المسيحيون العرب… الجرح المؤلم والمخيف -إميل أمين
المسيحيون العرب… الجرح المؤلم والمخيف -إميل أمين
من بين أهم القضايا والإشكاليات العربية الآنية تأتي قضية الحضور المسيحي العربي في الشرق الأوسط ذاك الذي بات الغموض يلفه واضحي بين مطرقة الضغوطات الداخلية وسندان التدخلات الأجنبية ويبدو من أسف شديد أننا -وكعادتنا عربياً- ندرك متأخراً كثير من الحقائق في حين تسارع دوائر أجنبية خارجية إلى رصد قضايانا ومشاكلنا وربما الشروع في الحديث عنها وبلورتها عبر رؤى إستراتيجية أنجع وانفع في حين نظل لا نبارح أماكننا التاريخية متمترسين خلف مقولات عاطفية وشعارات وجدانية تباعد بينها وبين الحقائق على الأرض كبعد المشرق عن المغرب.
من تلك القضايا واقع حال المسيحيين العرب في الشرق الأوسط والى أين المصير، وعلامة الاستفهام في هذا المقام ربما فرضتها معطيات كثيرة وفي مقدمتها الدعوة التي وجهها البابا بندكتس السادس عشر لرؤساء الكنائس الكاثوليكية الشرقية في مصر ولبنان والأردن وسوريا وفلسطين ودول الخليج العربي للمشاركة في أول سينودس “تجمع أساقفة وبطاركة” متخصص يناقش هذه القضية في حاضرة الفاتيكان في أكتوبر تشرين الأول القادم، وياحبذا لو جاءت هذه الدعوة تحت مظلة المواطنة العربية ومن جهة حاضنة كجامعة الدول العربية على سبيل المثال لكن ما جرى قد جرى.
والشاهد ان المقتطفات اليسيرة التي تسربت من الخطوط العريضة للسينودس تدفعنا لطرح أسئلة راديكالية عن حال ومآل المسيحيين العرب سيما في ضوء الهجرة القاتلة التي تلفهم وكان مسيحيو العراق أخر ضحاياها ومن قبل مسيحي الأراضي المقدسة وفي مرحلة متقدمة موارنة لبنان وحديثا بات قسم كبير من أقباط مصر في المهجر يمثل خصما من الحضور الحضاري لبلد عريق عوضا عن ان يكون قيمة مضافة والسؤال الأولى ماذا عن الحضور المسيحي العربي في المشرق بادئ بدء.
المسيحيون العرب قبل الإسلام
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن السعي لتأصيل الحضور العربي المسيحي في العالم العربي حتى قبل أن يأخذ شكله الحالي وعبر مصادر تاريخية متباينة نجد أن حضوراً مسيحياً عربياً قد وجد على سبيل المثال في بلاد الشام في دمشق وتدمر وحمص وحماة وحلب والوادي حتى نهر الفرات بين السكان العرب النبطيون وقبائل بادية الشام واغلبهم انحدروا من اليمن ومنهم قضاعة وسليم وغسان وطي وبهراء وتنوخ ولخم وكندة وأياد وتغلب.
كما وجدوا في كافة الأقطار العربية من بادية الشام إلى الغور والسلط والكرك مروراً باليمن في الجنوب الشرقي من جزيرة العرب وصولاً إلى كافة دول الخليج العربي وقتها، ثم العراق ومصر والخمس مدن الغربية على ساحل البحر المتوسط. وعلى الباحث المدقق والمحقق الرجوع في هذا الشأن إلى كتابات اثنين من أساطين الفكر العربي الحديث الأول هو العلامة اللبناني الأب لويس شيخو اليسوعي والثاني هو الأب الدكتور جورج شحاته قنواتي ومؤلفة الأشهر عن الحضور المسيحي العربي عبر التاريخ.
