انفصال الزوجين- الأب د. أيوب زكي
مقدمة
إن الزواج، حسب التقليد الشرقي، هو سر مقدس يحتفل به المعمّدون بواسطة الطقس المقدس، بحضور الكاهن المختص الذي يحضر ويبارك، وفي تلك اللحظة ينشأ الوثاق الزوجي. إن التقنين الجديد، الذي اصطبغ صبغة روحية ورعوية، ليوضح بجلاء التعليم الخاص بحل الزواج.
1- حل الوثاق
أ- عدم انحلال الزواج المكتمل بين المعمدين
يقرر القانون 853 : “إن وثاق سر الزواج، لا يمكن حله بأي سلطان بشري ولأي سبب كان، ما عدا الموت”. إنه مبدأ عدم الانحلال المطلق للزواج المكتمل والمحتفل به بين المعمدين. لا يمكن للكنيسة أن تفسخ زواجاً صحيحاً ومكتملاً، إذ أنها لا تملك هذا السلطان. ولكن لأسباب بالغة الأهمية، ومن أجل الإيمان، وخلاص النفوس، يمكن فسخ الزيجات الأخرى من قبل السلطة الكنسية المختصة.
ب- حل زواج طرفين غير معمَّدِين (الامتياز البولسي)
يقرر القانون 854 البند1: “الزواج المبرم بين طرفين غير معمدين، ينحل بحكم الشرع بناء على الامتياز البولسي، في صالح إيمان الطرف الذي يقبل العماد، إذا احتفل هذا الطرف بزواج جديد وبشرط أن يهجره الطرف غير المعمد. البند2- يعتبر الطرف غير المعمد قد هجر إذا رفض مساكنة الطرف المعمد بسلام ومن غير إهانة الخالق، ما لم يتح الطرف المعمد بعد قبوله العماد، سبباً صوابياً ليهجره الآخر”. يطبق هذا القانون ما يسمى بالامتياز البولسي، دون المساس بمبدأ عدم انحلال الزواج، كما هو مقرر في الشرع الإلهي.
يعلم الرسول بولس: “أما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب بأن لا تفارق المرأة رجلها، إن فارقته فلتبق غير متزوجة أو فلتصالح رجلها. ولا يترك الرجل امرأته، وللباقين أقول أنا لا الرب إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة وهي ترتضي أن تقيم معه فلا يتركها، والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي أن يقيم معها فلا تترك رجلها، فإن الرجل الغير المؤمن يقدس بالمرأة الغير المؤمنة والمرأة الغير المؤمنة تقدس بالرجل المؤمن وإلا فيكون أولادكم نجسين والحال أنهم قديسون، وإن فارق الغير المؤمن فليفارق فليس الأخ أو الأخت مستعبداً في مثل هذه الأحوال وإنما دعانا الله إلى السلام” (1كو 10:7-16).
على ضوء تعليم الرسول بولس، تفسخ الكنيسة زواج المعمَّد بطرف غير معمَّد لا يريد أن يعيش في سلام، وذلك مراعاة لإيمان الطرف المسيحي، لذلك تولي الكنيسة أهمية خاصة بالحياة في المسيح، أكثر من حياة زوجية، لم تكن ولن تكون تكريساً وسراً حقيقيين، على غرار الزواج بين المعمدين. ولتطبيق مبدأ الامتياز البولسي، يجب أن تتوافر بعض الشروط:
(1) يجب أن يكون زواج غير المعمدين تم عقده صحيحاً على ضوء الشرع الطبيعي أو القانون المدني، ولا يهم إذا كان الزواج مكتملاً أم لا. وإذا تحقق وجود سبب مبطل للزواج، في هذه الحالة يستطيع الطرف المعمد الطعن فيه، مطالباً السلطة الكنسية المختصة بإعلان بطلانه. إن مبدأ تطبيق الامتياز البولسي يفترض صحة الزواج المعقود.
(2) يجب أن يقبل العماد طرف واحد، دون الطرف الآخر. وفي حالة عماد الطرفين، لا يطبق الامتياز البولسي، فلا يجاب طلبه، إلا إذا كانت كنيسته تطبقه هي أيضاً، لأن القانون الكنسي يطبق فقط على الكاثوليك (ق780).
