stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

الكهنوت بين البتوليَّة والزواج / ترجمة /أشرف ناجح

957views

pretالكهنوت بين البتوليَّة والزواج / ترجمة /أشرف ناجح

الكهنوت بين البتوليَّة والزواج 

مقابلةٌ مع الكاردينال داريو كاستريون اوجوس، رئيس مجمع الإكليروس،حول البتوليَّة الكهنوتيَّة[1]

1.    سؤال: قضيَّة بتوليَّة الكَّهنة، حسبما يقول البعضُ، هي قضيَّة تنظيم وتشريع كنسيّ محض؛ ولذلك فإنْ وُجدتْ الرَّغبةُ يمكن أنْ يتمَّ تغيرها.. فهل هذا صحيح؟ أمْ ثَمَّة رباط خاص بين الدَّعوة الكهنوتيَّة والبتوليَّة؟!  

v   كاستريون: انتهز هذه الفرصة المتاحة لي مِن خلال صيغة هذا السؤال المُقدَّم لأجل توضيح بعض الأمور. إنَّ البتوليَّة، بالنسبة للمسيحيين، لا تُمثِّل “قضية”، وكأنَّها مشكلة تحتاج إلى حلٍ، أو كأنَّها نظرية، وإنَّما هي بالأحرى “هبة” مُقدَّمة لنا بفضل حبِّ الله الرَّحيم، فهي هبة تتسلَّمها الكنيسةُ باستمرار وتريد أنْ تحافظ عليها، مُقتنعة بأنَّها بمثابة خير عظيم بالنسبة لها وبالنسبة للعالم بأسره. إنَّ ماجستير الكنيسة يؤيِّد هذه الهبة منذ أيام الرَّسل، ويعيد تأكيدها مرات عديدة في المجمع المسكونيّ الأخير [الفاتيكانيّ الثانيّ][2]، وخاصةً في دستور عقائدي “في الكنيسة”، حيث نجد هذا التَّصريح: «وتنمو الكنيسة وتتغذَّى بنوع خاص بالمشورات المتعدَّدة التي أشار الربُّ في الإنجيل على تلاميذه ببمارستها، وأبرزها هبة النعمة الإلهيَّة الثَّمينة التي يمنُّ بها الآب على البعض (متّى 18: 11، 1كورثوس 7:7) فيكرِّسون ذواتهم لله تكريساً كاملاً بطريقة أيسر وبقلب غير منقسم (1كورنثوس 7: 32-34) في التَّبتَّل أو في العزوبيَّة» (رقم البند 42)[3].

مِن خلال إشارة خاصة إلى البتوليَّة الكهنوتيَّة، يعلن المرسومُ المجمعيّ “في حياة الكهنة ورسالتهم”، الذي احتفلنا بذكري أربعين عام على إصداره منذ أيام قليلة مضت: «إنَّ العفة الكاملة والدائمة مِن أجل ملكوت السماوات التي أوصى بها السيد المسيح (متى 19: 12)، وقبلها طوعاً عدد غير قليل من المسيحيين ومارسوها ممارسة جديرة بالثناء عل ممر الأزمان وفي أيامنا هذه أيضاً، قد أولتها الكنيسة دائماً أعظم تقدير بنوع خاص في الحياة الكهنوتيّة. ذلك أنها علامة المحبة الرعائيّة وهي في الوقت نفسه حافزاً لها» (رقم البند 16)[4]. ففي الحقيقة، ثمَّة رباط وثيق بين البتوليَّة والرَّسامة الكهنوتيَّة، السرِّ الذي يصوِّر الكاهنَ إنطولوجياً على مثال المسيح، رأس وعريس الكنيسة. أريد أنْ أضيف أنَّ البتوليَّة الكهنوتيَّة هي، نعم، شريعة كنسيَّة، ولكن التَّشريع القانونيّ لا يجب أنْ يُفهم على أنَّه تنظيم تعسُّفيّ مِن قِبْل الكنيسة، وكأنَّ الأمر يتعلَّق بوصية خارجيَّة تقع على عاتق الكاهن، وكأنَّه تقريباً يجب عليه أنْ يدفع الضريبةَ إلى الله حتى يُرتسم كاهنٌ.