هو إذن حضور أصيل متجذر في التربة العربية وليس أدل على حديثنا هذا من الإشارة إلى ثلاثة من فحول الشعر العربي لا مجال في نصرانيتهم: الأول قس بن ساعدة الأيادي، أسقف نجران واخطب خطباء العرب قبل الإسلام واكبر شعرائهم، والثاني عدي بن زيد وزير النعمان، ملك المناذرة الأخير في العراق وزوج ابنته هند، والثالث هو عثمان بن الحويرث بن أسد من قريش. غير أن الدور الأكبر الذي برز فيه العرب المسيحيون في تلك المرحلة التاريخية إنما جاء يتعلق باللغة العربية والخط العربي … ماذا عن ذلك؟
من تكلم بالعربية فهو عربي
في كتابه القيم “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” يحدثنا الكاتب والباحث الدكتور “جواد علي” عن كيف أن المسيحيين العرب قاموا بدور بارز في تطوير الخط العربي كما انه لم يستبعد احتمال عثور المنقبين في المستقبل على كتابات مطمورة بالقلم النبطي في رمال الجزيرة العربية ويذهب الراهب الدومينكي الذي حقق عبر عشرين عاماً في حياة ابن رشد الأب جورج قنواتي إلى أن مسيحي الحيرة هم أول العرب الذين استخدموا الخط العربي وادخلوا على العربية تراكيب وألفاظ جديدة، فقد ادخل المسيحيون على اللغة العربية ألفاظاً وتراكيب لم يكن يعرفها العرب وقتها فكان أول من قال في كلامه “أما بعد” هو قس بن ساعده كما انه كان أول من قال “البينة على من ادعى واليمين على من أنكر” بجانب انه أول من كتب “من فلان إلى فلان”، أما أول من أشاع افتتاحية المراسلات والمكاتبات بعبارة “باسمك اللهم” هو “أمية بن أبي الصلت”.
ويرى جمهور الباحثين ان القلم العربي قد اخذ من قلم بني إرم وذلك لان السريان “مسيحي العراق وسوريا وما نحوهما” الذين هم من بني ارم كانوا قد طوروا القلم الإرمي وكتبوا بقلمين قلم قديم كتبت به الأناجيل والكتب المقدسة وهو القلم المربع ذو الحروف المستقيمة ذات الزوايا المربعة وقلم ثان سهل ذو حروف مستديرة أي على شكل أقواس وهو قلم النسخ.
النصارى في ظل الدولة الإسلامية
ومع ظهور الدعوة الإسلامية وقيام الدولة الإسلامية في شبة الجزيرة العربية ثم الفتوحات التي جرت لاحقا كان ولابد ان يبحث المسيحيون العرب عن حاضرهم بعد ان باتت الغلبة الفكرية والعددية في غير صالحهم غير ان واقع الحال يخبرنا بان فلسفة إنسانية عميقة قد بسطت أجنحتها على هؤلاء أينما وجدوا وحيثما حلوا.
في هذا الصدد يكتب الباحث اللبناني الشهير الدكتور “ادمون رباط” في محاضرة له في بيروت العام 1981 يقول: من الممكن وبدون مبالغة القول بان الفكرة التي أدت إلى إنتاج هذه السياسة الإنسانية الليبرالية إذا جاز استعمال هذا الاصطلاح العصري إنما كانت ابتكاراً عبقرياً وذلك لأنه للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة هي دينية في مبدئها ودينية في سبب وجودها ودينية في هدفها ألا وهو نشر الإسلام إلى الإقرار في الوقت ذاته بأن من حق الشعوب الخاضعة لسلطانهم أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وتراث حياتها وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد فيه بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم”.
ولاشك في أن المسيحيين المخضرمين الذين عاصروا الفتح الإسلامي هم أكثر من لمس الأمر بوضوح إذا انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطهدهم اضطهاداً وصفه بعض المؤرخين العصريين في أوروبا بأنه لا يشبه حتى بأعمال البهائم “وهي الدولة البيزنطية” إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديارهم وبيعهم بعد طول تعرضها للهدم والحرق والمصادرة كما خيرتهم بين اعتناق الإسلام والبقاء على دينهم بشرط الدخول في ذمة المسلمين أي بشرط الانضمام إلى دولة الإسلام ورفض المقاتلة مع أعدائها.
ومن ضمن المرويات التاريخية نقرا كيف أن إكليريوس “رجال دين” الكنيسة المصرية القبطية كله أو جله كان متخفياً في الصحاري هرباً من المذابح البيزنطية، فلما جاء الفتح العربي عادت الكنيسة المصرية إلى حريتها الكاملة علنا، بل أن عمرو بن العاص عندما فتح الإسكندرية للمرة الثانية خالف السنن الإسلامية فوزع من بيت المال على الأقباط أموالاً طائلة لتعويضهم من العقوبات التي أنزلتها بهم الحكومة البيزنطية لمعاونتهم العرب في فتح مصر والعهدة هنا على الراوي “ألفريد بتلر” في كتابه فتح العرب لمصر.
