stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابية

بولس والعدالة الاجتماعية: ترك الفقير على الباب

788views

1
بولس والعدالة الاجتماعية: ترك الفقير على الباب

(1 كو 11 : 17-33)

 مقدمة

بنظرة عامة على الوضع في مدينة كورونثوس، نجد أن الجماعة المسيحيّة، كانت تلتئم في أكثر من بيت، فقد كان عددها عددها يتنامى يوماً بعد يوم. جماعةٌ صغيرة في مدينة يتجاوز سكّانها نصف مليون نسمة، بما فيهم العبيد الذين يشكّلون الثلث في المدينة، مدينة كانت مركزا للتجارة والثقافات المختلفة مثل كافة المدن الساحلية. والأكثرية في الكنيسة من العمّال وأصحاب الصناعات الصغيرة. عددٌ قليل من المسيحيّين تجاه أكثريّة ساحقة من الوثنيين. ومع ذلك، فهذه الأقليّة يجب أن تكون الخميرةَ في هذه المدينة، ولا تحسب نفسها ضعيفة بسبب عددها. فالخمرُ القليل يخمّر العجين الكثير، والملحُ القليل يعطي الطبخ نكهته، والنورُ يضيء على الذين في البيت كما على الآتين من الخارج. فهل تلعب كنيسة كورنتوس هذا الدور الذي يُنتظر منها؟ لا شكّ في ذلك. ولكن ينبغي عليها أن تجعل شهادتها أكثر شفافيّة، فتفهم أنها مسؤولة عن البشارة، لا في أخائيّة وحسب، بل في بلاد اليونان كلها.

 وصلت الأخبار حول الانقسامات في الكنيسة والتحزّبات إلى بولس الرسول. وعرف بولس أيضاً بما في هذه الجماعة التي أسّسها فكان بمثابة الأب لها، من انفلات أخلاقيّ لم يتحرّر بعدُ منه أولئك الذين جاءوا من الوثنيّة منذ زمن قريب. خلافات داخل الجماعة التي يجب أن تشهد للمسيح في هذا المحيط الوثنيّ، فيمضي المؤمنون إلى المحاكم، ولا يجدون من يتحلّى بالحكمة فيفضّ خلافاتهم. وهناك فوضى في الاحتفالات، ولا سيّما في عشاء الربّ، حيث التمييزُ واضحٌ بين الفقراء والأغنياء، بين الأسياد والعبيد. هل هذه هي الأخوّة المسيحيّة التي تربط الجميع بواسطة سر المعموديّة، وأكل الجسد الواحد وشرب الدم الواحد؟ ([1])

 سياق النص

السؤال المطروح في 11: 17- 34 هو: كيف نحتفل بعشاء الربّ. لم نعد فقط أمام لباسٍ محتشم تلبسه النساء في الجماعة، بل أمام الجماعة التي تستحقّ التوبيخَ بعد أن سيطر عليها الروحُ الدنيويّ. فقد اعتاد المسيحيّون الأوّلون أن يجتمعوا، مرّة في الأسبوع، لا ليمارسوا شعائر العبادة، بل ليأكلوا معاً أيضاً، على ما نقرأ في أع 2: 46: “وكانوا يلتقون كلَّ يوم في الهيكل بقلب واحد، ويكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام بفرح وبساطة قلب”. فالطعام الذي يأكلونه معاً هو طعام المحبّة (أغابي)، وفيه يهتمّون اهتماماً خاصاً بالفقراء في الجماعة. هنا نفهم ما كان يفعله بعضهم. “يبيعون ما يملكون من حقول وبيوت، ويجيئون بثمن المبيع فيُلقونه عند أقدام الرسل ليوزّعوه على قدر احتياج كل واحد من الجماعة” (أع 4: 34- 35).

هو عشاء أخويّ، يذكّر الحاضرين بموت الربّ (لو 22: 14- 20)، ويجعلُهم يعيشون بفرح حضورَ القائم من الموت في وسطهم. عناصر ثلاثة اجتمعت: الأخوّة، حضور الربّ، الفرح. ولكن الكورنثيين جعلوا في وليمة الكنيسة عوائدَ ورثوها عن العالم الوثنيّ، حيث الولائم المقامة إكراماً للآلهة كانت تنتهي في السكر والعربدة. من أجل هذا، وبّخهم الرسولُ وكان قاسياً في توبيخه. ([2])

والتوبيخ الأساسيّ، هو أن العشاء الذي يشاركون فيه ليس عشاء الربّ. فبدلاً من طعام مشترك يشارك فيه كلُّ واحد بحسب امكانيّاته، يبدأ البعض يأكلون ولا ينتظرون الآخرين، ولا سيّما العمّال والعبيد الذين يأتون متأخّرين بعد العمل. هم لا يحملون شيئاً معهم، فيخجلون. ويكتفون بأن ينظروا إلى الأغنياء يأكلون حتى التخمة ويشربون حتّى الارتواء والسكر.

