الميلاد السماوى للاب جوزيف ماري
بعد رحلة حياة غنية بالإيمان وحافلة بالعطاء فى خدمة النفوس انتقل إلى المجد السماوي يوم الاحد 7 فبراير 2016 الاب جوزيف مارى مؤسس معهد التربية الدينية باسيوط والمرشد الروحي لنشاط جنود مريم بالايبارشية ورئيس رهبنة البرادو بمصر . وقد ترأس صلاة الجناز على روحها الطاهرة بكاتدرائية ام المحبة الالهية بمدينة اسيوط صاحب النيافة الانبا كيرلس وليم مطران اسيوط للاقباط الكاثوليك وسط كوكبة من الاباء الكهنة رعاة الكنائس ولفيف من الأخوات الراهبات إلى جانب مشاركة القس باقى صدقة راعى الكنيسة الانجيلية الاولى فضلاً عن حضور عدد كبير من ابناء الايبارشية ومحبى الراحل الجليل . يتناول التقرير التالى أبرز المحطات فى حياة معلم الاجيال بايبارشية اسيوط للاقباط الكاثوليك .
الأب جوزيف مارى واحد من المرسلين الرواد الذى وهبه الله نعمة القبول الاجتماعى فأجمع على محبته القاصى والداني . لصوته الرخيم صدى بعيد فى قلوب مريديه ، ولتعاليمه الشفهية والمكتوبة وقع عميق فى نفوس تلامذته وسامعيه . لذا جاءت حياته صورة بديعة لمسيرة المعلم القدوة والكاهن الذبيحة .
(1 ) – السطر الأول :
فى 16 يوليو 1925 ولد جوزيف مارى جرزيسيك بمدينة تشنتوجوفا فى بولندا ، وفى المزار المريمي الشهير بالمدينة بدأ السطر الأول فى المسيرة الروحية للمعلم الأب جوزيف مارى . حيث تربى إيمان الطفل جوزيف على وقع صلاة المسبحة الوردية من فم والداته التقية التى تضرعت فى صلاتها أن يكون جوزيف مرسلاً يخدم الرب فى افريقيا، فسكب الروح القدس نعمته فى قلب الصبى وكان للأم ما أرادت . أنضم جوزيف إلى جمعية إخوة المدارس المسيحية ” الفرير ” فى عام 1938 حيث حصل على تعليمه الإبتدائي والثانوي . ثم بعث إلى دراسة الأدب الفرنسى فى باريس وحصل على ليسانس الآداب فى اللغة الفرنسية . وعلى مدى سنوات الدراسة تشرب الشاب جوزيف مارى روحانية رهبنة الفرير فى الاهتمام بالتعليم وتثقيف النشئ وبعد اتمام مرحلة الدراسة بدأ أولى محطاته على طريق الرسالة .
( 2 ) – الاسكندرية والحوار الثقافى :
لما كان التعليم رسالة رهبانية الفرير وروحانيتها لذا أرسلت الرهبنة الأخ جوزيف مارى إلى مصر لتدريس اللغة الفرنسية بكلية سان مارك فى الأسكندرية وذلك فى سبتمبر 1949 . وعلى ضفاف عروس البحر الأبيض المتوسط عرف جوزيف مارى مصر التعددية والإلتقاء الحضارى حيث كان بين تلاميذ المدرسة طلاب مصريين وعرب وأجانب . فعشق الأخ جوزيف حياة المصريين وفى سعيه للتواصل مع طلابه التحق بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة فى عام 1953 و درس الأدب العربي على أيدي العمالقة من الأدباء والمفكرين أمثال طة حسين وسهير القلماوى وشوقى ضيف . وفى عام 1959 تولى إدارة مدرسة القديس يوسف بالخرنفش حتى منتصف الستينات حيث فتح له الرب باباً جديداً للخدمة على أرض أسيوط فى قلب مصر .