اللقاء العربي المسيحي الإسلامي
هل كانت العلاقات الإسلامية المسيحية طوال تاريخها سخاءً رخاءً صفاءً زلالاً؟
يجافي الحقيقة العلمية والموضوعية من يقول بذلك سيما وان الكنائس المحلية العربية كانت تعاني من التوتر خلال القرون الأولى لان آخرين كبيرين كانا يتجاذبانها، وهما البيزنطي والفارسي، واتى القرن السابع جالباً معه ممثلاً ثالث يمسى منذئذ الأخر الوحيد وهو العربي المسلم هذا الأخر انتهى أمر تعرفه الى المجموعات المسيحية من خلال أوصاف ثلاث: فمن الناحية الدينية النصارى هم أهل كتاب ولكنهم مؤمنون مشكوك بهم ومنحرفون عن الصراط المستقيم، وفي صعيد القانون أنهم ذميون وتحت الحماية يرحب بهم كضيوف لكنهم يوضعون في هامش الحياة،ـ وأخيراً سياسياً أنهم ينقسمون إلى ملل محايدة لكنها تثير المخاوف لأنها قد تتحالف مع الغريب وتتواصل أمواج السراب … والسؤال الأهم هل يا ترى يعرف احد بالمسيحيين من اجل كونهم مسيحيين؟
يرى العلامة الفرنسي الأصل الأب “جان كوربون” أن ههنا وجه أخر للغيرية ليس أكثر موضوعية مما رأينا للكنائس تعترف بالجماعة الإسلامية أنها مؤمنة بالله الحي الأحد لكن وصفها اللاهوتي وصلتها بجماعة المؤمنين المسيحيين بقى قضية مطروحة دون جواب واضح فإيمان المسلمين إسلام لكلمة الله التي تأتي العالم من خلال النبؤة لكن العقيدة المسيحية واضحة بان المسيح هو كمال التنبؤات فأين إذن عند المسيحيين التفهم الايجابي لرسالة القران؟.
أما على صعيد الحياة السياسية اليومية فالمسيحيون محمولون إلى اعتبار المسلمين الطائفة الكبرى المتعددة التيارات ولكنها تتضامن للوقوف في وجه الأقليات المسيحية وفي كل حال (وهنا السراب).
هذا الخط الفاصل بين الجماعتين يعتقده البعض دينياً في جوهره . كما يعتقد بأن الجماعة المسلمة العربية اليوم لا تختلف عن حالها أيام الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي.
وفي هذا ما فيه من تجميد لهوية المسلم المتنصر وهوية ديانته وهذا ما يعيد السؤال إلى الأذهان: هل هناك اعتراف بالمسلمين من حيث أنهم مسلمون.
في طريق النهضة العربية الحديثة
وفي كل الأحوال فان هذا الجدل العقائدي تارة والإيديولوجي تارات أخرى لم يدم طويلا، ومع إرهاصات النهضة العربية والتفكير المشترك في الخلاص من ربقة الاحتلال العثماني كان المسيحيون العرب في أوائل الصفوف الداعين للتحرر الفكري والجغرافي، وقد كان اتصال قسم بالغ منهم وبخاصة الشوام العرب بالغرب وفرنسا تحديدا عاملا مهما للغاية حيث سادت هناك الأفكار القومية والتحررية.
وفي هذا السياق ظهر الأدباء والشعراء في البلاد والمهجر على حد سواء من أمثال جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، أما الدعوة للقومية العربية بمنظورها الحضاري وليس العنصري، والدعوة للإصلاح السياسي والاجتماعي والتوجه الليبرالي فقد حمل لوائها أديب اسحق وسليم سركيس وشبلي شميل ونجيب عازوري وغيرهم.
وإذا كانت المطبعة هي ام الكتاب وحاملة شعلة التنوير الأولى فربما يجدر بنا أن نذكر بان أول مطبعة باللغة العربية تدخل العالم العربي كانت في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد الآباء الدومينكيين الفرنسيين في الموصل بالعراق، وكانت بذلك عاملا مهما ممن عوامل أحياء للغة العربية.
والمطبعة والكتاب يستتبعهما ولا شك نهضة فكرية رائدة سار في مقدمتها مفكرون بارزون من المسيحيين العرب من عينة قسطنين زريق، وسلامة موسى وفرح انطون، ونقولا زيادة واداورد سعيد وأنيس الصايغ وتطول القائمة وتتعد الأسماء.
وفي مجال العلوم الاجتماعية والاقتصادية والفلسفية لابد من الإشارة إلى ثلاثة من كبار المثقفين المصريين من هذا الفصيل وهم لويس عوض، وأنور عبد الملك، وسمير أمين.