إنَّ الشَّريعة الكنسيَّة بخصوص البتوليَّة تجد جذورها في سرِّ المسيح والكنيسة. ومِن ناحية أخرى، لا يمكننا أنْ ننسى أنَّ كلَّ التَّشريع الكنسيّ يجد أساسه في إرادة الله الآب الخلاصيَّة، التي تحقَّقتْ في المسيح، بواسطة الرُّوح القدس. فالشَّريعة القانونيَّة تقود الكنيسةَ في رسالتها التي أفاضها المسيحُ عليها: أي أنْ تكون سراً شاملاً جامعاً للخلاص. أمام الصُّعوبات والاعتراضات القائمة مِن جهات عديدة وعلى ممرِّ العصور بخصوص استيعاب وقَبول هذه “الهبة”، نجد أنَّ ماجستير الكنيسة، حتى بعد المجمع المسكونيّ الأخير، أكَّد أنَّه ثمَّة دوافعٌ لاهوتيَّة ذات طبيعة كريستولوجيَّة و إكليزيولوجيَّة وإسكاطولوجيَّة تشرح الرَّباطَ العميق والحميم بين البتوليَّة والكهنوت الخدمي في بعديَّه المزدوج في العَلاقة بالمسيح وبالكنيسة.

2.    سؤال: أيمكن لنيافتكم أنْ يخبرنا ببعضٍ مِن هذه الدَّوافع؟

v   كاستريون: يمكنني أنْ ألخِّص هذه الدوافع في ثلاث توضيحات ذات طبيعة كتابيَّة ولاهوتيَّة. التَّوضيح الأول ذات طبيعة كريستولوجيَّة: المسيح، الذي عاش مُتبتَّلاً، طلب مِن الرُّسل الاقتداءَ به وإتباعه بقلب غير منقسم، وأنْ يتركوا “كلَّ شيء”، لكي يحملوا إلى الجنس البشري بأسره، حتى أقاصى الأرض، الخلاصَ الذي اغتنمه هو بذاته على الصَّليب. التوضيح الثَّاني ذات طبيعة إكليزيولوجيَّة: الكاهن، الذي هو خادم مُقدَّس للمسيح، مدعو إلى أنْ يحب الكنيسةَ بالشَّكل الكَّامل والدَّائم الذي به أحبّها المسيحُ رأسها وعريسها، أعني أنْ يحبّها بكلِّ كيانه، نفساً وجسداً؛ وبذلك يُصبح شاهداً على حبِّ المسيح الرُّوحيّ تجاه الكنيسة، عروسه، ويقبل منها أبوةً روحيَّة رحبة في المسيح.  التَّوضيح الثَّالث ذات طبيعة إسكاطولوجيَّة: مِن خلال مشاركته الكاملة وعطاءه لذاته للمسيح وللكنيسة، يُصوِّر ويستبق الكاهنُ في العالم الحاضر الشَّركةَ والعطاءَ الكاملين والنهائيين الذَّين سيملكهما المسيحُ مع الكنيسة في الحياة الأبديَّة؛ لأنَّه يكون بمثابة علامةً حيَّة لهذا العالم الآتي. على ضوء هذا، يمكننا أنْ نفهم بسهولة دوافعَ اختيار البتوليَّة على ممرِّ العصور، التي قامتْ به الكنيسةُ اللاتينيَّة ولازالتْ تتمسَّك به: «ألاَّ تمنح الرَّسامةَ الكهنوتيَّة إلاَّ رجالاً مشهوداً لهم بأنَّ الله دعاهم إلى اعتناق العفة في الإمساك عن الزواج إمساكاً مطلقاً»، كما يؤكِّد الإرشادُ الرَّسوليّ “أعطيكم رعاة” (رقم البند 29)[5]. كم هو رائعٌ حقاً ما كتبه خادمُ الله يوحنا بولس الثاني في كتابه عن حياته “لنقوم ونذهب”، بخصوص الرِّباط القائم بين البتوليَّة والأبوة الرُّوحيَّة: «إنَّ البتوليَّة، في الواقع، تمنح الإمكانيَّةَ الكَّاملة لتحقيق نموذج الأبوة التَّالي: أبوة عفيفة، مُكرَّسة بالكامل للمسيح ولإمه العذراء مريم. فالكاهنُ، الخالي مِن الاعتناء الشَّخصيّ بالأسرة، يمكنه أنْ يتكرَّس بكلِّ قلبه للرسالة الرَّعويَّة. ولهذا السَّبب يمكننا أنْ نفهم الإصرار الذي به دافعتْ الكنيسةُ اللاتينيَّة عن البتوليَّة بالنسبة لكهنتها، مُتحمِّلةً كلَّ الضُّغوط التي ظهرتْ على مدار التَّاريخ، ومِن وقت لأخر. إنَّه وبلا شكٌّ تقليدٌ مُلزمٌ ومُتطلَّبٌ، ولكنه اتضح بشكل فريد أنَّه مُخصبٌ بثمار روحيَّة».   

