stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

متنوعة

المحبّة صلصلة لكلّ الطبخات – بقلم الأب سامي حلاّق اليسوعيّ

1.2kviews

e6c5ec4137a2831befad7e6d46559451_XL

القراءات الكتابيّة

* رسل 10: 25 – 26. 34 – 35. 44 – 48

لمَّا دَخَلَ بُطرُسُ (قيصريَّة)، استَقبَلَه قُرنيلِيوس وارتَمى على قَدَمَيه ساجِدًا له. فأَنهَضَه بُطرُس وقال: «قُمْ، فأَنا نَفْسي أَيضًا بَشَر«. فشَرَعَ بُطرُسُ يَقول: «تَيقَّنتُ حَقًّا أَنَّ اللهَ لا يُراعي ظاهِرَ النَّاس، فمَنِ اتَّقاه مِن أَيَّةِ أُمَّةٍ كانت وعَمِلَ البِرَّ كانَ عِندَه مَرضِيًّا«. وبَينَما بُطرُسُ يَرْوِي هذهِ الأُمور، نَزَلَ الرُّوحُ القُدُسُ على جَميعِ الَّذينَ سمِعوا كَلِمَة الله. فدَهِشَ المُؤمِنونَ المَختونونَ الَّذينَ رافَقوا بُطرُس، إِذ رَأَوا مَوهِبَةَ الرُّوحِ القُدُسِ قَد أُفيضَت على الوَثَنِيِّين أَيضًا. ذلك أَنَّهم سَمِعوهم يتكَلَّمونَ بِلُغاتٍ غَيرِ لُغِتِهم ويُعَظِّمونَ الله. فقالَ بُطرُس:»أَيَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَمنَعَ هؤُلاءِ مِن ماءِ المَعمودِيَّة وقَد نالوا الرُّوحَ القُدُسَ مِثلَنا؟« ثُمَّ أَمَرَ أَن يُعَمَّدوا بِاسمِ يسوعَ المَسيح. فسأَلوه أَن يُقيمَ عِندَهم بِضعَةَ أَيَّام.

* 1 يوحنا 4: 7 – 10

أَيُّها الأحِبَّاء، فلْيُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا لأَنَّ المَحَبَّةَ مِنَ الله وكُلَّ مُحِبٍّ مَولودٌ لله وعارفٌ بِاللهمَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ الله لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة.ظَهَرَت مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا، بأَنَّ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه.تِلكَ هي المَحبة: نَحنُ لَم نُحِبُّ الله، بل هو الَّذي أَحَبَّنا و أَرسَلَ ابنَه كَفَّارةً لِخَطايانا.

* يوحنا 15: 9 – 17

في ذلك الزمان، وقبلَ أن ينتقلَ يسوعُ من هذا العالمِ إلى أبيه، قال لتلاميذه: «كما أَحَبَّني الآب فكذلكَ أَحبَبتُكم أَنا أَيضًا. اُثبُتوا في مَحَبَّتي. إِذا حَفِظتُم وَصايايَ تَثبُتونَ في مَحَبَّتي كَما أَنِّي حَفِظتُ وَصايا أَبي وأَثبُتُ في مَحَبَّتِه. قُلتُ لَكم هذهِ الأشياءَ لِيَكونَ بِكُم فَرَحي فيَكونَ فَرحُكم تامًّا. وصِيَّتي هي: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا كما أَحبَبتُكم.لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه.فَإِن عَمِلتُم بِما أُوصيكم بِه كُنتُم أَحِبَّائي.لا أَدعوكم عَبيداً بعدَ اليَوم لِأَنَّ العَبدَ لا يَعلَمُ ما يَعمَلُ سَيِّدُه. فَقَد دَعَوتُكم أَحِبَّائي لأَنِّي أَطلَعتُكم على كُلِّما سَمِعتُه مِن أَبي. لم تَخْتاروني أَنتُم، بل أَنا اختَرتُكم وأَقمتُكُم لِتَنطَلِقوا فَتُثمِروا ويَبْقى ثَمَرُكم فيُعطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ ما تَسأَلونَهُ بِاسمي. ما أُوصيكُم بِه هو: أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا«.

العظة

تلحّ القراءة الثانية والإنجيل في هذا الأحد على موضوع المحبّة. إنّه موضوع شائع في الخطاب المسيحيّ، ومع ذلك نفهمه بشكلٍ جزئيّ، وهذا ليس غريبًا. فالمحبّة ليست صفة، بل هي كيان: الله محبّة. ومَن يستطيع أن يحيط إحاطةً كاملة بسرّ الله؟

حين نقرأ الكتاب المقدَّس نجد أنّ شرح موضوع المحبّة يسلك مسارًا تدريجًا، ويمرّ بمراحل. أحبّ أن أتوقّف هنا عند خمسةٍ منها: محبّة الله، محبّة الذات، محبّة القريب، محبّة العدو، المحبّة الشاملة.

