الصّلاة
مقدمة
كلمة صلاة في اليونانية هي “أفشي” وتعني نذر أو تعهّد أو قسم أو تضرع أو توسل، أي أن تقدم نذر لله. إن الصّلاة هي التّوجه نحو الله السّاكن في داخلنا. ولكن هذه العبارة الأخيرة ليست دقيقة بالكفاية لأنَّ كل صلاة يجب أن تصدر من قلب الإنسان، أي من عمق نفسه، في وقت أن الصّلاة التي نقصدها هي صلاة موجّهة لله الحاضر في القلب.
الصلاة هي مشاعر مشتركة بين الإنسان الضعيف والله الكليّ القدرة، حيث من خلال هذه الصلاة يعبّر الإنسان فيها عن حبه لله، وأيضًا العكس ففيها يلمس الله قلب الإنسان بحب فائق الطبيعة.
إنها فرح يتشاركه اثنان: الله والإنسان.
هي جوهر الحياة المسيحية، فبدونها تصبح حياة الإنسان حياة بلا معنى وبلا هدف، فهي التي تجعل الإنسان دائم السماع إلى صوت الله، ملبيًا ومحققًا لمشيئته من خلال حياته اليوميّة.
الصلاة هي القوة التي من خلالها نستطيع التّغلّب على كل قوى العالم الشرير، حيث يتحد فيها روح الله، والإنسان ذلك المخلوق المدلل لدى الله.
هي العلامة القويّة التي نعبّر بها لله عن حبنا، وعن قبولنا له في حياتنا كأب ومخلص. هي عمل يتطلب كل الإمكانيات الإنسانية قوة العقل وقدرة التركيز والقوى العاطفية لان الصّلاة هي فعل حب .
فكما يقول القديس باسيليوس الكبير: “الصلاة التصاق بالله في جميع لحظات الحياة ومواقفها، فتصبح الحياة صلاة واحدة بدون انقطاع ولا اضطراب”.
الصلاة بمعناها الحقيقي هو ارتفاع القلب إلى الله، وليس كما يفهمها ضعفنا البشري الذي يحملنا على أن نحرّك شفاهنا بصلوات لفظية وقلبنا بعيد عن الله.
كيف أصلّي إلى الله الّذي لا أستطيع أن أراه؟
“إنَّ السّماوات والفلك يخبر بما فعلت يداه” مز 19/1
ولكن أستطيع أن أحدد وجوده وأن أحدد له اسمًا انطلاقا من أفعاله ووجوده وخلائقه.
فإني خليقة الله بمعنى أنه فكّر فيّ منذ إنشاء العالم ووضعني في خطته، لقد اختارني وأرسلني إلى هذا العالم لأجل رسالة معينة دون شك، فالله لا يخلق بدون غاية. الله هو الوجود, وبالتالي فإن كل شيء موجود هو تعبير عن وجوده تعالى.
أنواع الصّلاة:
أنواع الصّلاة متعددة، فمن صلاة المبارَكة والعبادة، إلى الصّلاة العقليّة، إلى صلاة الطّلب، إلى صلاة التّوسُّل، فإلى صلاة الشّكر والتّسبيح، كما وهناك صلاة فرديّة وصلاة جماعيّة… فلا فصل بين أنواع الصّلاة، هي مُتداخلة في بعضها، وتنبثق من شعور واحد، شعور الإنسان بفرح يغمر قلبه عندما يلتقي بالله الخالق في الصّلاة، فلا يمكن لنفس الإنسان إلّا أنْ تتهلّل به وتشكره وتطلب إليه الخير والحياة.
ولا نستطيع أن نتكلّم عن كل أنواع الصّلاة، لكن سوف نتوقف قليلاً على اثنين منها وهي الصّلاة الجماعية والصّلاة الفرديّة.
1- الصّلاة الجماعية:
الصّلاة الجماعية متضمنة في صلاة اللّيتروجيّة والصّلوات التّقوية مثل قلب يسوع، صلوات المسبحة الوردية، صلوات الملائكة الحراس، الصّلاة عن الأنفس المطهريّة وصلاة الأجبية…
قال يسوع: “كلما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم” (متى 18-20).صلاة الجماعة تضمن لنا حضور المسيح. الصّلاة الجماعيّة توحّد الجماعة وتجعلها شاملة مقدسة رسوليّة… الجماعة تحمل صلاتي الشّخصية وتقدمها إلى الآب… وأنا أحمل صلاتها وأقدمها إلى الله الآب. الجماعة هي الكنيسة أي جسد المسيح السّري، تقدم ذاتها إلى الله وتقدم العالم، فقد زُرعت فيه لكي تكون خادمة له ومقدِّسة ومتوسلة.