الآيات المحورية في النص

(1 كو 11 : 20-22)

“وأنتم، إذا ما اجتمعتم معا، لا تتناولون عشاء الرب،  فإن كل واحد منكم يبادر إلى تناول عشائه الخاص. فإذا أحدكم جائع والآخر سكرانأفليس لكم بيوت تأكلون فيها وتشربون، أم إنكم تزدرون كنيسة الله وتهينون الذين لا شيء عندهم؟ فماذا أقول لكم؟أأثني عليكم؟ لا، لست أثني عليكم بذلك.

إن سبب غضب القديس بولس وتوبيخه لكنيسة كورونثوس، في الآيات السابقة، يتمثل في أن عشاء الرب ذاته تحول إلى سبب عثرة، وسبب نقص في الحب. فما هو من المفروض أن يكون سبب وحدة وتشجيع وتقوية لكل أفراد الجماعة، أصبح وسيلة للآتي:

1-    الفرز الاجتماعي والتقسيم على أساس طبقي، فأصبحت الكنيسة مثلها مثل كل المجتمع، وأصبحت العلاقة بين أعضاء جسد المسيح محكومة بالأحكام المسبقة والتصنيف المسبق. فالأغنياء لا يريدون مخالطة الفقير ومشاركته في أي شيء، والفقير لا يجد بدّا من أن ينسحب بعيدا عن الأغنياء حتى لايهان، وهذا ما يرفضه أشعياء النبي عندما يقول “ويل للذين يصلون بيتا بيت” فلا يجد الفقير مكانا له بين الأغنياء. ([3])

2-    إهانة الفقير، وحرمانه من التمتع بصورة عملية بالخلاص بيسوع المسيح. فقد أصبح الطعام وسيلة لهلاك الفقير، فمن أهم المبادئ التي يقدمها بولس الرسول في (رو 14 :15) “فإذا حزن أخوك بتناولك طعاما، فلم تعد تسلك سبيل المحبة. فلا تهلك بطعامك من مات المسيح لأجله” ثم يكمل في (رو 14 : 20-23) ” لا تهدم صنع الله من أجل طعام. كل شيء طاهر، ولكن من السوء أن يأكل المرء فيكون حجر عثرة لغيره،  ومن الخير ألا تأكل لحما ولا تشرب خمرا ولا تتناول شيئا يكون حجر عثرة لأخيك … طوبى لمن لا يحكم على نفسه في ما يقرره! ” فالفقير، بسبب سلوك تنقصه المحبة من الأغنياء، لا يستطيع أن يتذوق في حياته الصعبة عمل الله الخلاصي. ويذكرنا بذلك سفر التثنية في شريعة بواكير ثمار الأرض في نص رائع يقول في (تث 26 : 1-11):

” وإذا دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك إياها ميراثا فورثتها وسكنت فيها،  فخذ من بواكير كل ثمر الأرض الذي تخرجه من أرضك التي يعطيك الرب إلهك إياها، وضعه في سلة، وأمض إلى المكان الذي يختاره الرب إلهك ليحل فيه اسمه،  وأت إلى الكاهن الذي يكون في تلك الأيام وقل لي: أعلن اليوم للرب إلهك أني قد دخلت الأرض التي أقسم الرب لآبائنا أن يعطينا إياهافيأخذ الكاهن السلة من يدك فيضعها أمام مذبح الرب إلهكثم تتكلم فتقول أمام الرب إلهك: إن أبي كان آراميا تائها، فنزل إلى مصر وأقام هناك مع رجال قلائل، فصار هناك أمة عظيمة قوية كثيرةفأساء إلينا المصريون وأذلونا وفرضوا علينا عملا شاقافصرخنا إلى الرب إله آبائنا، فسمع الرب صوتنا ورأى ذلنا وعناءنا وظلمنا،  فأخرجنا الرب من مصر بيد قوية وذراع مبسوطة وخوف عظيم وآيات وخوارقوأوصلنا إلى هذا المكان وأعطانا هذه الأرض، أرضا تدر لبنا حليبا وعسلاوالآن هاءنذا آت ببواكير ثمر الأرض التي أعطيتي إياها يا رب. ثم ضعها أمام الرب إلهك، واسجد أمامالرب إلهكوافرح بكل الخير الذي أعطاه الرب إلهك لك ولبيتك، أنت واللاوي والنزيل الذي في وسطك. 

 أسئلة للتأمل

1-    هل عباداتنا اليوم بها ما يكفي من المحبة التي  لا تتركنا نهلك بسلوكنا من مات المسيح لأجله؟

2-    هل نعمل على قدر طاقتنا على تسهيل الحياة على الفقير حتى يستطيع أن يفرح بعمل الله الخلاصي في حياته؟

3-    هل نعرف كيف نشكر الله بطريقة عملية معترفين بما منحه لنا من نعم؟

 


(1)      http://www.paulfeghali.org/index.php?page=books&chapter_id=910   25/2/2010 الساعة 20:30

(2)    http://www.paulfeghali.org/index.php?page=books&chapter_id=932   25/2/2010 الساعة  20:30

     ([3]) T. E. SCHMIDT, “Ricchezza e povertà”, in Dizionario di Paolo e delle sue lettere (a cura di Romano Penna) (San Paolo, Milano 1999); The New Jerome Biblical Commentary (ed. by R. E.   Brown, J. A. Fitzmyer, R. E. Murphy) (New York, 1990) P. 809.