المطران باليا : ” إنجيل الحياة ” مرشد أمين حول محوريّة الشخص البشري والحياة
نقلا عن الفاتيكان نيوز
30 أغسطس 2020
مداخلة رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة، المطران فينشينزو باليا، مع عميد الدائرة الفاتيكانية للعلمانيين والعائلة والحياة، الكاردينال كيفين فاريل، في اللقاء الثاني لشبكة البلدان الأمريكية من أجل الحق في الحياة، بعد خمسة وعشرين عامًا من صدور رسالة القديس يوحنا بولس الثاني حول هذا الموضوع.
فسحة للتفكير وتبادل الخبرات حول مختلف وجهات النظر للدفاع عن الحق في الحياة وحماية العائلة: هذا هو هدف اللقاء الثاني لشبكة البلدان الأمريكية من أجل الحق في الحياة. والذي شارك فيه عميد الدائرة الفاتيكانية للعلمانيين والعائلة والحياة الكاردينال كيفين فاريل مع رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة، المطران فينشينزو باليا، الذي قدّم مداخلة بعنوان “أضواء خمسة وعشرين عامًا لـ “إنجيل الحياة” الرسالة العامة للبابا القديس يوحنا بولس الثاني التي يشكّل محتواها دليلاً لفهم القيمة التي لا تُضاهى للإنسان، والتهديدات الجديدة للحياة ورسالة الكنيسة الجامعة في دفاعها عن الحياة من الحبل بها إلى موتها الطبيعي. وفي حديثه إلى موقع فاتيكان نيوز، يقيّم المطران فينشينزو باليا أهمية عقد هذا اللقاء بدءًا من قارة أمريكا اللاتينية التي تعاني آلامًا شديدة بسبب الوباء، مع أكثر من سبعة ملايين حالة، وحوالي مائتي ألف حالة وفاة في البرازيل فقط.
قال المطران فينشينزو باليا إن الحياة هي عطيّة ويجب اعتبارها كوزنة علينا أن نبذلها بأفضل شكل ممكن؛ وبالتالي من يعيش منغلقًا على ذاته يفقد المعنى الحقيقي للحياة. أعتقد أن هذا اللقاء يندرج في خطِّ السينودس الذي أراده البابا فرنسيس حول منطقة الأمازون أي كل شيء يهم الجميع. يمكن للجميع أن يتنبّهوا إلى التنمية، وكرامة الحياة في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية التي، حتى في ظل الوباء، تعاني من مأساة هائلة.
تابع رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة متحدثًا عن التحديات التي نواجهها اليوم وقال أعتقد أنه من المهم أولاً وقبل كل شيء أن نتذكر المجمع الفاتيكاني الثاني الذي يضع محورية الشخص البشري في اهتمام الكنيسة بأسرها، وبالتالي لا كفكرة مجرّدة، وإنما الشخص البشري كمكان أيديولوجي، ومكان للعلاقات مع الله وللعلاقات مع الإخوة. بهذا المعنى، تظهر الحياة كعطيّة عظيمة، ننالها جميعًا. ويؤكد لنا الإنجيل، بالإضافة إلى التقليد اليهودي المسيحي بأكمله، أننا نتلقاها من الله. وبهذا المعنى، الحياة ليست ملكًا، بل هي هبة نلناها، وبالتالي – وأستعين هنا بالصورة الإنجيلية – فهي ليست وزنة ندفنها تحت الأرض، وإنما علينا أن نبذلها ونقدّمها في سبيل الآخرين. ولذلك فالذين يريدون أن يعيشوا لأنفسهم فقط، والذين يرون معنى الحياة في الانطواء على ذواتهم، يفقدون قيمتها الحقيقية. وهذا، في رأيي، مهم جدًا في ثقافة فردية بشكل مفرط كتلك التي نحن منغمسون فيها. ولذلك يعني التفكير حول الحياة، وحول إنجيل الحياة، التطرق إلى إحدى النقاط الحاسمة في مستقبل كوكبنا.