(3) يجب أن يرفض الطرف غير المعمد أن يساكن الطرف المعمد بسلام. ولا يطبق الامتياز البولسي إذا قبل الطرف غير المعمد العيش في سلام ودون إهانة الخالق، كما يجوز تطبيقه إذا كان الطرف المعمد، أتاح للطرف غير المعمد سبباً صوابياً للهجر. إن رفض الطرف غير المعمد للعيش بسلام مع الطرف المعمد، يجب التحقق منه عن طريق استجواب، كما يقرر القانون 855 البند1: ليحتفل الطرف المعمَّد بزواج جديد على وجه صحيح يجب استجواب الطرف غير المعمد:
(1) إن كان يريد هو أيضاً قبول العماد؛
(2) إن كان يريد ولو مساكنة الطرف المعمد بسلام وبدون إهانة الخالق.
البند2- هذا الاستجواب يجب أن يتم بعد المعمودية؛ ولكن بوسع الرئيس الكنسي المحلي أن يأذن لسبب هام بأن يتم الاستجواب قبل المعمودية، بل بوسعه أيضاً أن يفسح في الاستجواب، سواء قبل أو بعد المعمودية، إذا تبين له عن طريق إجراء ولو مختصر وغير قضائي أن ذلك غير ممكن أو غير مفيد”.
وبالنسبة لطريقة إجراء الاستجواب يقرر القانون 856 البند1: “يتم الاستجواب عامة على يد سلطة الرئيس الكنسي المحلي التابع له الطرف المهتدي، على أن تمنح للطرف الآخر مهلة للرد إذا طلبها، مع تنبيهه أن سكوته يعتبر بعد انقضاء المهلة بدون جدوى رداً سلبياً. البند2- الاستجواب الذي يقوم به الطرف المهتدى ولو على انفراد، صحيح بل جائز، إذا لم يمكن العمل بالصيغة المقررة أعلاه.
البند3- في كلتا الحالتين يجب أن يتضح على وجه شرعي في المحكمة الخارجية إجراء الاستجواب ونتيجته”. إن الهدف من هذا الاستجواب هو معرفة نوايا الطرف غير المعمد. وفي حالة استجواب الطرف المعمد، فهذا لا يتم في السر، بل علانية، لمعرفة إذا كان الاستجواب جاء بالنتيجة المرجوة منه. بعد ذلك، يمكن الاحتفال بزواج جديد للطرف المعمد، كما جاء في القانون 857: “يحق للطرف المعمد أن يحتفل بزواج جديد من طرف كاثوليكي:
(1) إذا أجاب الطرف الآخر بالنفي على الاستجواب؛
(2) إذا أهمل الاستجواب على وجه شرعي؛
(3) إذا كان الطرف غير المعمد- سواء تم استجوابه أو لا- واصل في البداية المساكنة بسلام، لكنه هجر في وقت لاحق بدون سبب صوابي؛ وفي هذه الحال يجب أن يسبق الاستجواب [الزوج] وفقاً للقانونين 85 و 856″. كما يتيح القانون الجديد أن يحتفل أيضاً الطرف المعمد بزواج مع طرف غير كاثوليكي، وذلك على ضوء القانون 858: “ومع ذلك بوسع الرئيس الكنسي المحلي أن يسمح لسبب هام للطرف المعمد الذي أفاد من الامتياز البولسي، أن يحتفل بالزواج مع طرف غير كاثوليكي، معمداً كان أو غير معمد، مع العمل بأحكام القانون في الزيجات المختلطة”.
ج- فسخ زواج غير المعمَّدِين
يقرر القانون 829 البند1: “غير المعمد الذي له في آن واحد عدة زوجات غير معمدات، بعد قبوله العماد في الكنيسة الكاثوليكية، إذا شق عليه أن يبقى مع الأولى منهن، له أن يحتفظ بإحداهن ويسرح الأخريات؛ ونفس الأمر يسري على المرأة غير المعمدة التي لها في آن واحد عدة أزواج غير معمدين.
البند2- في هذه الحال يجب الاحتفال بالزواج، حسب صيغة الاحتفال بالزواج المقررة شرعاً، مع العمل أيضاً بالأمور الأخرى التي يقتضيها الشرع.
البند3- على الرئيس الكنسي المحلي أن يعني بتلبية احتياجات الذين سرحوا بما يكفي، وفقاً لقواعد العدل والمحبة والإنصاف، مع اخذ حالة الأماكن والأشخاص الأدبية والاجتماعية والاقتصادية بعين الاعتبار”.
