اللاَّهوت السياسيّ: هل من روحانيَّة سياسيَّة
أخيرً ا صدور كتاب : اللاَّهوت السياسيّ: هل من روحانيَّة سياسيَّة
تأليف الأخ جون جبرائبل الدومنيكاني
قدَّم له حضرة المطران كيرلس سليم بسترس،
رئيس أساقفة بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الكاثوليك.
تحت الطبع، سيصدر خلال معرض الكتاب.
تقديم الكتاب بقلم
رئيس الأساقفة كيرلس سليم بسترس
اللاهوت كلام يقوله الإنسان عن الله انطلاقًا من كلام أوحى به الله للإنسان. وهذا الكلام يشمل الله في ذاته وفي صفاته، ويوضح في الوقت عينه العلاقة بين الله والإنسان وطريقة وصول الإنسان إلى الله. تتميّز المسيحيّة في لاهوتها عن سائر الأديان بإيمانها بأنّ الله أوحى بذاته وبإرادته ليس فقط بكلام نقله إلى البشر مرسَلون من قبله، بل من خلال ابنه وكلمته الكائن فيه منذ الأزل: “الله لم يره أحد قطّ، الابن الواحد الذي في حضن الآب هو أخبر عنه” (يو 18:1). في شخص يسوع المسيح ظهر الله كما هو في ذاته. وكلّ ما ورد في العهد القديم عن الله في الناموس أو في أقوال الأنبياء لم يكن سوى ظلال للنور الذي أشرق في شخص يسوع المسيح، الذي هو كمال الناموس والأنبياء. فالله الكائن منذ الأزل بصفة كونه “روحًا” لا جسد له ظهر في الجسد في شخص ابنه وكلمته يسوع المسيح. وظهر في تعليم يسوع وعجائبه وكلّ أحداث حياته. يسوع المسيح هو نفسه ملكوت الله (autobasileia)، بحسب تعبير أوريجانوس، هذا الملكوت الذي بشّر به وحقّقه بموته وقيامته وإرساله الروح القدس على التلاميذ.
أمّا هدف التجسّد فهو، بحسب قانون الإيمان، خلاص الإنسان وخلاص البشر: “من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد”. والخلاص، بحسب آباء الكنيسة الشرقيّة، يكمن في تأليه الإنسان وتأليه البشريّة، أعني تحقيق المثال الإلهيّ الذي عليه خُلِق الإنسان ويفقده بالخطيئة. وهذا التحقيق يشمل الإنسان في بعده الفرديّ وفي بعده الاجتماعيّ. لذلك لا بدّ للخلاص الذي جاءنا به يسوع وأوكل إلى تلاميذه إكمالَه وتحقيقه على مدى الزمن أن يشمل حياة الإنسان الاجتماعيّة، وعندما نتكلّم عن الحياة الاجتماعيّة نصل حتمًا إلى السياسة التي هي تنظيم حياة الإنسان الاجتماعيّة.
ومن ثمّ ينبغي للاهوت، الذي من شأنه أن يوضح إرادة الله الأزليّة بالنسبة إلى حياة الإنسان في مختلف أبعادها، أن يعالج البعد السياسيّ الذي ينظّم علاقات الناس بعضهم ببعض في مختلف ميادين الحياة الاجتماعيّة. من هذه الضرورة نشأ “اللاهوت السياسيّ” الذي هو موضوع كتاب حضرة الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ، وقد عالجه بدقة وشموليّة، وطبّقه على واقع بلدان الشرق الأوسط وما تعانيه من أزمات ونزاعات وحروب بين الشعوب والأديان والمذاهب، يقع ضحيّتها الإنسان الذي وُعِد بالخلاص ويروح يسأل: أين هو الله في كلّ هذا الجحيم؟ يورد الكاتب شهادة أدلى بها مؤلّف يُدعى “إيلي فيسيل” حول رؤيته ثلاثة أشخاص معلّقين على مشنقة في “أوﺷﭭيتس”، فيقول: “سمعتُ خلفي رجلًا يتساءل أين الله إذًا؟ فسمعتُ داخلي صوتًا يجيبه: أين هو؟ ها هو معلّق على المشنقة”.
إذا كان يسوع المسيح، “الذي هو ضياء مجد الله، وصورة جوهره، وضابط الكلّ بكلمة قدرته” (عب 3:1)، قد عُلّق على الصليب، وإذا كان كثير من الناس اليوم لا يزالون يُعلَّقون على مشانق الفقر والاضطهاد ومختلف أنواع الذلّ والعذابات، فلا بدّ لللاهوت أن يكونَ له كلام في هذا الشأن. فإزاء كلّ ما يحصل من انتهاك لكرامة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، نتساءل أين الخلاص الذي جاءنا به المسيح، وأين الفداء، وأين الملكوت، وأين التألّه؟ على هذه الأسئلة يحاول المؤلّف أن يُلقي بعضَ الأضواء، انطلاقًا من موضوع اللاهوت السياسيّ، الذي يعالجه اليوم، وبخاصّة في الغرب المسيحيّ، مؤلّفون عديدون، بهدف توضيح علاقة الجماعات بعضها ببعض على ضوء إرادة الله التي ظهرت في الكتاب المقدس وبنوع خاصّ في شخص يسوع المسيح ابن الله وحياته وموته وقيامته.
فلمؤلّف هذه الصفحات كلّ الشكر والثناء.
+ كيرلس سليم بسترس
متروبوليت بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيّين الكاثوليك