وقد أنجبت مصر الأمين العام الوحيد العربي في تاريخ الأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غالي، رجل موقعة قانا، والذي كلفه موقفه من إسرائيل ومجزرتها في قانا عدم التجديد له لولاية ثانية على غير العراف المتبع. وفي عالم السياسة يذكر المرء عائلات بأكملها مثل عائلة مكرم عبيد في مصر، آل الجميل في لبنان ومن قبلهم آل الخوري.
وذكر هولاء في واقع الأمر ليس من قبيل التقابل أو التمايز إنما لتبيان مدى تلاحمهم مع أوطانهم في كافة مناحي الحياة، هذا الدور الريادي المبكر لحركة النهوض العربي لدى العرب المسيحيين يسمح لنا بالقول دون مغالاة انه إذا كان العرب المسلمون قد قادوا الثورة العربية والنهضة العربية عسكريا فان العرب المسيحيين كانوا روادا هذه النهضة فكرياً وثقافياً.. هل انكمش هذا الدور لاحقا وضمرت تلك الإسهامات؟. وإذا كان ذلك كذلك فما السبب وكيف يعالج هذا الخل؟.
في إشكالية الهجرة القاتلة
تحت عنوان “بقاء المسيحيين العرب” كتب الأمير المستنير طلال بن عبد العزيز في كانون الثاني يناير من عام 2000 وعبر صحيفة النهار البيروتية لافتا النظر إلى أن العالم العربي يتعرض لنزيف بشري واجتماعي وثقافي واقتصادي، على جانب كبير من الخطورة ويتمثل في هجرة المسيحيين العرب يعني أن تتحول دول العالم العربي على نحو أو أخر إلى دول عنصرية مثل إسرائيل التي تعمل على تفريغ أراضيها من المسلمين والمسيحيين على السواء لتبقي دولة عنصرية باقتدار.
ومما لاشك فيه أن مسالة الحضور المسيحي في الشرق هي القلق الكبير الذي هو اليوم الهم الأساسي لتلك الجماعة الوطنية وقد خربتنا الهجرة -كما يقول المفكر اللبناني الأب الدكتور يوسف مؤنس- وقل وتضاءل عددنا، وصرنا كسراج يدخن أو يكاد ان ينطفئ.
تقول أخر الإحصائيات التي وفرتها منظمة كاريتاس الدولية أن عدد المواطنين المسيحيين الذين غادروا العراق منذ غزو القوات الأمريكية لهذا البلد حتى الآن وصل إلى 600 ألف شخص، أما مسيحي الأردن والأراضي المقدسة “فلسطين” فقد أصبح 400 ألف نسمة أي ما يمثل فقط نحو 2% من مجموع السكان هناك، الأمر الذي دعا بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام لان يصف هذا التطور بـ”الجرح المؤلم والمخيف”.
الأمر ذاته ينسحب على موارنة لبنان، أما أقباط مصر فلهم قصة أخرى ربما يأتي الوقت لاحقا للحديث عنها، ذلك رغم أنهم يزدادون عددا في الداخل وفي المهجر إلا أن هناك تياراً تصاعدياً بات يهدد وجه من وجوه نضالهم الوطني مع أخوانهم المسلمين في طريق الارتقاء بمصر لا الإسترقاء بها عبر التدخلات الخارجية.
والثابت تاريخياً أن بلاد العالم العربي كانت مهجراً يلجأ إليه المضطهدون والمعذبون من المسيحيين حول العالم كما حدث مع الأرمن غداة مذابح الأتراك وانتشروا في سوريا والأردن ولبنان ومصر.. وعليه يتساءل المرء: لماذا بات المسيحيون العرب يولون وجوههم وربما مرة وإلى غير عودة شطر العالم الغربي مهاجرين؟
للكاتب الدكتور فائز اسعد ورقة بحثية حديثة مهمة في هذا السياق جاء تحمل عنوان “تجديد الدور العربي المسيحي” وفيها يشير إلى عوامل عديدة قادت المسيحيين العرب لتقلص دورهم الوطني وتالياً الانسحاب من الحياة العامة إما عبر الهجرة الداخلية إلى مجال الأعمال والاقتصاد وبناء مؤسسات المال والأعمال -وان برعوا في هذا المجال- وإما بالهجرة الخارجية وفي مقدمتها تولي النخب العسكرية للسلطة السياسية في بعض البلدان وفرضهم نظماً شمولية تتعارض والفكر الليبرالي الذي قامت عليه أفكار النهضة العربية وتنامي الفكر القومي المنغلق الذي يتعارض مع الفكر القومي عند النهضويين العرب القائم على اعتبار العروبة انتماءً فكرياً وحضارياً، وتصاعد الفكر الإسلامي المتشدد الذي لا يتعامل بروح المساواة مع الآخرين.
