العائلة هي مدرسة كبيرة يتمرّن فيها المرء على العطاء والمغفرة المتبادل
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول إن الجمعية العامة لسينودس الأساقفة والتي اختُتمت مؤخرا قد تأملت بعمق حول دعوة العائلة ورسالتها في حياة الكنيسة والمجتمع المعاصر. لقد كان حدث نعمة. وفي الختام سلّمني آباء السينودس نصّ خلاصة أعمالهم. وقد أردت أن يتمّ نشره لكي يتشارك الجميع في العمل الذي التزموا فيه معًا لمدة سنتين. تابع الأب الأقدس مشيرًا إلى أنه وفي تلك الأثناء كانت الحياة مستمرّة ولاسيما حياة العائلات التي تسير على الدوام وتتابع كتابة جمال إنجيل العائلة على صفحات الحياة في عالم يُصبح أحيانًا خاليًا من الحياة والحب.
أضاف البابا فرنسيس يقول أريد اليوم أن أتوقف عند هذا الجانب بأن العائلة هي مدرسة كبيرة يتمرّن فيها المرء على العطاء والمغفرة المتبادلة واللذين بدونهما لا يمكن لأي حب أن يدوم. وأشار الأب الأقدس في هذا السياق إلى صلاة الأبانا التي علّمنا إياها يسوع والتي نطلب فيها من الآب: “أَعفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعفَينا نَحنُ أَيضاً مَن لنا عَلَيه” ويتابع قائلاً: “إِن تَغفِروا لِلنَّاس زلاتِهِم يَغفِر لكم أَبوكم السَّماوِيّ وإِن لم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغفِر لكُم أَبوكم زلاَّتِكُم” (متى 6، 12. 14- 15). لا يمكننا أن نعيش بدون المغفرة المتبادلة أو بالأقل لا يمكننا أن نعيش بطريقة جيّدة ولاسيما في العائلة. نحن نخطئ يوميًّا تجاه بعضنا البعض، وينبغي علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الأخطاء الناتجة عن هشاشتنا وأنانيتنا. لكن ما يُطلب منا أيضًا هو أن نداوي هذه الجراح التي نسببها فورًا ونعيد نسج الروابط التي قطعناها. وهناك سرّ بسيط لمداواة الجراح وحلّ الاتهامات: أن نعتذر من بعضنا البعض ونتصالح قبل انتهاء النهار. فإن تعلّمنا أن نعتذر فورًا وأن يغفر واحدنا للآخر تُشفى الجراح ويتقوّى الزواج وتصبح العائلة بيتًا أكثر ثباتًا.
تابع الأب الأقدس يقول إن تعلّمنا أن نعيش هكذا في العائلة فسنعيش بهذه الطريقة أينما وجدنا أيضًا. ففي الواقع ومن خلال نوالنا لمغفرة الله نصبح قادرين بدورنا على منح المغفرة للآخرين. ولذلك جعلنا يسوع نكرّر هذه الكلمات عندما نتلو صلاة الأبانا. ولذلك من الأهميّة بمكان، وفي مجتمع قاص وظالم أحيانًا، أن توجد أماكن كالعائلة حيث يتعلّم الأشخاص أن يغفروا لبعضهم البعض. لقد جدد السينودس رجاءنا حول هذا الأمر أيضًا: فالقدرة على نوال المغفرة ومنحها هي جزء أيضًا من دعوة العائلة ورسالتها. فعيش المغفرة لا يخلّص العائلة من الانقسامات فقط وإنما يجعلها أيضًا قادرة على مساعدة المجتمع ليكون أقل شرًا وظلمًا. نعم، لأن كل تصرف مغفرة يصلح التصدعات في البيت ويوطّد جدرانه ويثبّتها.
أضاف البابا فرنسيس يقول أيتها العائلات العزيزة، إن الكنيسة بقربك على الدوام لتساعدك على بناء بيتك على الصخرة التي يخبرنا عنها يسوع، ولذلك لا ينبغي أن تغيب عن بالنا أبدًا كلماته هذه التي تسبق المثل الذي يعطيه عن البيت: “لَيسَ مَن يَقولُ لي “يا ربّ، يا ربّ” يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات”. ويضيف: “َسَوفَ يقولُ لي كثيرٌ منَ النَّاسِ في ذلكَ اليَوم: “يا ربّ، يا ربّ، أَما بِاسْمِكَ تَنبَّأنا؟ وبِاسمِكَ طرَدنا الشِّياطين؟ وباسْمِكَ أَتَيْنا بِالمُعْجِزاتِ الكثيرة؟ فأَقولُ لَهم عَلانِيةً: “ما عرَفتُكُم قَطّ” (متى 7، 21- 23).
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول أؤكّد لك أيتها العائلات المسيحية العزيزة، إن أصبحتِ قادرة على السير دائمًا بثبات في درب التطويبات وتعلمتِ المغفرة المتبادلة وعلمتها فستنمو في عائلة الكنيسة الكبيرة القدرةُ على الشهادة لقوة مغفرة الله المُجدِّدة. إن بإمكان العائلات المسيحية أن تقدّم الكثير لمجتمع اليوم وللكنيسة، لذلك أرغب، وفي إطار يوبيل الرحمة، أن تكتشف العائلات مجددًا كنز المغفرة المتبادلة. لنصلِّ لكي تصبح العائلات على الدوام قادرة على عيش وبناء دروب مصالحة ملموسة حيث لا يشعر أحد أنه متروك لثقل خطاياه.
الفاتيكان