3.    سؤال: وماذا عن نظام الكنائس الشَّرقيَّة، ألا يتعارض مع موقف الكنيسة اللاتينيَّة؟!

v   كاستريون: كلا، على وجه الإطلاق، فلا يوجد أيُّ تعارض. وأجيب عليك بالكَّلمات المذكورة في “مُوِّجه لأجل رسالة وحياة الكهنة”، الصادر في 21 يناير 1994: «نظامُ الكنائس الشَّرقيَّة التي تقبل الكهنوتَ المُتزِّوج، لا يتعارض مع نظام الكنيسة اللاتينيَّة. ففي الواقع، الكنائسُ الشَّرقيَّة ذاتها تطلب، على كلِّ حال، بتوليَّةَ الأساقفة. ومِن ناحية أخرى، لا توافق على زواج الكهنة [بعد الرِّسامة] ولا تسمح بزيجات لاحقة للكهنة الذين يبقون أرامل» (رقم البند 65). هذا يعني أنَّه في الشَّرق كما في الغرب ليس مسموحاً للكاهن [المُرتسم] بالزواج، وأنَّه فقط الكهنة المُتبتَّلين يمكنهم أنْ يُقبلوا في الأسقفيَّة. ولذلك أؤكِّد مِن جديد أنَّ البتوليَّة الكهنوتيَّة مرتبطةٌ ارتبطاً حميماً وثيقاً بالكهنوت. فالكاهن المُتبتل يقتدي بالمسيح ويعيش مثل الرُّسل. البتوليَّة ستظلُّ دائماً اختياراً حراً وقَبولاً فرحاً لدعوة حبٍّ خاصة تجاه الله وتجاه الأخرين، وهي ليست أبداً ثمرةً لروحانيَّة غير مُتجسِّدة ولا هي احتقار للطاقة الجنسيَّة الإنسانيَّة مِن قِبْل المُرشَّحين إلى الكَّهنوت.  

4.    سؤال: لماذا إذن، حتى في أيامنا الحاليَّة، تُعتَبر البتوليَّة الكهنوتيَّة مصدراً للنقاش وللجدال؟!