أضاف المطران فينشينزو باليا متحدثًا عن الرسالة العامة “إنجيل الحياة” وقال في رأيي، تلقي الرسالة العامة “إنجيل الحياة” الضوء على مركزية الإنسان والدفاع عن الحياة في لحظة حاسمة في التاريخ. وهذا الضوء ليس ضوءًا ثابتًا. لقد شكّلت هذه الرسالة العامة تحفة من روائع البابا يوحنا بولس الثاني قبلها البابا بندكتس السادس عشر، وبطريقة ما، تعمق أيضًا في أحد جوانبها، على سبيل المثال، أولويّة التكنولوجيا على الإنسان. ننتقل بعد ذلك إلى حبرية البابا فرنسيس الذي يدعونا للدفاع عن الحياة في جميع مراحلها الحاسمة، لنتوصّل اليوم إلى القدرة على التحدث أيضًا حول أخلاقيات البيولوجيا العالمية، بشكل لاهوتي وعلمي. من هنا أخذ البابا فرنسيس شعاع نور الرسالة العامة “إنجيل الحياة” الذي كان بندكتس السادس عشر قد جعله أكثر إشراقًا وقام بتوسيعه، لكي ينير نور لاهوت الحياة، ونور البشرية كمكان لله، جميع زوايا الحياة البشرية. وأيضًا من تلك الحياة التي سيتعين عليها مواجهة التحديات الهائلة الجديدة المرتبطة بالتقنيات الناشئة والمتقاربة. أفكر، على سبيل المثال، في موضوع الذكاء الاصطناعي أو حتى في جميع القضايا المتعلقة بالهندسة الوراثية. هذا هو السبب لكوننا في تطوير للتفكير الذي أعتقد أنه من المهم فهمه، ومرافقته، ونسمح لنور تعليم الباباوات بأن يقودنا.
تابع رئيس الأكاديمية الحبرية للحياة متحدثًا عن زمن الوباء الذي علّمنا قيمة الحياة أكثر من أي وقت آخر وقال إن الوباء الذي جعل العالم يركع على ركبتيه، ولمس الحياة في جوهرها، قد أعاد إظهارها لنا هشّة، ومع هشاشتها اكتشفنا الترابط الجذري في حياتنا. وهذا ما تُظهره الكمامات التي لا تستخدم فقط لتساعدنا في حماية أنفسنا، وإنما أيضًا لحماية الآخرين. بهذا المعنى، أصبحت الحياة مترابطة بشكل متزايد، لدرجة أنّه يمكننا القول – ويطيب لي أن أؤكد ذلك – إنّه لا وجود للحياة بشكل مجرد، يوجد أشخاص، يوجد سبع مليارات رجل وامرأة يعيشون على هذا الكوكب اليوم. هذه هي الحياة؛ وحياة هؤلاء السبعة مليارات، تمامًا كحياة كل شخص، هي مرتبطة أيضًا بالبيئة، ومرتبطة أيضًا بحياة المدينة وحياة النظام البيئي. وفي هذا الموضوع قدّم البابا فرنسيس درسًا مميّزًا في الرسالة العامة “كُن مسبّحًا”. وبالتالي من الأهميّة بمكان أن نحافظ على هذا المنظور الملموس. بهذا المعنى، وبينما نستمر في دعم حرمة الحياة بقوة، في ولادتها كما في نهايتها، نحن مقتنعون بأنه من الضروري الدفاع عنها طوال فترة وجودها، وفي جميع الظروف التي يعيش فيها الرجال والنساء. لذلك، بالإضافة إلى المعارك المهمة المتعلقة ببداية الحياة ونهايتها، علينا أن نفكر بمسؤولية في الالتزام الحاسم لكي يعيش الجميع جيدًا وبشكل أفضل. ويكشف لنا الوباء عن التفاوتات العميقة الموجودة والتي لا يجب أن نقبلها. لا بل يجب أن نشعر بالصدمة عندما نرى أننا جميعًا في العاصفة عينها، عاصفة الوباء على سبيل المثال، وإنما في قوارب مختلفة والقوارب الأضعف تقلبها الأمواج وتغرقها بدون أن نتأثر بذلك. لذلك فإن الأفق الذي يفتحه لنا الوباء حول شرف الحياة والدفاع عنها وتعزيزها، هو أفق نبوءة عظيمة، والتزام كبير، وبالتالي هو أيضًا دعوة ملحّة لتحالف كبير بين جميع المؤمنين وجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، لكي يتمتّع الجميع بحياة كريمة. وبهذا المعنى، تظهر مواضيع الأخوة والسلام والكرامة الخاصة بكل شخص وبالعائلة البشرية بأسرها.