( تذكاره في 14 مايو )
الاب / وليم عبد المسيح سعيد -الفرنسيسكاني
أن القدّيس متيّاس الرسول كان من تلاميذ المسيح السبعين، الذين لازموا الرب يسوع في حياته العلنيّة، وسمعوا كلامه، ورأوا معجزاته، وشاهدوه من بعد قيامته، ونالوا بركته يوم صعوده. وكان من المقدّمين بين السبعين، المشهورين بإيمانهم وغيرتهم وتقواهم،
فلمّا أسلم يهوذا الأسخريوطي الرب بين أيدي رؤساء الكهنة، وباعه بيع العبيد بثلاثين من الفضّة، ورأى أن اليهود قد أماتوه على الصليب، ظهرت له فظاعة عمله ودناءة نفسه، فندم حين لم يعد ينفع الندم، ومن شدّة يأسه ذهب فشنق نفسه. وبقي الرسل أحد عشر إلى ما بعد صعود الرب يسوع إلى السماء.
وبينما كان الرسل والتلاميذ مجتمعين يقضون الأيام في الصلاة إستعداداً لمجيء الروح القدس، “قام بطرس في وسط الأخوة، وكان عدد الأسماء جميعاً نحو مئةٍ وعشرين، فقال: أيها الرجال الأخوة ينبغي أن تتم هذه الكتابة التي سبق الروح القدس فقالها، على لسان داود، عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع، وقد كان محصّى معنا وحصل له حظ في هذه الخدمة. فاقتنى هذا حقلاً من أجرة الظلم، ثم علّق نفسه، فانشقّ من وسطه واندلقت أمعاؤه كلّها. وقد كتب في سفر المزامير: لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن، وليأخذ رئاسته آخر. فينبغي إذن أن يُعيّن واحد من الرجال الذين اجتمعوا معنا في كل الزمان الذي فيه دخل وخرج الرب يسوع بيننا، منذ معموديّة يوحنّا إلى اليوم الذي فيه ارتفع عنّا، ليكون شاهداً معنا بقيامته. فقدّموا إثنين: يوسف المسمّى برسابا الملقّب البار، ومتيّاس، وصلوا وقالوا: أيها الرب العارف قلوب الجميع، أظهر أي هذين إخترت لكي يُستخلف في هذه الخدمة والرسالة التي سقط عنها يهوذا ليذهب إلى موضعه. ثم ألقوا القرعة بينهما، فوقعت القرعة على متيّاس، فأحصي مع الرسل الأحد عشر”.
فمن سفر الأعمال يتّضح لنا أن الرسل والتلاميذ، وكان عددهم مئة وعشرين، لمّا أرادوا أن يختاروا منهم رجلاً ليحل محل يهوذا ويكون رسولاً مع الأحد عشر، لم يجدوا أفضل من إثنين، وكان متيّاس واحداً منهما. فصلّوا ورموا القرعة بينهما، فوقعت القرعة على متيّاس. واختار الرب متيّاس رغم أن زميله يوسف كان مشهوراً بتقواه وصلاحه، إذ كان يلقّبه بالبار. فلا شك أن فضائل متيّاس السامية هي التي أهّلته لتلك الدعوة الرسوليّة الجليلة، وجعلت روح الرب يختاره من بين ذلك الجمع الغفير الممتاز بإيمانه وتقواه وغيرته.
ولمّا حلّ الروح القدس يوم العنصرة على الرسل والتلاميذ، نال متيّاس مواهب غزيرة نظير سائر الرسل، وطفق يتكلّم باللّغات ويبشّر.
ولمّا تفرّق الرسل بعد إستشهاد القديس إستفانس، حمل أيضاً متيّاس عصاه، وذهب يطوف البلاد ويبشّر بالإنجيل، ويشفي المرضى، ويحتمل الإهانات والجوع والعطش والعري والسجون والأخوة الكذبة، لا يبالي بتعب ، ولا بسهر ولا بسفر، بل يضحّي بحياته في سبيل الرسالة التي أؤتمن عليها.
ولم يذكر التاريخ ما هي البلاد التي بشّر فيها، ولا كيف كان نوع وفاته. لكن القديس أكلمنضس الإسكندري، الذي كان عائشاً في القرن الثاني وكان يعرف ما يقال عن الرسل والتلاميذ، يقول عن الرسول القديس متيّاس أنّه كان يهدي الناس إلى الإيمان بمثله الصالح ووداعته أكثر ممّا كان يفعله بكلامه وبراهينه، وأنّه كان كثير الإماتات، كثير الصيامات.
وكم تأسف الكنيسة لضياع أعمال هذا الرسول الكريم. ولكن التقليد يقول أنّه سفك دمه لأجل المسيح الذي بشّر بإنجيله وعاش لأجله. وهكذا كان رسولاً شهيداً، نظير سائر الرسل، الذين أراد الرب يسوع أن يكونوا شبيهين به في آلامه، ليكونوا شركاء في مجده.
فلتكن صلاته وشفاعته معنا . آمين