v   كاستريون: في الكنيسة، وأشير أيضاً إلى المجمع الفاتيكانيّ الثانيّ وإلى سينودس الأساقفة المُنعقد في عام 1971 وإلى الأخر المُنعقد في عام 1991، اللذين تعرضَّوا للموضوع، لم يدور النَّقاشُ إطلاقاً حول المبادىء والدَّوافع التي على أساسها تقوم البتوليَّةُ الكهنوتيَّة، وإنَّما دار النَّقاشُ والجدالُ حول الصِّيغ التي تُعطَي للنظام الكَّنسيّ الذي يتعلَّق بالبتوليَّة. أمَّا بخصوص مَن يجادل حول أساس البتوليَّة المسيحيَّة فهو ذاك الشَّخص الذي ليس لديه إيمانٌ بالمسيح. فبدون الإيمان لا يمكن أنْ تُفهَم طبيعةُ وحيويَّةُ البتوليَّة المسيحيَّة، ولا سيَّما البتوليَّة الكهنوتيَّة، كما أنَّه كذلك بدون الإيمان يبدؤ مُبهماً وغير مفهوم الكهنوتُ الخَّدميّ ذاته. وأؤكِّد أنَّ بتوليَّة المسيح، التي على مثالها تقوم بتوليَّةُ الكهنة المُرتسمين، تُمثِّل جزءاً مِن سرِّ التَّجسُّد والصَّليب نفسه، السَّر الذي تحقَّق حسب إرادة الله الآب الخلاصيَّة وقَبِله المسيحُ بطاعةٍ مِن خلال الحبِّ البنويّ المُضحِّيّ. وأنْ نقول غير ذالك، سنجد أنْ كلمات المزمور (40)، على سبيل المثال، والتى يُرجعها القدِّيسُ بولس إلى المسيح في حواره مع الآب (عبرانيين 10/5): «”لم تشأ ذبيحة ولا قرباناً ولكنك أعددت لى جسداً. لم ترضى المُحرقات ولا الذَّبائح عن الخطايا. فقلتُ حينئذٍ … هإنذا آتٍ، أللَّهُمَّ، لأعمل بمشيئتك”»(مزمور 40/6-8)[6]، سنجدها تعبيرات مُبهمة وغير مفهومة.

إنَّ هذه الصَّلاة هي أيضاً صلاة الكَّهنة المُقدَّسين والمُكرَّسين للمسيح. إنَّ الإيمانَ المسيحيّ في جوهره هو مشاركةٌ واشتراكٌ في صليب المسيح. ويبدؤ لى أنَّنا جميعاً كمسيحيين، ولا سيَّما ككهنة، ينبغي علينا أنْ نتعلَّم جيداً “تقوى الصَّليب” هذه، التي تجعلنا أكثر خصوبة على المستوى الرُّوحيّ وأكثر سعادة في بتوليَّتنا الكهنوتيَّة. أريد أنْ أُذكِّر أيضاً بأنَّه في سينودس الأساقفة المُنعقد في عام 1971، الـ 202 أسقف الحاضرون بالسينودس، والذين يُمثُّلون كلَّ أوضاع الكنيسة في جميع أنحاء العالم، قد اقتراعوا على النَّص التَّالي: «شريعة البتوليَّة المعمول بها في الكنيسة اللاتينيَّة يجب أنْ يُحافظ عليها كاملةً» (أعمال الكُّرس الرَّسوليّ 63، 1971، صفحة 897، وكانتْ نتيجةُ الإقتراع هي التَّاليَّة: قد بلغتْ الأصواتُ المُؤيِّدة للنص إلى 97 ,94 %).  ثُمَّ بعد ذالك بعشرين عاماً، في سينودس الأساقفة المُنعقد في عام 1995 حول “التَّكوين الكَّهنوتيّ”، قام الكثيرون مِن آباء السينودس بالمطالبة بعرض البتوليَّة كـ”هبة” [كارِازما] بدلاً مِن عرضها كـ”نظام”. وفي الإرشاد الرَّسوليّ بعد السينودس، مقتنعاً بأنَّ العفةَ الكَّاملة في البتوليَّة الكهنوتيَّة هي هبةٌ، قام البابا يوحنا بولس الثانيّ بتقديم اقتراحه (رقم البند 12)، والذي تمَّتْ الموافقة عليه مِن قِبْل “آباء السينودس”: «”مع احترام النظام القائم في الكنيسة الشَّرقيَّة[مكتوبٌ هكذا في النَّص][7]، ومع اليقين أنَّ العفة الكَّاملة عند الكاهن العازب هبةٌ خاصة”…