محبّة الله هي نقطة الانطلاق. كلّ محبّةٍ لا تنطلق أوّلاً من الله تكون أرضيّة دنيويّة، تلوّثها الرغبات الشخصيّة والميول المنحرفة. الله وحده يضمن نقاء المحبّة، والروح القدس يصحّح محبّتنا كلّما طرأ فيها عطب أو اعوجاج، وفي هذا طمأنينة لنا. فلنحب كما نشاء، ولنقدّم محبّتنا هذه لله كي يفعل بها ما يراه مناسبًا. محبّة الله تعني ببساطة أن أجلس يوميًّا معه في هدوءٍ وسكينة وأقول له بكلّ مشاعري: أحبّك. يمكنني أن أضيف إلى هذه الكلمة ما أشاء، ولكنّها أساس حوار العاشقَين، أنا والله.

محبّة الذات. من الغريب أن نتكلّم على محبّة الذات في حين تلحّ تعاليم مسيحيّة كثيرة على نكران الذات، وعدم الأنانيّة، إلخ. إنّ هذه التعاليم تتكلّم على المرحلة التالية. ولكنّنا لا نستطيع أن نبدأها إن لم نستوفِ شروط المرحلة هذه. فالآية تقول: أحبب قريبك حبّك لنفسك. فكيف أحبّ قريبي إن كنتُ أكره نفسي، ولا أقبلها، وأشعر بأنّني إنسان تعس، قليل الحظّ، لا شيء فيّ يرضيني: لا شكلي ولا ذكائي ولا قدراتي ولا…؟ أحبب ذاتك. افرح بها، انظر إليها على أنّها تحفة الله. اقبل كلّ السلبيّ فيها، فأنت لا تعرف سرّ الله فيه. إقبل ذاتك كما هي تستطيع حينها أن تنمو.

محبّة القريب. إنّها الموضوع الشائع. وهي نقطة انطلاق المحبّة المسيحيّة نحو الخارج. فمحبّة الله ومحبّة الذات تظلاّن على المستوى الشخصيّ الداخليّ، في حين تنقلنا محبّة القريب إلى الخارج، وتضعنا في مسارٍ تقدّميّ. ما معنى هذا؟ هذا يعني أنّ حياتي الروحيّة بدأت توسّع دائرة محبّتها، وعليها ألاّ توقف التوسّع. أبي وأمّي، إخوتي وأخواتي، أقربائي وقريباتي، أصدقائي وصديقاتي، الأشخاص المحيطين بي والّذين لا أستلطفهم بالضرورة، الغرباء الّذين لا علاقة وثيقة لي بهم… بمحبّة القريب التوسّعيّة أستطيع أن أصلّي لكلّ إنسانٍ منكوبٍ ومتألّم في أيّ بقعةٍ من العالم، وأن أتبرّع لإعانته مع أنّني لا أعرفه.

محبّة العدو. إنّها القفزة التي أعلنها يسوع: إن أحببتم الذين يحبّونكم فأيّ فضلٍ لكم. يمكننا القول إنّ محبّة الأعداء هي سمة خاصّة ب المحبّة المسيحيّة. إنّها السمة التي تميّز المسيحيّ عن مؤمني الديانات الأخرى. لا شكّ في أنّ سائر الديانات توصي بمحبّة الأعداء، ولكن ما من واحدةٍ منها تصل بمحبّة الأعداء حتّى بذل الذات في سبيل خلاصهم. محبّة الأعداء في مستوياتها الدنيا تجعلني أسامح وأغفر ولا أفتّش عن الانتقام. وفي مستوياتها العليا تجعلني أبذل نفسي في سبيل أعدائي، تمامًا كما بذل يسوع نفسه على الصليب في سبيل خلاص صالبيه.

المحبّة الشاملة. ما الذي بقي؟ لقد بقيت الخليقة. فالمحبّة الشاملة لا تُبعِد الخليقة عن نطاقها. الجماد والنبات والحيوان. ربّما قائل يقول: ولكنّنا نحبّ الطبيعة، ونحبّ التمتّع بها والجلوس في أحضانها! أجل، هذه محبّة شاملة، وبحاجة إلى تنقية، فلا أحبّ الطبيعة لأجل متعتي، بل لأجلها. ففي الطبيعة ما لا يروق لي: الذباب والحشرات والأفاعي والعقارب والنباتات البرّيّة التي أرى أنّها عديمة النفع. لمَن عليها أن تكون نافعة؟ لي طبعًا. هنا تظهر الأنانيّة. كلّ ما أراه في الطبيعة خلقه الله. والله لا يخلق ما لا يحبّه، الله لا يخلق ما ليس بحسَن. فإن لم أرَ الحَسَن فيه عليّ أن أوسّع دائرة محبّتي. عليّ أن أعود إلى الله الذي أحبّه وأقول له: لقد خلقتَ هذه يارب لأنّك تحبّها، وطالما أنّك تحبّها، سوف أحبّها أنا أيضًا… يا ربّ أحبّكَ، وأحبّ كلّ ما تحبّه أنت.

الأب سامي حلّاق اليسوعيّ

       يسوعيون