القراءات بحسب الطقس اللاتينى 21 نوفمبر/تشرين الثانى 2018
الأربعاء الثالث والثلاثون من زمن السنة
تذكار تقدمة سيّدتنا مريم البتول
إنجيل القدّيس لوقا 27-11:19
في ذَلِكَ ٱلزَّمان، ضرب يَسوعُ لِتَلاميذِهِ مَثَلًا، لِأَنَّهُ قَرُبَ مِن أورَشَليم، وَكانوا يَظُنّونَ أَنَّ مَلَكوتَ ٱللهِ سَيَظهَرَ في ذَلِكَ ٱلحين.
فَقال: «ذَهَبَ رَجُلٌ شَريفُ ٱلنَّسَبِ إِلى بَلَدٍ بَعيد، لِيَحصُلَ عَلى ٱلمُلكِ ثُمَّ يَعود.
فَدَعا عَشرَةَ عَبيدٍ لَهُ، وَأَعطاهُم عَشرَةَ أَمناء، وَقالَ لَهُم: تاجِروا بِها إِلى أَن أَعود.
وَكانَ أَهلُ بَلَدِهِ يُبغِضونَهُ، فَأَرسَلوا وَفدًا في إِثرِهِ، يَقولون: لا نُريدُ هَذا مَلِكًا عَلَينا.
فَلمّا رَجَعَ بَعدَما حَصَلَ عَلى ٱلمُلك، أَمَرَ بِأَن يُدعى هَؤُلاءِ ٱلعَبيدِ ٱلَّذينَ أَعطاهُمُ ٱلمال، لِيَعلَمَ ما بَلَغَ مَكسَبُ كُلٍّ مِنهُم.
فَمَثَلَ ٱلأَوَّلُ أَمامَهُ، وَقال: يا مَولاي، رَبِحَ مَناكَ عَشَرَةَ أَمناء.
فَقالَ لَهُ: أَحسَنتَ أَيُّها ٱلعَبدُ ٱلصّالِح. كُنتَ أَمينًا عَلى ٱلقَليل، فَليَكُن لَكَ ٱلسُّلطانُ عَلى عَشرِ مُدُن.
وَجاءَ ٱلثّاني، فَقال: يا مَولاي، رَبِحَ مَناكَ خَمسَةَ أَمناء.
فَقالَ لِهَذا أَيضًا: وَأَنتَ كُن عَلى خَمسِ مُدُن.
وَجاءَ ٱلآخَر، فَقال: يا مَولاي، هُوَذا مَناكَ قَد حَفِظتُهُ في مِنديل.
لِأَنّي خِفتُكَ. فَأَنتَ رَجُلٌ شَديدٌ تَأخُذُ ما لَم تَستَودِع، وَتَحصُدُ ما لَم تَزرَع.
فَقالَ لَهُ: بكَلامِ فَمِكَ أَدينُكَ، أَيُّها ٱلعَبدُ ٱلكَسلان! عَرَفتَني رَجُلًا شَديدًا، آخُذُ ما لَم أَستَودِع، وَأَحصُدُ ما لَم أزرَع.
فَلِماذا لَم تَضَع مالي في بَعضِ ٱلمَصارِف؟ وَكُنتُ في عَودَتي أَستَرِدُّه مَعَ ٱلفائِدَة.
ثُمَّ قالَ لِلحاضِرين: خُذوا مِنهُ ٱلمَنا وَٱعطوهُ صاحِبَ ٱلأَمناءِ ٱلعَشَرَة.
فَقالوا لَهُ: يا مَولانا، عِندَهُ عَشَرَةُ أَمناء.
أَقولُ لَكُم: كُلُّ مَن كانَ لَهُ شَيء، يُعطى. وَمَن لَيسَ لَهُ شَيء، يُنتَزَعُ مِنهُ حَتّى ٱلَّذي لَهُ.
أَمّا أَعدائي أولَئِكَ ٱلَّذينَ لَم يُريدوني مَلِكًا عَلَيهِم، فَآتوا بِهِم إِلى هُنا، وَٱضرِبوا أَعناقَهُم أَمامي».
شرح لإنجيل اليوم :
القدّيس يوحنّا بولس الثاني (1920 – 2005)، بابا روما
الرسالة العامّة: “العمل البشري” (Laborem exercens)، العدد 26
«فَدَعا عَشرَةَ عَبيدٍ لَهُ، وَأَعطاهُم عَشرَةَ أَمناء، وَقالَ لَهُم: تاجِروا بِها إِلى أَن أَعود»
يمكننا أن نجد “إنجيل العمل” في حياة الربّ يسوع المسيح وأمثاله، أي “في جَميعِ ما عَمِلَ يسوعُ وعلَّم” (أع 1: 1). على ضوء هذا النّور الساطع الصّادر من منبع الأنوار ذاته، ما انفكّت الكنيسة تُعلن التّعليم الّذي نجد له تعبيرًا عصريًّا في تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني: “كما أنّ الإنسان هو مصدرُ النشاط كذلك هو أيضًا غايته. فلا يحوّل الإنسان بعمله الأشياء والمجتمع فقط، إنّما يكتمل هو نفسه أيضًا. إنّه يكتسب أشياءَ جديدةً وينمّي مواهبه، فلا يبقى منكمشًا على ذاته بل يتفوّق عليها. وإنّ هذه الانطلاقة، إذا ما قادها الإنسان كما يجب، فاقت قيمتُها ما يمكن أن يكدّسه من خيراتٍ ماديّة… فالقاعدة للنشاط الإنساني هي: أن يكون مطابقًا لخير الإنسانيّة الحقّ وفقًا لتصميمِ الله وإرادته. كما عليه أن يتيحَ للإنسان، أعتبرناه فردًا أم عضوًا في جماعة، ما من شأنه أن يجعله مزدهرًا وفقًا لكمالِ دعوته (“فرح ورجاء” Gaudium et Spes، العدد 35).
لذلك، ومن خلال مثل هذه النظرة لقيم العمل البشري، أي من خلال روحانيّة العمل هذه، نستطيع أن نفهم مليًّا ما ورد في الوثيقة المجمعيّة أعلاه، وذلك في معرض الكلام عن معنى التقدّم: “إنّ قيمة الإنسان هي في ذاته أكثر ممّا هي في مقتناه. وكذا القول عن كلّ ما يصنعه الإنسان لتسود العدالة أكثر ممّا هي عليه، وليزدادَ انتشار الإخوّة، ولَيسودَ نظام أكثر إنسانيّة في العلاقات الاجتماعيّة. فقيمة كلّ ذلك تفوق قيمة التقدم التقني. فإذا ما استطاع هذا التقدّم أن يوفّر أساسًا ماديًّا للرقي الإنساني، فإنّه يعجز عجزًا تامًّا عن تحقيقه” (“فرح ورجاء”، 35).
مثل هذا التعليم في مشكلة التقدّم والإنماء، وهو موضع لا يزال يشغل فكر الناس في أيّامنا، لا يمكن فهمه إلاّ كثمرة تُجنى من التأمّل في روحانيّة العمل البشري، وانطلاقًا من هذه الروحانيّة وحدها يمكن إنجازه وإخراجه إلى حيّز الوجود…