الكنائس الكاثوليكية فى مصر .. معالم ومعانى … اكليريكية القديس لاون الكبير بالمعادي

دراسة وتحقيق : ناجح سمعـان

لما كان للكاهن دعوته الجليله فى خلاص النفوس امتداداً لرسالة فادي البشرية يسوع المسيح الكاهن الأعظم . لذا اعطت الكنيسة القبطية الكاثوليكية لإعداد الكهنة جل اهتمامها وعظيم مواردها حيث بدات الكنيسة فى التفكير مبكراً نحو تأسيس مدرسة اكليريكية لتنشئة الكهنة وتعليمهم حتى يكونوا رعاة صالحين وعلى درجة عالية من العلم والثقافة . وعلى مدى اكثر من مائة عام قدمت الاكليريكية الآف الرعاة الاتقياء الذين ساهموا بجهدهم الصادق فى بناء ملكوت الله فى القلوب . نتناول فى هذه التحقيق عن قرب رسالة الاكليريكية فى خدمة الكنيسة الكاثوليكية بمصر ودورها الفريد فى اعداد كهنة المستقبل .

الاكليريكية المعنى :

كلمة اكليريكية فى اصلها اللاتينى تعنى المشتل وهو المكان الذى تنمو فيه البراعم والزهرات ويشير المصطلح فى المفهوم الكنسي إلى عملية تكوين الدعوات الكهنوتية حتى يحمل اصحابها يوماً رسالة السيد المسيح الخلاصية . وتسمى كلية العلوم اللاهوتية والانسانية بالمعادى باسم اكليريكية القديس لاون الكبير عرفاناً بجميل قداسة البابا لاون الثالث عشر صاحب قرار انشاء الاكليريكية بمصر .

البداية والتأسيس :

كانت البداية فى شهر مايو 1896 حينما اجتمع اصحاب النيافة المطارنة الثلاثة الانبا كيرلس مقار والانبا مكسيموس صدفاوي والانبا اغناطيوس برزي وأرسلوا إلى الكرسي الرسولي تقارير عن حالة ايبارشيتهم واعلموا قداسة البابا لاون الثالث عشر باحتياج الكنيسة القبطية الكاثوليكية لمدرسة اكليريكية وعرض الاساقفة على قداسة البابا مدينة طهطا لتؤسس بها الاكليريكية كونها مركز الكثلكة بالصعيد. ولما وافق طيب الذكر البابا لاون الثالث عشر على طلب اباء الكنيسة بتأسيس الاكليريكية شرعوا فى العمل حيث تم وضع حجر الاساس فى 25 يناير 1897 ثم الافتتاح الرسمي فى 15 نوفمبر 1899 .

التنقل حتى الاستقرار :

لما كانت دار المدرسة الاكليريكية بطهطا لا تتسع لاكثر من خمسين اكليريكياً لذا بحث الرؤساء عن دار اكثر مناسبة مع تزايد الدعوات الكهنوتية وفى سبتمبر 1947 تم نقل الاكليريكية الكبرى بطهطا والاكليريكية الصغرى بالقاهرة إلى مدينة طنطا حيث جناح فسيح من مبنى كلية القديس لويس للاباء المرسلين الافريقيين . حتى كانت عطية الله للكنيسة عام 1952 حيث شرع اباء السينودس فى تشييد مبنى كبير يضم اكليريكيين من جميع الكنائس الكاثوليكية بمصر . فكانت الدار الحالية بحى المعادي فى مدينة القاهرة وتم الافتتاح الرسمي للمعهد الاكليريكيى بالمعادى رسمياً فى 3 نوفمبر 1953 بحضور الكاردينال اوجين تيسران مندوباً عن قداسة البابا بيوس الثانى عشر وغبطة بطريرك الكنيسة القبطية الكاثوليكية الانبا مرقس الثانى خزام ومعاونه الانبا اسطفانوس سيداروس مدير الكلية الاكليريكية .

