لا يستطيعون أن يعيشوا بكرامة بسبب أنانية المُتخمين. فلو قرّرتُ في الخفية أن أعطي بعض المال… هذه قضية عدالة. علّمني يا ربّ أن أفتح يديّ.
يدعونا الله إلى الصلاة في الخفية. نحن نجد الوقت اللازم لنلتقي شخصاً نحبّه. والله؟ أشغالنا كثيرة؟ نعتبر أننا نضيّع الوقت معه! أعطيك وقتاً مجّانيّاً لأنّي أحبّك، لأنّي صديقك. وأعطي وقتاً مجّانيّاً لله لأني أحبّه ولأنيّ ابنه… لو قرّرت أن أعطي كل يوم بعض الوقت لله… علّمني يا رب أن أفتح لك قلبي في الخفية.
يدعونا الله إلى الصوم في الخفية. نحن كلّنا عبيد لشيء من الأشياء أو لشخص من الأشخاص. وهذه العبودية تمنعنا من الحياة. إذن، نتحرّر لنعطي ذواتنا، نكون أحراراً لتكون حياتنا أفضل. لو قرّرتُ في الخفية أن أستعيد بعض حرّيّتي تجاه الأكل، تجاه الشرب، تجاه الدخّان، أو تجاه أي شيء يسلب منّي حرّيّتي. يجب أن أتطلع حقّاً إلى كل ما يتّخذ مكانة مفرطة في حياتي. علّمني يا ربّ أن أسير في حياتي كإنسان حرّ من كل قيد.
فأنا أريد أن أراك في القريب. وأريد أن أقضي معك وقتاً في الصلاة كالصديق مع صديقه. وأريد أن أتحرّر من كل شيء لأتعبّد لك أنت وحدك.