ينير النور الإلهيّ القلبَ النقي والذهن النقي، لأنهما قابلان لتلقي النور. الرّب يحب أصحاب القلب النقي ويستمع إلى صلواتهم ويمنحهم طلباته التي تؤدي إلى الخلاص، ويكشف نفسه لهم ويعلمهم أسرار الطبيعة الإلهية.
2- الصّلاة الفرديّة:
هي الصّلاة التي تكون بين الفرد وبين الله، يستطيع من خلالها الإنسان التّقدّم إلى الله بكل خشوع ملتمسًا محبة الآب. في هذه الصّلاة يستطيع الإنسان أن يتكلم مع الله من خلال بعض الصّلوات التي يستطيع أن يتلوها أو من خلال صلاة إرتجاليّة.
هذه الصلاة لها قوتها الخاصة، فمن خلالها تنشأ علاقة حب بين الله والإنسان، حيث من خلال الصّلاة الشّخصية والتّأمل اليوميّ وفحص الذّات المستمر، يصبح الإنسان في قلب الله وفي فكره.
يقول القديس نكتاريوس العجائبي “أطلبْ الرب كل يوم. ولكن اطلبه في قلبك وليس خارجه، وعندما تجده قف برعدة وخوف كما الشاروبيم والسارافيم لأن قلبك قد أضحى عرشًا لله. ولكن لكي تجد الله، كُنْ متواضعًا كالغبار أمام الرب، لأن الرّب يمقت المتكبر، بينما يزور متواضعيّ القلب، ولهذا هو يقول: “إلى مَن سوف أنظر، إلاّ لمن هو عادل ومتواضع القلب؟”.
يقول أيضًا القديس باسيليوس الكبير : “إن علامة الصلاة النّاجحة هي ارتسام فكرة واضحة عن الله في النفس، ودليل سكنى الله فينا هو ثبوت الفكر فيه- وبذلك نصير هيكلاً لله..”
ما هي متطلبات الصّلاة؟
1- الصّلاة تتطلب صدق مع الذات، وأمانة والتزام بوقت الصّلاة، الّذي من خلاله نضمن عدم الكسل أو التراخي يومًا في الصّلاة.
2- السّخاء في الصّلاة يجعل قلب الإنسان مملوء بالفرح نتيجة تقابله مع الله الّذي هو المحبة.
3- ثقة في الحضور أمام الله، ففي حضرة الله يجد الإنسان نفسه وذاته محبوبًا ومقبولًا من المحبّة التي تخرج من كيان الله ذات الحضور الدائم.
4-تتطلب أيضًا الصّلاة مثابرة وجهاد مستمر، لأن لا أحد يستطيع أن يكون رجل الله المصلي بدون العلاقة الحميمة مع الله والتي تنشأ مع الله من خلال الصّلاة.
فكل من يريد أن يصلّي ويتعلّم كيف يصلّي فهذا يتم من خلال الصّلاة، فكما يقول أحد الآباء أنه فقط بالصّلاة أستطيع أنْ أتعلّم كيف أصلّي.
خاتمة
الصّلاة هي نابعة من الله لا منا، حيث أنَّ روح الرّب الساكن فينا هو من الله فهو من يصلّي عنّا. الصّلاة هي جوهر الحياة المسيحية التي تتطلب من كل مسيحيّ أن يقوم بها يوميًا من خلال حياته اليومية، بل وأكثر من ذلك يجب على كل مسيحيّ أن يجسد هذه الصّلاة في عمله وفي منزله وفي علاقته مع الآخرين. فإذا أردت أن تحتضن قلب الله فعليك بالصّلاة، وإذا أردت أن تكون ابن الله المدلّل، الأبن الأوحد والفريد في نظر الله فعليك بالصّلاة، وإذا أردت أن تحقق مشيئة الله في حياتك وهي السّعي إلى الكمال والقداسة فهذه الطريق تتحقق بالصّلاة والعلاقة الشّخصيّة الحميمة مع الله.
بعض المراجع:
1- جاك ماسون اليسوعيّ، لا أعرف كيف أصلّي الأب ، سلسلة الحياة الرّوحية، مطبوعات الآباء اليسوعيين، القاهرة، 2003.
2- رفيق خوري، صلاة الإصغاء ، طبعة أولى، 2011.