وفي هذا السياق يؤكد المفتى العام للجمهورية العربية السورية الشيخ احمد بدر الدين حسون على أن أحد أهم أسباب انحسار الدور المسيحي العربي والتفكير في الهجرة خارجاً هو الخوف الناتج من قيام دولة دينية في المنطقة ويرفض قيام تلك الدولة على أساس أنها أمر خطير على حد تعبيره ويضيف: يجب أن تقوم الدولة على أساس مدني يجتمع فيه كل أبناء الإنسانية بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم.
سينودس الشرق الأوسط المقبل
هل قضية الحضور المسيحي العربي تستحق التنادي العربي الإسلامي قبل الغربي انطلاقا من أن إفراغ بلدان المنطقة العربية والشرق أوسطية خاصة منهم خسارة حضارية لا تعوض وجرح في جسد التسامح الإسلامي الذي صمد أمام الأنواء العنصرية في غالب الأوقات وطوال أربعة عشرة قرناً؟
في حوارات مطولة جمعت الأقدار فيها صاحب هذه السطور في لوس انجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية في تسعينات القرن الماضي مع الراحل الكبير المخرج السوري الأصل الأمريكي الجنسية مصطفى العقاد الذي اغتالته -وعجبا للمقادير- يد الإرهاب، كان الرجل يحكي كيف انه كثيراً ما نصح الدكتورة حنان عشراوي الرمز الفلسطيني الأشهر في زمان أوسلو بأن تضع على صدرها صليب حتى يدرك المشاهد لها في الإعلام الغربي أن قضية فلسطين ليست قضية دينية إسلامية فحسب بل أنها قضية إنسانية بالدرجة الأولى ومسيحية أيضاً كما أنها إسلامية بالدرجة الثانية.
والتساؤل هنا على سبيل المثال: ماذا كسب الفلسطينيون من تراجع الدور العربي المسيحي في حركة النضال الوطني الفلسطيني ولماذا يتم تغييب القيادات العربية المسيحية أو تهميشها؟ وهل كانت الحركة التحررية الفلسطينية أقوى أم اضعف بوجود كمال ناصر وجورج حبش ونايف حواتمه وحنان عشراوي الحاضر الغائب؟
يقول احدهم: استطيع أن اجزم بأنه لو أعطي للفلسطينيين المسيحيين دوراً أكبر لاستطاعوا تحقيق ما فشل فيه من يتصارعوا الآن على سلطة وهمية.
لماذا لم يتم التنادي عربياً وإسلامياً لطرح هذه الإشكالية؟
الثابت أننا اعتدنا كعرب أن نكون أصحاب ردود أفعال لا شركاء أصيلون في طرح المبادرات، في حين أن طرح القضايا -سيما الجسام منها- يبدأ من الذات وليس من الآخرين على حد تعبير المفكر العروبي الكبير الدكتور أنور عبد الملك، أبو الاستشراق العاصر وقبل ادوارد سعيد بنحو عقدين أو يزيد.
تقول بعض الخطوط العريضة لسينودس الشرق الأوسط القادم في حاضرة الفاتيكان متحدثة بلسان المسيحيين المشرقيين: إننا ننتمي إلى هذا الكيان ونتضامن معه، فنحن عنصر أساسي فيه وكمواطنين نشارك في جميع المسؤوليات من أجل البناء والتقويم، وعلاوة على ذلك يشكل هذا الأمر التزاماً علينا كمسيحيين، ومن هنا ينبع واجبنا من منطلقين: المشاركة في محاربة مساوئ مجتمعاتنا سياسية كانت أم قانونية، أو اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقية. ولكي نساهم في إقامة مجتمع أكثر عدالة وتضامنا وإنسانية.
هل من قراء عربية مستنيرة من حكماء الأمة وضميرها الحي وعقلها النابض إزاء هذا الجرح المؤلم والمفتوح، قراءة توقظ النيام وتبدد الأوهام، تنبه الناس وترفع الالتباس وتؤكد على أن تجربتنا الطويلة في التعايش الواحد أكدت على أنه ما من نسمة حضارية هبت على العالم إلا وكان من أوطاننا العربية مصدر هبوبها وانه ما من راية تعايش مشترك ارتفعت إلا وكنا نحن لها ألرافعينا؟.
عن موقع أبونا