حوريب
للأب هاني باخوم
يطيع النبي من جديد؛ يقوم ويأكل. يستعيد الحياة او بالأحرى الرغبة في الحياة. ايليا كان ميتاً والآن هو حي. يستعيد قواه ويبدأ بالسير من جديد لا لكي يهرب من ايزابيل، بل باتجاه جبل حوريب حيث ينتظره الرب. يسير لا هارباً من الموت بل باحثاً عن الحياة. ايليا كأي انسان، إما ان يحيا حياته خائفاً وهارباً من الموت فيموت في كل لحظة، إما باحثاً عن الحياة؛ وما هي الحياة غير مقابلة الرب والتعرف عليه؟
جبل حوريب، جبل لقاء الرب. اسمه يعني بالعبرية “العزلة”، “الجفاف”، و”الصحراء”ً. فالكتاب يقول ان العزلة، الجفاف، والصحراء التي تخترق حياتنا في اوقات عديدة ليست لعنة، او لأن الرب قد نسينا، او لأن الآخرين حملونا اليها، لكن الرب هو الذي قادنا اليها، كي نتقابل معه. في واقع العزلة، والجفاف، والصحراء الذي نجد انفسنا فيه بلا اي امل او رجاء، هناك يقابلنا الرب. في المكان نفسه تلاقى الرب مع موسى (خر 3: 1)، بعد ان اختبر سنين وسنين من الجفاف والعزلة والهروب من ماضيه باحثاً عن هويته. هناك اخرج الرب الماء للشعب من شق الصخرة (خر 17: 6)؛ في الصحراء في واقع الجفاف والموت الرب قادر ان يروينا من الصخرة التي هي رمز الجفاف والقسوة. الرب يُخرج منها ماء وحياة لمن يؤمن به.
ايليا يفهم حياته بهذا المفتاح. يقرأ حياته السابقة: آلامه، صراعاته، خيانة مَن حوله، اضطهاد من يحاول قتله، تجاربه، سقوطه… كل شيء، يقرأه ويفهم انه كان طريقاً يقوده الرب من خلاله الى هذا “الحوريب”. يفهم ان حياة الإنسان ما هي الا نزول من قمة، اوهم نفسه بخدعة من ابليس انه وَضع نفسه عليها، حتى يصل لعمق العزلة وعدم القدرة، كي يتقابل مع الحياة ومع القائم ويرتفع الى القمة الحقيقية التي أُعدَّت له منذ بدء الخليقة. وما العماد الا نزول الإنسان القديم في عمق المياه، علامة الموت، وقيامة انسان جديد، ابن لله. فحياة الإنسان هي عماد طويل: نزول وقيامة جديدة.
هذا هو حوريب. هذا هو جبل الرب. هناك يسكن ويتقابل مع من يترك نفسه وحياته تنقاد منه دون ان يهرب. فالإنسان يحيا هارباً من العزلة، من الصحراء، لانه لا يعلم ان الرب يسكن هناك وينتظره. الإنسان لا يعلم ان في الأحداث التي تعزلنا وتجعلنا نختبر الموت، ينتظرنا الرب كي يعطينا حياة جديدة، حياة ابناءٍ له، لا ابناءً لهذا العالم. لا يعني هذا انه يجب ان نتحمل الآلام كي نُجازى بالخير، لا. بل ان ندخل في الأحداث كي نتقابل مع القائم. وشتان بين المفهومين.
يتقابل ايليا مع الرب، لا في العاصفة او النار، لا في الزلزال، بل في نسمة هادئة. هناك عندما يدخل الإنسان في احداث حياته ويحتضنها، يمر الرب كنسمة هادئة. ماذا سيقول الرب؟ ماذا يجب على ايليا ان يفعل بعد ان تلاقى مع الرب؟
….الى المرة القادمة
ايام مباركة.