مازال تعّدد الزوجات سائداً في بعض الديانات غير المسيحية. وقد أدخلت الكنيسة بعض القواعد، تحت تأثير الامتياز البولسي، والتي يجب مراعاتها من قبل الطرف غير المعمد الذي بعد قبوله سر العماد، له أن يختار إحدى زوجاته غير المعمدات، وبالأحرى الأولى منهن، والتي تعتبر الزوجة الوحيدة الشرعية حسب القانون الطبيعي. إذا شق على الزوج المعمد البقاء مع الأولى من زوجاته، ونفس الأمر بالنسبة للمرأة التي لها عدة أزواج. وبطبيعة الحال، يجب تلبية احتياجات الذين سرحوا، على ضوء قواعد العدل والمحبة والإنصاف. بعد قبول العماد، يجب الاحتفال بزواج الزوج المتعدد الزوجات بإحدى زوجاته أو الزوجة المتعددة الأزواج بأحد أزواجها، على ضوء صيغة الاحتفال بالزواج المقررة في الشرع. إذا لم يكن في الإمكان اختيار إحدى الزوجات أو أحد الأزواج، ففي هذه الحال يستطيع الزوج المعمد أو الزوجة المعمدة، تطبيق مبدأ الامتياز البولسي، والاحتفال بالزواج، وفقاً للقوانين 854-858.
د- فسخ الزواج بسبب السجن والاضطهاد
يقرر القانون 860: “غير المعمد الذي قبل العماد في الكنيسة الكاثوليكية، ولا يمكنه استئناف مساكنة الزوج غير المعمد بسبب السجن أو الاضطهاد، يجوز له أن يحتفل بزواج آخر، حتى وإن قبل الطرف الآخر في أثناء ذلك المعمودية، مع سريان القانون 853”. في الوقت الحاضر، أكثر من أي وقت مضى، هناك صعوبة، بل استحالة استئناف الحياة المشتركة بين الزوجين بسبب الحروب، أو السجن، أو النزوح، أو الاضطهادات. ويشير القانون السابق ذكره إلى تطبيق مبدأ الامتياز البولسي، في حال زواج بين غير المعمدين، ثم قبول أحد الطرفين العماد في الكنيسة الكاثوليكية، بينما هناك استحالة لمساكنة الزوج غير المعمد.
ه- الامتياز البولسي وحماية القانون
يقرر القانون 861: “عند الشك يتمتع امتياز الإيمان بحماية القانون”. المقصود بالشك هو حول توافر الشروط الضرورية لتطبيق الامتياز البولسي، مثال ذلك الشك في صحة الزواج المعقود في عدم الإيمان. إن المشرع، في حال الشك، ينحاز إلى حل الزواج، لصالح الطرف المعمد وتطبيق الامتياز البولسي. أما إذا كان الشك حول صحة عماد الطرفين، فإن الزواج يتمتع بحماية الشرع ولا يسمح بحله (ق779)، ويعود السبب إلى أنه في حال الاحتفال بزواج جديد، ينقض المبدأ المطلق لعدم الانحلال، بينما الزواج السابق المعقود بين الطرفين مقرر ومكتمل، حتى وإن عقد في عدم الإيمان.
و- حل الزواج غير المكتمل
يقرر القانون 862: “بوسع الحبر الروماني لسبب صوابي أن يحل الزواج غير المكتمل بناء على طلب كلا الطرفين أو أحدهما، وإن رفض الآخر”. إن المقصود بالزواج المكتمل هو الذي تمت فيه علاقة جسدية، تلك العلاقة الحميمة والإنسانية التي تهدف بطبيعتها إلى إنجاب البنين. أما الزواج غير المكتمل هو الذي لم يكتمل بالعلاقة الجنسية. إن للحبر الروماني السلطة لحل هذا الزواج بناء على طلب الطرفين أو أحدهما، سواء كان الزواج بين طرفين معمدين أو طرف معمد وآخر غير معمد. والمقصود بالسبب الصوابي هو كل ما يعود من خير روحي إلى الزوجين. وللحصول على التفسيح في الزواج المقرر وغير المكتمل، يقوم الأسقف الإيبارشي بعمل تحقيق شامل (سماع الطرفين والشهود) ويدعمه برأيه الشخصي، ثم يرسل الملف بالكامل، من أصل وثلاث صور، إلى الكرسي الرسولي (ق 1384).
2- الانفصال مع بقاء الوثاق مقدمة
على الزوجين المحافظة على وحدة الحياة الزوجية وذلك باشتراكهما في السكن والمضجع والمائدة، وهذا حق من حقوقهما وواجب من واجباتهما. إن العشرة الزوجية ليست من الصفات الجوهرية للزواج، بالتالي من حق وواجب كل من الزوجين، أن يقطع شركة الحياة الزوجية.
