بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا يوجّه رسالة عيد الميلاد المجيد لعام 2020
نقلا عن موقع أبونا
نشر الثلاثاء، ٢٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
كتب : فتحي ميلاد – المكتب الأعلامي الكاثوليكي بمصر .
البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا :
“لَا تَخَافُوا، هَا إنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ فَرَحَ الشَّعبِ كُلِّهِ: وُلٍدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَهُوَ الـمَسِيحُ الرَّبُّ” (لوقا 2: 10-11).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
أنا متأكد من أننا كنَّا نوَدُّ الاحتفال بعيد الميلاد بطريقة مختلفة تمامًا. كنا نوَدُّ أن تُدّوِّيَ مدينةَ بيتَ لحم – كما كان الحالُ دائمًا في مثلِ هذا الوقت من السنة – بفرح الاحتفالات في جميع شوارعها، وخاصة لأطفالنا.
لكنّ الأمرَ ليس كذلك. قُلِّصَ كلُ شيء إلى الحدِّ الأدنى الضروري، وغابَتْ الأجواء الاحتفالية التي تميز هذه الفترة من السنة عادةً: غاب الحجاج، الذين كانوا يجلبون فرحتهم بميلاد المخلص إلى بيت لحم، من جميع أنحاء العالم، وكانوا يجلبون أيضًا الابتسامةَ للعديد من العائلات التي تجِدُ نفسَها الآن عاطلةً عن العمل منذ عدّة أشهر. ولا يمكننا أن نلتقي بأعداد كبيرة معًا للاحتفالات الليتورجية. ولم نتمكن من لقاء المجموعات المختلفة التي كانت تنظِّمُ الحَفَلات والاجتماعات في مثل هذه الفترة … باختصار، عيد ميلاد هذه السنة أضواؤه خافتة، ونود أن ننساه.
الوباء والخوف الناجم عنه أثَّر بشكل مباشر أو غير مباشر على الحياة المدنية والدينية في هذه الفترة، ويبدو أنه أصابنا بالشلل. اتَّسم العام الماضي 2020 بالخوف، في الصحة والاقتصاد والسياسة أيضًا … يبدو أن كل شيء قد انقلب بسبب هذا الفيروس الصغير، ولكنه قدير، الذي أوقف في وقت قصير كل مشاريعنا، وتركنا في حالة من الارتباك.
نعم، إنه تحدٍ ّكبير أن نعيش بلا خوف في عالمنا اليوم، عالمٍ لا يتوقف بدينامياته عن تغذية قلقٍ كبير. ونحن نرى بعيوننا، بعيون الجسد كلَّ أسباب الخوف.
ومع ذلك، فإن عيون الروح ترى العلامات التي يقدِّمُها الله للإنسان: تدٌلُّ على حضوره، وقوّتِه الخفية وملكوتِه الذي يظهرُ فينا إن أفسحنا له مكانًا. وما هي العلامات التي تُطَمئِنُنا أن الرب على وشك أن يبدأ ملكوته حقًا؟ ليست الأدِلَّةُ كبيرة وساطعة. وليست أمامنا علاماتٌ خارقة. ولن يظهر أيُّ شيء يقلبُ العالم، لإثبات ما يَحدُث. لأنه لا علاقة لملكوتِ المسيح الرب بقوَّة قيصر أغسطس، ولا بمظاهر قدرة وقوة مَرئيّة. ليس هكذا يأتي الملكوت. الطفل في المذود، هذه هي علامةُ بدايةِ الملكوت الجديد.
لكنها علامة يمكننا أن نتركها بسهولة تمُرُّ من دون أن نراها، ويمكننا أن نمُرَّ بجانبها دون حتى الانتباه إليها، لأننا مختنقون في مخاوفنا وقلقنا. إننا نُغلِقُ أنفسنا بسهولة في وجهات نظرنا البشرية، فلا نلاحظ حضور الملكوت. لا نترك مكانا. لا نترك مكانًا للإيمان به: “لَم يِكُنْ لَهُم مَكَانٌ في المـَضَافَةِ” (لو 2: 7). يمنعنا الخوف من الانفتاح، فنصبح عقيمين، بدلاً من الاستجابة لدعوتنا أننا نحمل الله إلى العالم.
الرعاةُ في الإنجيل قبلوا دعوة الملاك وانطلقوا لرؤية العلامة فتعرَّفوا من خلالها على المسيح الرب، عرفوه في الطفل المـُضجَعِ في المذود.
جاء يسوع ليقلِبَ أفكارنا، ويفاجئ توقعاتِنا، ويهُزَّ وجودَنا… جاء ليوقظَنا من الوهم بأنّنا نعرف كل شيء، وأننا نسيطر على كل شيء، وأن الإحباط هو الجواب الوحيد المنطقي أمام واقع عالمنا المحزن.
لِنترُكْ الروحَ يُرشِدُنا، لنتعرَّفْ مرة أخرى، بالرغم من كل شيء، في حقيقة واقعنا، إلى علامة حضوره. يجب أن نقرر: إما أن نٌوقِفَ نظرَنا في واقعنا في عالم اليوم، بمنطق القدرة والخوف فيه، وإما أن نعرف كيف ننظر إلى ما وراء ذلك، فنرى بعيون الروح حضورَ الملكوت بيننا. إما أن نترك مجالًا للإحباط ولمصاعب العالم، وإما أن نجعل أنفسنا، على الرغم من كل شيء، قادرين على الفرح والحب. ماذا ترى عيوننا اليوم؟ أي حضور؟ هل نحن مثل الرعاة قادرون على تجاوز المظاهر والاعتراف بعمل الله في العالم؟
نحن أنفسُنا مدعوُّون لنصبح علامة. ما تراه أعيننا هو ما يجب أن تشهد له حياتنا بصورة عملية. إذا رأينا بعيون الروح، ستكون لنا حياةٌ غنيةٌ بالروح، وستكون مثمرة.
إذا قررنا الاحتفال بعيد الميلاد هذه السنة أيضًا، فذلك لأننا نؤمن أنه وُلِدَ وهو موجود. علينا أن نصبح علامةَ فرح عظيم، فرح عمانوئيل، أي أن الله معنا، وأن نصبح شهودًا لهذا الفرح “فِي أُورَشَلِيم، فِي كُلِّ اليَهُودِيَةِ وَالسَّامِرَةِ وَإلَى أقَاصِي الأرضِ” (أعمال 1: 8).