بانوراما الموقع :

على مساحة عشرة افدنة وفى منطقة سكنية هادئة بحى المعادي فى مدينة القاهرة وفى شارع من اجمل شوارع المنطقة يقع مبنى كلية العلوم الانسانية واللاهوتية والمعروف بالاكليريكية . مبنى فخم مستطيل الشكل ذى ثلاث طوابق يبلغ طوله 117 متر وعرضه 67 متر يضم 120 غرفة للمعيشة وقاعات للدروس فضلاً عن ملاعب وحداثق وافنية متسعة ويتميز بنائه المعماري بتعرض المبنى لاشعه الشمس والتهوية فى جميع اركانه خلال النهار حيث تطل نوافذه على الحدائق .

المدخل الرئيسى :

بعد عبورك باب الشارع الرئيسى وعند دخولك إلى مبنى الاكليريكية تتأمل الواجهة الحجرية ذات المنافذ الخمسة المستديرة الشكل ومن ورائها تظهر الابواب الحديدية الثلاثة سوداء اللون والمطعمة باوراق الاشجار وعناقيد الكروم ذهبية اللون يعلوها الصليب القبطى المنسدلة منه اشعة الشمس وعلى الضرفتين يوجد اربعة صور منقوشة للانجيليين الاربعة . وتتزين الابواب كذلك بنقوش مفتاح الحياة أعلى الباب الرئيس. فى اكثر من موضع ترى شعار الاكليريكية منحوت على الابواب والجدران ويتكون الشعار من مفتاح الحياة في إشارة إلى الصليب المحيى واسفل مفتاح الحياة اسد رابض رمز إلى القديس لاون الكبير شفيع الاكليريكية حيث ان اسم لاون يعنى فى العربية الأسد .

كنيسة القديس لاون الكبير :

هى الكنيسة الكبرى التى تشهد الاحتفالات العامة والسيامات الكهنوتية ويقام بها قداس الاحد الاحتفالي الذى يجمع كل الاكليريكيين بمختلف اعوامهم الدراسية . والكنيسة مبنية على شكل سفينة على غرار فلك نوح فى العهد القديم . وبها حامل ايقونات تتوسطه صورة العشاء السرى اعلاها ايقونة البشارة وعلى جانبيه ايقونات التلاميذ الاتنى عشر . وصحن الكنيسة مزين بمراحل درب الصليب بصور مجسمة وبالالوان الطبيعية .

اجنحة المبنى :

يتكون مبنى الاكليريكية من جناحين كبيرين مربعي الشكل تتوسطهما الكنيسة الكبرى . يتكون كل مربع من عدد من الحجرات وقاعات الدراسة تتوسطها حديقة مكسوة بالخضرة وبها اشجار الزينة والورود . ويقع الجناح الأيمن فى حراسة يسوع المصلوب حيث يوجد بالحديقة تمثال يسوع المصلوب أمامه الزروع وباقات الورد إلى جانب عدد من المقاعد ويخصص هذا الجناح لطلبة قسم التمهيدى . وعلى يسار الكنيسة الكبرى يأتى المربع الثانى حيث يتكون من عدد من الحجرات وقاعات الدراسة وفى الوسط منه الحديقة التى يقع فى القلب منها تمثال مريم العذراء أم النعم وحول التمثال الزروع وباقات الورد فضلاً عن عدد من المقاعد ويخصص هذا الجناح لطلبة الفلسلفة واللاهوت .

الدراسة بالاكليريكية :

يقضى الاكليريكى مدة ثمانى سنوات دراسة بالكلية حتى يحصل على ليسانس الفلسفة واللاهوت الذى يؤهله إلى نوال نعمة الكهنوت المقدسة . تنقسم الدراسة والتكوين فى الاكليريكية إلى اربعة اقسام رئيسية تهدف كل مرحله فيه إلى إعداد خاص يقود الاكليريكى إلى افضل تكوين روحي وعلمي ، انساني ورعوى وهذه الاقسام هى التمهيدى والفلسفة واللاهوت أما السنة النهائية أو رابعة لاهوت فهى تتضمن الامتحان الشامل وبحث للتخرج فضلاً عن اجتياز الاكليريكى عدد من الدورات المتخصصة فى الخدمة الرعوية .

