بين ماضي ومستقبل
نشيد الأناشيد
للأب هاني باخوم
اليوم بدون مقدمات، أتى الوقت، فرغ الصبر، احتاج أن افهم لماذا تستغيث حبيبة النشيد بصديقاتها؟ بين ذراع حبيبها وتتألم. مرضت بالحب ولا تطلب الشفاء. ماذا يحدث؟ والاهم، هل مرتبطة بآلامي وآلامك، ام إنها قصة فيلم رومانسي ستنتهي بعناق، وكلمة “النهاية” ويسدل الستار؟
هذه الحبيبة لا تستطيع أن تخبئ ما بداخلها، عيناها تفضحها، كلماتها تكشفها، آهاتها تذيع خبرها. ها هي تبيح لنا بآلامها (1: 6-7) وتقول:”لا تَلتَفِتْنَ إِلى كَوني سمراء”. ماذا يعني؟ البنت المحمية ببيتها، المعززة حتى يأتيها عريسها، كانت تحافظ على لونها، كان لديها من الخدم من يخرج عنها كي يرعى القطيع وهي سيدة بالبيت، ولكن اللواتي اجبرن على الخروج، والخدمة طوال النهار تحت الشمس، نظرا لفقرهم او لأي سبب أخر، يصبحن سمر، علامة على إنهم تربوا بالحقول وليس بديارهم…
نعود لحبيبتنا… تقول إنها تتألم لأنها ترى في عيون كل من حولها نظرة لوم وعتاب، سخرية ومعايرة على شكلها وماضيها. هذا يؤلمها بل ويدمر كيانها، لأنه قادم من المقربين، تبقى في أنظارهم نظرة تقول: لا تنسي انكِ سمراء.. فتبدأ الحبيبة في الدفاع عن نفسها: نعم إني سمراء، تعرف لماذا؟ لان “غَضِبَ علَيَّ بنو أمي فجَعَلوني ناطورةً لِلكُروم” نعم لهذا أصبحت سمراء لان من حولي أجبرني أن اخرج من البيت، واقع الحياة دفعني، لم ارغب! دفعوني لهذا الاتجاه، نعم أنا سرت فيه ولكن …ولكن..لا اعلم! هناك من خرج من البيت لأنه اجبر على ذلك، وهناك من خرج لأنه أراد أن يهرب، فقسوة الشمس كانت له أهون من راحة البيت. هناك من خرج لأنه خُدع. ادم وحواء خرجوا من البيت لأنهم صدقوا الحية. الابن الأصغر خرج لأنه كان يرغب أن يتمتع بأموال أبيه. المهم ان هذه الحبيبة خرجت من البيت وتدافع: جعلوني حارسة على كل الكروم، اخدم الجميع، علامة في الكتاب على استعباد الآخرين واستغلالهم لها، ليس فقط المقصود بعلاقة جسدية، ولكن محاولة إرضاء الجميع، لنوال عطفهم، حبهم. نعم أجبروني كي أحيا وأكون أن أكون لهم، في خدمتهم، ولكن: “الكَرْمُ الوحيد الَّذي هو لي لم احرسه”. نعم كرمي، اي حبيبي الذي كان يجب ان أكون له فقط، لم أجده، لم أراه، لم يأتي، أعطيت الجميع من ذاتي وكنت أتمنى أن أعطيه هو كل ذاتي ولكن لم يجعلوني احرس هذا الكرم.
كفى أيتها الحبيبة فهمنا لماذا تتألمي؟ لكن الآن أنتي بين ذراعي كرمك، انسي، احرسي كرمك. فتقول: “أَخبِرْني يا مَن تُحِبّه نَفْسي: أَينَ تَرْعى وأَينَ تُربِض عِندَ الظَّهيرة؟ لِئَلاَّ أَكونَ تائِهةً عِندَ قُطْعانِ أَصْحابِكَ.” تقول له انتبه!! اخبرني أين ترعى، لا أريد أن أضيع وراء أصدقائك، لا أريد أن امنح ذاتي من بعد لغيرك، أنت كرمي الوحيد. والحبيب يرد ويقول لها: “أنتي الحب” (2/7، 7/7). الحبيب يرد على ماضيها بكل مافيه، بكلمة أنتي الحب. لا يدافع عنها ولا يبررها، لا يهاجمها ولا يطبطب عليها، يقول ”أنتي الحب”. بداية جديدة، مستقبل وليس ماضي. ولادة جديدة. فقط كلمتين.
أتكون هذه صورة لحياتنا وخبرتنا مع الله. نحن الذي خرجنا من بيت الأب مبكرا، وتلطخ لوننا بسمار الخطيئة، خلعنا زى البر، وارتدينا العالم، أتكون هذه خبرتنا وألان نسمع صوت الحبيب يقول لنا ”أنت الحب”. نعم بالاعتراف اسمع هذا الصوت يقول لي “أنت الحب”.
ألهذا فقط تتألمي يا حبيبة النشيد؟ …يبدو أن هناك شيء أخر أعمق.
للمقالة القادمة… خميس عهد مبارك.