يودُّ السينودس ألاَّ يبقى أي ريب في خلد الجميع، في تصمميم الكَّنيسة الراسخ على المحافظة على القانون القاضي بالعزوبة الحرَّة والدَّائمة على الذين رُشِّحوا وسيُرشَّحون للرسامة الكهنوتيَّة في الكنيسة اللاتينيَّة. ويطلب السينودس أن تُشرَح العزوبةُ وتفَسَّر في كلِّ ثروتها الكتابيَّة واللاهوتيَّة والرُّوحيَّة مِن حيث أنَّها عطية نفيسة مِن لله لكنيسته…» (رقم البند 29)[8].وكخاتمةٍ، أرغب أنْ أُذكِّر بالاقتراح رقم 11 الذي عُرض في سينودس الأساقفة الحديث حول “الإفخارستيَّا”، والذي انعقد بدوره بروما في شهر أكتوبر السَّابق [2005]: «آباء السنودس أكَّدوا وثبَّتوا أهمية هبة البتوليَّة الكنسيَّة النفيسة في ممارسة الكنيسة اللاتينيَّة. وبالعودة إلى ماجيستر الكنيسة، لا سيَّما إلى المجمع الفاتيكانيّ الثانيّ وإلى الأحبار البابويين الأخرين، قد طالبوا آباءُ السينودس بأنْ يُشرَح بطريقة لائقة ومناسبة على المؤمنين دوافعَ العَلاقة القائمة بين البتوليَّة والرَّسامة الكهنوتيَّة».            

5.    سؤال: ما هو دورُ الكاهن، اليوم، أمام مجتمع مُتعلِّمن بطريقة عميقة وجذريَّة؟!

v   كاستريون: في الوضع الحاليّ لثقافةٍ تُصيبها النسبيَّةُ الأخلاقيَّة والوجوديَّة، ومُخدوعة بالنزعة العلميَّة التي كان يُنتظَر منها تأكيداتٌ مُطلقة، البشرُ المعاصرين، حتى وإنْ لم يعلنوا ذالك صراحةً، يشتاقون ويتقون إلى الحقيقة، إلى تلك الحقيقة التي تُعطِي معنى لوجودهم. وهذه الحقيقة هي المسيح ذاته، والبشرُ يبحثون عنه، أولاً وقبل كلِّ شيء، في الكاهن. الإنسانُ المُتعلِّمن يطلب من الكاهن أنْ يساعده في أنْ يرى ويقابل المسيحَ شخصياً. ويسأل الكاهنَ أنْ يقوم المسيحُ بتحريره مِن عبوديَّة الكَّذب ومِن سُمِّ عبادة الأوثان. وبالتَّحديد، يطلب مِن الكاهن ذاك “التَّسامي” الإلهي الذي أصبح “قريباً”: فهو يريد أنْ يختبر حياةً جديدة مُعاشة مع الله القريب، مع الـ”عمانوئيل”، مع الله معنا. الإنسانُ المعاصر، مُتأملاً وجهَ المسيح في الكاهن، يقابل فيه الشَّخصَ الذي «يُؤخذ مِن بين الناس ويُقام مِن أجل االناس في صلتهم بالله»، فيمكنه أنْ يقول مع القديس أغسطينوس: «إنَّ علْمنا هو المسيح وحكمتنا هي أيضاً المسيح. فهو الذي يفيض فينا الإيمان في ما يتعلَّق  بالأمور الزمنيَّة وهو الذي يُوحِي لنا بتلك الحقائق التي تتعلَّق بالأمور الأبديَّة» (القديس أغسطينوس، حول الثَّالوث 13، 19، 24، صفحة 555 ).  

6.    سؤال: ولكن بأيِّ طريقة تقوم حياة البتوليَّة بمساعدة الكاهن في تحقيق رسالته هذه؟!