( 3 ) – الرسالة فى الصعيد :
كانت الزيارة الأولى للأخ جوزيف مارى إلى أسيوط عاصمة الصعيد عام 1951 بصحبة رئيس رهبنة الفرير حيث التقت الرهبنة بمطران الايبارشية آنذاك طيب الذكر الأنبا الكسندروس إسكندر . وقد زار الرجلين فى معية الاسقف أكثر من 16 قرية بأسيوط . وكان لهذه الزيارة تاثير كبير فى نفس الراهب الشاب الذى تطلع لأن يقوم برسالتة على هذه الأرض البكر ووسط هؤلاء الاطفال والشباب الفقراء والمتعطشين إلى التعليم والتثقيف الديني . ومن هنا ولدت الفكرة الحلم بتأسيس معهد للتكوين الديني بأسيوط يتخرج منه مدرسي الدين المسيحي بالمدارس والكنائس فى مختلف ايبارشيات الصعيد . وانتخب الاساقفة الاقباط الأخ جوزيف مارى مديراً للمعهد وتم الافتتاح الرسمى فى 16 أكتوبر 1966 برئاسة وحضور طيب الذكر غبطة البطريرك الأنبا اسطفانوس الأول . ومنذ ذلك التاريخ وعلى مدى أربعين عاماً تولى الأب جوزيف مارى إدارة المعهد بهدف النهوض بخدمة التربية الدينية فى أسيوط وقد عاونه فى العمل فريق طويل من السادة الاساقفة والأباء الكهنة والراهبات والعلمانيين الغيورين حتى أضحى معهد التربية الدينية هو المؤسسة التعليمية الأولى فى الإيبارشية . وإلى جانب إدارة المعهد يحرص الأب جوزيف مارى إلى الآن على تدريس الكتاب المقدس لطلاب الفرقة الثالثة مادة ” الأنبياء ” . حيث يسعى إلى تكوين رؤية نبوية فى خدام وخادمات التعليم المسيحى . وعلى جانب أخر واصل الأب جوزيف مارى رسالته فى خدمة التعليم المدني حيث قام بتدريس مادة اللغة الفرنسية بمدارس السلام الانجيلية بأسيوط منذ عام 1967 حتى خروجه إلى المعاش . وكان التدريس فرصة لأن يتواصل الأب جوزيف مارى مع أبناء الصعيد حيث كان يتوافد إلى المدرسة طلاب من بنى سويف شمالاً حتى أسوان جنوباً . ومازالت عبارته الخالدة لطلابه ” إننى لا أفرق بين الخدمة على المذبح والتدريس فى الفصل ” تتناقلها الأجيال حياة وشهادة .
( 4) – المرافقة الروحية :
كانت حياة الخدمة الرسولية التى يعيشها الراهب جوزيف مارى بين الشباب دافعاً لأن يقترب منه الكثيرون ويطلب مشورته المحتاجون . ومن هنا دعاه الرب لأن يقوم برسالة المرافقة الروحية للشباب والعائلات والأنشطة الكنسية بالأخص الراهبات الهنديات ونشاط جنود مريم الذى منحته السطة الكنسية أن يكون مرشداً عاماً للمجلس الأعلى فى أسيوط . وكان للاحتياج الروحى دور فى أن يطلب الشباب من الراهب جوزيف مارى أن يكون كاهناً ، وبالفعل تقدم الأخ جوزيف مارى بطلبه إلى المجمع العام لرهبنة الفرير . ولما كانت روحانية الرهبنة لا تسمح بذلك نال الأب جوزيف مارى سر الدرجة الكهنوتية فى 20 أبريل 1974 عن يد مطران اللاتين أمان هوبير ببازيليك مصر الجديدة فى حضور عدد كبير من الاساقفة الاقباط والكهنة والراهبات وجمع من أحباء الأب جوزيف . وعقب سيامته الكهنوتية أسس الأب جوزيف مارى والأب ميشيل لوبورديه جماعة ” البرادو ” وهى جماعة رهبانية تتكون من كهنة ايبارشيين وعلمانيين مكرسين يتعاونون معاً من إجل حياة رسولية فى قلب العالم . كذلك تقوم رسالة البرادو على إعداد مدرسين صالحين للتعليم المسيحى وتنشئة كهنة فقراء لتبشير إخوتهم من المحتاجين ، وقد تولى الأب جوزيف مارى رئاسة الرهبنة بمصر حقبة طويلة .
( 5 ) – التجسد على ضفاف النيل :
بدراجته القديمة كان يطوف الأب جوزيف مارى شوارع أسيوط يتأمل الوجوه ويصغى إلى دقات القلوب . وفى مسكنه المتواضع الذى لا يتجاوز الحجرتين وقد خص إحدهما للصلاة والسجود أمام القربان ، توافد الكثير من الشباب فى محاولة للإصغاء والاستنارة على طريق الحياة . حتى إتسع قلب الرجل حباً للجميع وتوحداً مع الآم الناس وأمالهم . وفى محاولة للتجذر بالأرض المصرية تقدم الأب جوزيف مارى بطلب إلى الحكومة للحصول على الجنسية المصرية وأجابت الحكومة المصرية مطلبه تعبيراً عن قناعتها بانتماء الرجل ودوره الرائد فى التعليم الديني والمدني . وأصبح بذلك الأب جوزيف ماري هو أول مرسل كاثوليكى يحصل على الجنسية المصرية . وعن هذا الأمر قال سيادته فى أكثر من مناسبة أن الحب هو الذى دفعه إلى طلب الحصول على الجنسية المصرية وأنه على مثال يسوع الذى تجسد وسكن فى الناصرة سعى الأب جوزيف ماري للحضور إلى مصر ليخدم ويدفن بين أبنائها الطيبين .
تقرير – ناجح سمعـان