الحياة الروحية للاكليريكى :

الحياة الروحية هى نبع الحياة الكهنوتية واساس الحياة الجماعية والخدمة لذا تولى الاكليريكية أهمية كبرى للجانب الروحي وذلك من خلال البرنامج الروحي اليومي الذى يشمل صلاة الصباح ، القداس الإلهي ، زيارة القربان الأقدس ، صلاة المساء وصلاة ختام اليوم . إلى جانب ذلك الرياضات الروحية خلال العام الدراسي فضلاً عن أهمية المرافقة الروحية من الاباء المكونين بالاكليريكية لكل اكليريكى على حدى .

الانشطة الثقافية :

إلى جانب البرنامج الدراسي اليومى يوجد النشاط الثقافى الذى يهدف إلى تكوين شخص واع بما يدور حوله من مستجدات مجتمعية ويشمل البرنامج ندوات ثقافية تدعى إليها الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية والادبية. كذلك هناك مناظرة فلسفية تعقد ويشترك فيها قسما الفلسلفة واللاهوت حول موضوع واحد يتناوله الاكليريكيون من مختلف الاوجه تحت اشراف الأباء المكونين . ترحب مكتبة الاكليريكية كذلك بالزائرين من اكليريكيين وباحثين وقراء حيث تعمل المكتبة على خدمة البحث العلمي والباحثين في مجموعة من القطاعات البحثية ومنها علوم الفلسفة والعلوم الدينية وعلم النفس وعلم الإجتماع ، وتصل مقتنيات المكتبة إلى أكثر من 3000 وعاء معلوماتي مختلف من كتب وموسوعات ودوريات وميكروفيلم ومخطوطات بأكثر من لغة ومنها العربية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية وغيرها .

النشاط الرياضى :

للنشاط الرياضى دوره فى التكوين الانسانى عملاً بحقيقة ان العقل السليم فى الجسم السليم . ويقوم النشاط الرياضى فى دورات داخلية بين الاكليريكيين فى الالعاب المختلفة إلى جانب اللقاءات الودية مع شباب الكنائس والجامعات المختلفة لا سيما اليوم الرياضي الذى يجمع طلبة الكليات اللاهوتية فى مصر من مختلف الطوائف المسيحية والذي يتم على أرض الكلية الاكليريكية بالمعادى .

النشاط الفنى :

يتم من خلال هذا النشاط إتاحة الفرصة لابراز المواهب الشخصية لابناء الاكليريكية واشباع هواياتهم المختلفة من خلال اعمال الرسم مثل ” فن الايقونات ” والتصوير والموسيقى كذلك يقدم الاكليريكيون عرضاً مسرحياً فى عيد الاكليريكية من كل عام لاحدى الروايات الماخوذة من الادب العربي او الادب العالمي .

الخبرات الراعوية :

يقوم الاكليريكيون الذين انهوا قسم الفلسفة والدراسة بمعهد التربية الدينية المسيحية بالسكاكينى بالخدمة العملية فى كنائس الايبارشية البطريركية يوم الجمعة من كل اسبوع كتدريب عملى للاكليريكى اذ يحقق هذا النشاط الالتقاء بين المبادئ النظرية وواقع الخدمة التطبيقى . أما فى فترة الاجازة الصيفية التى تمتد إلى ثلاثة اشهر يقوم طلبة قسم اللاهوت بخبرات راعوية بايبارشياتهم حسب برنامج تدريبى يضعه مطران الايبارشية .

قلب الكنيسة النابض :

ترحب الاكليريكية بضيوفها وزوارها ليتجولوا متأملين هذه الواحة الغنية بالعلوم التى على أرضها يتشكل عقل وقلب خدام الانجيل ولتؤكد رسالتها فى الحفاظ على جذوة الإيمان مشتعلة فى الكنيسة بنعمة الروح القدس العامل فيها حيث انها بحق قلب الكنيسة الكاثوليكية النابض على ارض مصر مهد الحضارة والروحانية .