v   كاستريون: البتوليَّة الكهنوتيَّة هي مسيرةٌ نحو القَّداسة، لأنَّها تُعتبر بمثابة مسيرةٌ نحو التَّطابق والتَّجانس مع المسيح، وهي مسيرةٌ طويلة فيها يحبُّ الكاهنُ الكنيسةَ بذاك الحبِّ الكلِّيّ والجامع المانع الذي به أحبها المسيحُ عينه، كرأسها وعريسها. إنَّ هبة البتوليَّة الكهنوتيَّة لا يمكن أن تُأخَذ ببساطة على أنَّها شيء أجوف فارغ، وفي قَبولها لا يمكن أنْ يُسمح بإخفاءها: لأنَّ في هذا خيانة لله وعدم عدل تجاه البشر. هذه الهبة تُعتبر بمثابة سرٌّ يجذب بواسطة حيويّته في العطاء، بحسب معيار قلب المسيح. فالكاهن، في الواقع، يدخل في قصة الخلاص التي تحقَّقتْ بواسطة “خشبة الحياة”، وبواسطة “الماء والدم” المُتدفِّقين مِن قلب كلمة الحياة المجروح، وفي هذه الأيام الأخيرة (راجع 1 كورنثوس 6/ 17)، بواسطة الخبز والخمر “المُتحوَّلين” إلى جسده ودمه مِن خلال قوة روح المسيح. والحال فالبتوليَّة الكهنوتيَّة تشارك هكذا يومياً في حقيقة المسيح وتُصبح محبةً خلاصيَّة تُعطِي الحياة الإلهيَّة عينها. وبهذا المعنى، الكاهنُ هو خادمٌ، ووكيلٌ! وكما يقول القدِّيسُ بولس في رسالته الثَّانيَّة إلى أهل كورنثوس، الكهنةُ هم خُدَّام يُساهمون في فرح البشر ( راجع 2 كورنثوس 1/ 24). وهكذا يمكننا أنْ نفهم لماذا تُعتبر الحياةُ الكهنوتيَّة في جوهرها بمثابة “حياةً خَدْميَّة”: فهي مدعوة لأنْ تُظهِر توَّجهاً دائماً ومُستمراً لإتباع بأمانة إرادة المسيح المُؤسِّسة ( راجع لوقا 22/ 26- 27)، التي هي خدمة الأخرين “بسلطة المسيح”. ولذلك، فالخدمةُ الكهنوتيَّة -وأقولها بكلمات البابا بولس السادس-: «ليست مهنةً أو مجرد خدمة تُمارس لخير الجماعة الكنسيِّة، وإنَّما هي خدمةٌ تُشارك، بطريقةٍ خاصةٍ للغاية وبسِمةٍ لا تُمحَى، في سلطة كهنوت المسيح، بفضل سرَّ الرِّسامة الكهنوتيَّة المُقدَّسة» (بولس السادس، رسالةٌ إلى الكهنة، 30 يونيو 1968، في ختام عام الإيمان).                                                                     

       ——————————————————————————–

[1]  هذا المقالُ هو ترجمةٌ لمقابلة اُجريتْ مع الكاردينال داريو كاستريون اوجوس، حول البتوليَّة الكهنوتيَّة، في روما بتاريخ 16 فبراير 2006؛ وقد أُخذتْ هذه المقابلة مِن الأنترنت، مِن الموقع الخاص بـ Agenzia Fides، التي هي بدورها وكالة تابعة لمجمع تبشير الشَّعوب، وهو الموقع التَّالي:

www.fides.org [2]  كلُّ الملاحظات الموضوعة بين قوسين بهذا الشَّكل […]وكلُّ الحواشي الموضوعة في أسفل الصَّفحة هي مِن وضع المُترجم.

[3]  وثائق المجمع الفاتيكانيّ الثَّانيّ المسكونيّ، المكتبة الكاثوليكية، السكاكينيّ، القاهرة 2000، دستور عقائديّ “في الكنيسة”، بند 42.

[4]  المرجع السابق، مرسوم “في رسالة الكهنة وحياتهم”، بند 16.

[5]  البابا يوحنا بولس الثَّانيّ، إرشاد رسوليّ “أُعطيكم رُعاة”، منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام ، جل الديب لبنان، بند 29.

[6]  كلُّ الاستشهادات الكتابيَّة مأخوذة مِن الكتاب المقدَّس الطبعة اليسوعيَّة: لبنان، بيروت، دار المشرق،1991.          

[7]  الأمرُ الأصح هو أنْ يُقال “الكنائس الشَّرقيَّة”، فليس هناك، في الواقع، مُجرد كنيسة شرقيَّة وإنَّما هناك عدةُ كنائس شرقيَّة (راجع مجموعة قوانين الكنائس الشَّرقيَّة، القانون الأول وشروحاته).

[8]  البابا يوحنا بولس الثانيّ، مرجع سابق، بند 29.