المسيح ابن الله، عِبرهُ نكتشف أن الله أبونا ونحن أبناؤه – الكاردينال لويس روفائيل ساكو
29 يونيو 2019
موضوع السبت: المسيح ابن الله، عِبرهُ نكتشف أن الله أبونا ونحن أبناؤه
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
يؤمن المسيحيونَ جميعاً ببنوَّة المسيح الالهية، لكن هذه البنوَّة ليست عن طريق البشر، بل عن طريق الله ذاته. إنها بنوةٌ فريدةٌ، ومن مستوى آخر، بنوَّةٌ روحيّة – لاهوتيّة بامتياز. لذلك نشاهد يسوع، في الأناجيل، يتصرف ويتكلم بحميميّة ابن لله “انا والآب واحد” (يوحنا 10 :30). وفي البشارة يُعلَنْ الملاك اسمه: “الله معنا – عمانوئيل” (متى 1: 23)، وفي المعمودية يدعوه الله: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت” (متى 3: 17). كلُّ تصرفاتِه وأقوالِه وسلطته تنبع من هذه البنوة الالهيَّة. وتتضح من خلال كلامه حقيقة أنه والآب متَّحدان: “ليس كلامي من عندي، بل من عندِ الّذي أرسلني” (يوحنا 14: 24).
ابحث عن المزيد
لا يوجد مسيحيُّ واحدٌ في العالم يؤمن بأن المسيح ولد من علاقة جسدية، لأن الله روح. بنوّة المسيح الالهيّة مختلفة تماماً وجوهرياً عن شكل ولاداتنا، إنها ولادة من نوع آخر “فَمولودُ الجَسدِ يَكونُ جَسداً ومَولودُ الرُّوحِ يَكونُ روحاً” (يوحنا 3: 6). المسيح “الكلمة” مولود حقاً من الله، وتجسَّد في أحشاءِ العذراء مريم بقدرة فائقة الطبيعة (بمعجزة). كما يؤمن المسيحيون أنه صُلِبَ وماتَ، لكن الله أقامه ورفَعهُ وهو حيٌّ، وحضوره بينهم حضورٌ سريٌّ وحقيقيٌّ، وعليه فهوية المسيحي مرتبطة وجدانيّاً بهوية المسيح.
ابحث عن المزيد
تؤمن المسيحيّة بحقيقة إلهٍ واحد، بكلمته وروحه القدوس، وليس كما يتصور البعض بمعنى الله وعيسى ومريم، ولا ثلاثة آلهة (1+1+1=3). انه إله واحدٌ في الجوهر بتجلياتٍ ثلاثة: الآب والابن والروح القدس. سمَّاها المشرقيون ثلاثة أقانيم، والمتكلمون (اللاهوتيون) المسيحيون العرب (كالجاثاليق طيمثاوس الاول، وابو الفرج ابن الطيب ويحيى بن عدي التكريتي ومواطنه ابو رائطة) أطلقواعليها صفات ذاتيّة. وشرحوها بطريقة الجِناس أو القياس، وقالوا انه كالشمس الواحدة بقرصها ونورها وحرارتها. هذه الوجوه الثلاثة لا تجعلها ثلاثَ شموس، بل تبقى شمساً واحدة. هكذا سرٌّ الثالوث جوهرٌ واحدٌ متميزُ الاقانيم: الآب هو المصدر، والابن هو الكلمة المتجسّد، والروح القدس هو المحيي، وذات الله بسيطة غير مركبّة. ومعظم صلواتنا تبدأ: “بإسم الآب والأبن والروح القدس، الإله الواحد“. وقانون إيماننا يقول: “نؤمن بإلهٍ واحدٍ، الآب ضابطِ الكل، وخالقِ السماء والارض، وكلِّ ما يرى وما لا يُرى وبربٍ واحدٍ سيدنا يسوع المسيح… ” يقول أبو الحسن الباقلاني: “أعلم ان النصارى إذا حققنا معهم الكلام في قولهم إن الله جوهر واحد ذو ثلاثة أقانيم لم يحصل بيننا وبينهم خلاف إلاّ في الاسم” (الطمس في الأصول الخمس ص 73).
ابحث عن المزيد
الإيمان بيسوع المسيح إبناً لله، تمثل دعوة الى كل إنسان للدخول في الحياة الإلهية، ليُصبح إبناً لله وليس عبداً “أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله: فهُمُ الَّذينَ لا مِن دَمٍ ولا مِن رَغبَةِ لَحْمٍ ولا مِن رَغبَةِ رَجُل بل مِنَ اللهِ وُلِدوا” (يوحنا 12:1-13). والرسول بولس يؤكد: “لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع” (رومية 9: 26). لهذا السبب نحن المسيحيين نخاطب الله في صلاتنا قائلين: “أبانا الذي في السماوات…” (متى 6: 9). وعلى هذا النحو ينبغي أن نعيش.
ابحث عن المزيد
اللقاء بيسوع أمرٌ مهمٌ جداً لمسيرتنا الإيمانية. لقاؤنا به من خلال الصلاة، والإصغاء إلى إنجيل الفرح، وعيش المحبة برحابة، يُغيِّر نظرتَنا وحياتَنا، ويَشفي حالتَنا. هذه الحقيقة إختبرها الانجيليون، عندما كتبوا خبرتهم (انجيلهم) لأناسٍ مؤمنين مثلنا، حتى يكون لها صدىً في حياتنا اليوميّة. مسيحية من دون خبرة صوفية – روحية هي مسيحية لا طعم فيها. وكل مسيحي يحتاج الى الخبرة الصوفية لتدخله إلى معرفة سر الله. وثمة شرطان أساسيان للحياة الروحية بحسب التقليد المشرقي:
إلتزام حياتي بالاقتداء بالمسيح، كلٌّ بحسب ظروفه الخاصة. ويشبّه الانجيل علاقة الحبّ هذه بالعرس (يوحنا 3: 29)، بحيث يأخذ منه المؤمن يومياً شيئاً ويضعه على نفسه حتى يتحول اليه.
ممارسة الصلاة العميقة، أي صوفية القلب، كما نجدها عند العديد من الروحانيين المشرقيين: يوحنا الدلياثي، وشمعون ده طيبوثا، وإسحق النينوي وسهدونا وابراهيم النثفري. هذه الممارسة الوجدانية تتيح للمؤمن الاتحاد بالمسيح عِبرَ تسليم الذات، والسجود والشكر، وتجلب له القوّة والنور والسلام وسط كفاحه اليومي. صلاته تُدخِله إلى صلاة يسوع وتتأسس عليها.
نقلا عن موقع بطريركية بابل للكلدان