القاضى الظالم و الصلاة – الأب وليم سيدهم
يدعونا يسوع إلى التركيز على العلاقة بيننا و بين الله، وفى مثل القاضى الظالم و مقارنته بالله نفسه يبرهن السيد المسيح على واقعية و حتمية إستجابة الخالق لخليقته إذا أصر المؤمن على اللقاء المتكرر مع الله. إذا أصر على رفع مظلمته إلى الخالق جل جلاله.
و لكن السؤال المطروح علينا كمؤمنين هو لماذا لا يستمع الله لطلباتنا؟ لماذا يتركنا نعيد و نزيد و نحن نخاطبه و نتوجه إليه؟ و الإجابة على هذا السؤال عند الله نفسه. يمكننا أن نجتهد علي ضوء علاقة الله بالأنبياء و الرسل و المؤمنين الآخرين و نقول ربما كانت صلاتنا أو لقائنا مع الله فيها من الفتور أو فيها من السطحية أو فيها من تصورات سحرية أو خرافية عن الله نفسه تمنع التواصل الحقيقي معه، مثل ما يحدث بين الصديق و صديقه، بين الرجل و زوجته… الخ طالما هناك إحساس من طرف من الأطراف بضبابية أو عدم وضوح أو شبهة في عدم صدق الطرف الآخر فإن العلاقة بين الطرفين تراوح مكانها.
لقد كان أبونا إبراهيم عاقراً و ظل يتشوق إلى إنجاب طفل يرثه من صلبه ، و في حواره مع الله عبّر عن هذه الرغبة العميقة لديه، و لكنّ الله لم يستجب لإبراهيم خليله. لماذا؟ و لكن قبل أن نفتش عن نية الله علينا أن نتأمل فى قلق إبراهيم. ظل إبراهيم على تواصله مع الله و كان يتشفع للآخرين عند الله مثل تشفعه لسدوم و عمورة وكان الله يحاوره كما كان منصرفاً إلى أعماله رغم ذلك. و لكنه لم يصدر أى شكوى ضد الله بسبب عدم إستجابته الفورية لمطلبه، لكننا يمكن أن نستدل عل موقف الله من إبراهيم حينما حصل على اسحق، فإننا نرى الكتاب المقدس يستخدم كلمة “يجربه” ففى ذات يوم أراد الربُّ أن يُجرب إبراهيم و يختبر محبته فطلب منه أن يقدم اسحق إبنه الوحيد ذبيحة له على الجبل، فما كان من ابراهيم إلا أنه “بِّكر” و ذهب ليقدم اسحق وحيده إن الإختبار الصعب الذى وضع الله فيه ابراهيم خليله هو اختبار “التجرد” الكامل لإبراهيم عن أغلى ارتباطاته مقابل جعل الله هو الأول في حياته، قبل ابنه الوحيد. و هنا نتذكر كلام السيد المسيح “من كان أبوه أو أمه أحب إليه مني، فليس أهلا لي. ومن كان ابنه أو ابنته أحب إليه مني، فليس أهلا لي. ومن لم يحمل صليبه ويتبعني، فليس أهلا لي.” (متى 10 : 37 -38).
بعض الجهلاء يتحدثون عن أنانية الله و عن عبودية الإنسان لله و تجاهل حريته و لكن هذا القول مردود عليه من إن الله مصدر كل العطايا التى نعرفها و التى نجهلها فهو لا يحتاج الإكرام و السجود منِّا لكن نحن المحتاجين أن نرفع له المجد و الإكرام إعترافاً بعطاياه.
لقد كان بوسع إبراهيم أن يرفض تقدمة إبنه اسحق هذه حريته. لكن فضَّل أن يختار تجربته أن يردَّ على طلب الله بالإيجاب، ليس خوفاً أو طمعاً و لكن إتساقاً مع نفسه ومع ما يحدث معه من جانب الله نفسه. لقد إختبر ابراهيم منذ دعوته من بلاد مابين النهرين أنه على صلة بإله مُحب رحوم عطوف معه. و بالتالى مهما طلب منه فلن يغيرَّه. و فعلاً قال الله لإبراهيم : ” قال: (( لا تمد يدك إلى الصبي ولا تفعل به شيئا، فإني الآن عرفت أنك متق لله، فلم تمسك عني آبنك وحيدك(( (تك 22: 12)”
لقد كانت الأرملة صاحبة المصلحة عند القاضى الظالم لحوحة و مصممة على الحصول على إجابة، فكان هدفها الذى هو الحصول على مطلبها هو الذى يدفعها إلى الإلحاح على القاضى. و أمام هذا الهدف لم تتخلى عن معاودة الكرّة في كل مرة تجاهل القاضى طلبها. إذن لم تحسب عدد المرات التى توجهت فيها إلى القاضى. بل ولم تلجأ إلى السحر و الشعوذة لإجبار القاضي على الرد عليها. لكنها اعتمدت على عدالة مطلبها و قوة قناعتها بحقها و لم تتراجع لعدم توافر النية الطيبة عند القاضى الظالم.
أمام كل هذا الإصرار يتسائل يسوع المسيح عن موقف الله نفسه من مثل هذه المرأة اللحوحة. كما يتسائل عن مدى ثقتنا في الله.
إن الصلاة هى توجه المؤمن إلى مصدر الوجود و ضابط الكون فإذا كان المسيح وصف القاضي ”بالظالم” و جعل منه نموذجاً “لا يعرف الله ” و رغم ذلك و حرصاً على راحته و هرباً من ملاحقة الأرملة استجاب طلبها.
فكم وكم الله الذى حاشا أن يتصف بالظلم أو بالأنانية يمكن أن يغيثنا و يستجيب لنا. واهب الشمس و القمر و الهواء و الماء و الشجر و الحجر …الخ ما الذى يمنعه أن يستجيب؟ .
أعن إيماننا يارب، و قوّى بصيرتنا حتى ندرك حضورك الفعال في كل لحيظات حياتنا.