أ- الانفصال بسبب الزنى
يقول منطوق القانون 863 البند1: “يرجى الزوج كل الرجاء ألا يأبى- بدافع المحبة والحرص على خير الأسرة- الصفح عن القرين الزاني، وألا يقطع شركة الحياة الزوجية، ما لم يكن قد رضي بالزنى أو أتاح له سبباً، أو اقترف هو نفسه الزنى.
البند2- العفو الضمني يحصل إذا عاشر الزوج البريء الزوج الآخر بعطف زوجي من تلقاء نفسه بعد علمه بالزنى؛ لكنه يفترض إذا حافظ لمدة ستة أشهر على شركة الحياة الزوجية بدون رفع الأمر إلى السلطة الكنسية أو المدنية.
البند3- إذا حل الزوج البريء شركة الحياة الزوجية من تلقاء نفسه، يجب عليه في غضون ستة أشهر، أن يحيل قضية الانفصال إلى السلطة المختصة، التي عليها بعد التحقيق في جميع الظروف أن تقدر إن كان ممكناً حمل الزوج البريء على العفو عن الذنب وعدم التمادي في الانفصال”.
يعلمنا الإنجيل المقدس التسامح والصفح عن الغير، ولا تقر الكنيسة الكاثوليكية الطلاق أو التطليق لأية علة. ويدعو القانون الجديد إلى المصالحة والصفح عن القرين الزاني، وللسلطة الكنسية المختصة أن تقرر الانفصال في صالح القرين البريء، لكن لابد أن تتوافر بعض الشروط:
(1) ألا يرضى الزوج البريء بالزنى أو أتاح له سبباً (عندما يكون سبباً لخلق فرصة لذلك، أو أنه أبعد القرين عن بيت الزوجية، أو أنه رفض القيام بواجباته الزوجية)، أو اقترف هو نفسه الزنى.
(2) ألا يعفو الزوج البريء صراحة أو ضمنياً، أو إذا عاشره بعطف زوجي من تلقاء نفسه، بالرغم من علمه بالزنى.
ب- الانفصال لأسباب أخرى
علاوة على الزنى الذي يسبب انفصالاً بين الزوجين، يذكر المشرع أسباباً أخرى، دون أن يحددها وهي تجعل الحياة الزوجية في خطر، أو حياة الزوج والأبناء بالغة المشقة. ويقول منطوق القانون 864 البند1: “إذا جعل أحد الزوجين حياة زوجه أو أبنائه المشتركة في خطر أو بالغة المشقة، فإنه يتيح للطرف الآخر سبباً مشروعاً للهجر بقرار من الرئيس الكنسي المحلي، أو حتى بمبادرته الشخصية إذا كان في التأخير خطر.
البند2- في الشرع الخاص للكنيسة المتمتعة بحكم ذاتي، يمكن تقرر أسباب أخرى ملائمة للشعوب وآدابها والأماكن وظروفها.
البند3- في كل الحالات يجب استئناف شركة الحياة الزوجية لدى زوال سبب الانفصال، ما لم تقرر السلطة المختصة غير ذلك”.
إن الإرادة الرسولية الصادرة عام 1949 قد قررت، في حال افتراق الزوجين، أن يربي الأولاد لدى الزوج البريء، وإذا كان أحد الزوجين غير كاثوليكي فلدى الزوج الكاثوليكي (ق121). لقد ألغى التقنين الجديد مبدأ تربية الأولاد لدى الزوج الكاثوليكي، ولكن إلى الزوج الأكثر جدارة بتربية النسل. إن خطأ الزوج الذي يسبب الانفصال ليس كافياً بأن يربي الأولاد لدى الزوج الآخر.
لإقامة دعوى كنسية للحصول على قرار كنسي لانفصال الزوجين، يعمل بالقوانين 1378-1382؛ يمكن أيضاً أن ترفع دعوى الانفصال لدى المحكمة المدنية. إن انفصال الزوجين لا يعفيهما من الواجب المقدس لتربية الأولاد تربية بدنية ودينية وأخلاقية واجتماعية وثقافية. أما بالنسبة لاحتياجات المعيشة للزوج البريء والأولاد، علاوة على الرئيس الكنسي المحلي، فللقاضي المدني أيضاً أن يقررها، لأن هذا من اختصاص السلطة المدنية، أي في ما يتعلق بآثار الزواج المدنية المحض (ق780 البند1). لذلك يقرر القانون 865: “عند انفصال الزوجين يجب اتخاذ دائماً الاحتياطيات اللازمة لمعيشة الأولاد وتربيتهم”.
عن مجلة صديق الكاهن