في هذا العدد، نعرض القوانين التمهيدية، والتي توضح بشكل تعليمي فلسفة هذه المجموعة من القوانين، والعلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأخرى، والعلاقة بين هذه القوانين والتعاقدات والمعاهدات المدنية.
نستعرض معًا أهم الموضوعات التي تدور حولها القوانين 1546 وأهمها:
1- المؤمنون بالمسيح وما لهم من حقوق وواجبات.
2- الكنائس المتمتعة بحكم ذاتي والطقوس.
3- سلطة الكنيسة العليا والكنائس البطريركية وكنائس الرئاسات الأسقفية الكبرى.
4- الإيبارشيات والأساقفة.
5- الإكليروس والمتوحدون وسائر الرهبان.
6- سلطان التعليم الكنسي.
7- العبادة الإلهية والأسرار الكنسية.
8- المعمدون غير الكاثوليك وانضمامهم للشركة الكاملة مع الكنيسة الكاثوليكية والحركة المسكونية.
9- الأموال الكنسية وإدارتها.
10- المحاكمات الكنسية وقوانين العقوبات الجزائية.
قبل الدخول في الموضوع الأول: “المؤمنون بالمسيح وما لهم من حقوق وواجبات”، شرّع المشرّع ستة قوانين توضح المبادئ العامة التي تسري عند إصدار هذه المجموعة من القوانين. وقال المشرّع في القانون الأول: “قوانين هذه المجموعة تعني جميع الكنائس الشرقية الكاثوليكية وإياها وحدها، ما لم يقرر غير ذلك صراحة في ما يخص العلاقات مع الكنيسة اللاتينية”.
وهنا لابد من توضيح نقطتين:
1- إن هذه القوانين تخص الكنائس الشرقية الكاثوليكية، ولا نستطيع أن نفرضها على شخص آخر: سواء معمد غير كاثوليكي أو مؤمن غير مسيحي أو غير مؤمن. بالتالي هي خاصّة بالشخص الكاثوليكي فقط الذي لابد أن يخضع لكافة النظم والقوانين والتشريعات الكاثوليكية سواء توافق إرادتنا أو لا توافق.
وعندما ذكر المشرع كلمة “الكنائس الشرقية” في صيغة الجمع، فهذا اعتراف ضمني بخصوصية كل كنيسة شرقية، وما فيها من غنى في طقوسها وتقاليدها وشرعها الخاص الذي ينظمها.
2- يذكر المشرع أيضاً خصوصية الكنيسة اللاتينية “الغربية”، ويوضح اهتمامه بالقوانين التي تنظم العلاقة بين الكنيستين، وكأن المشرع ينظم العلاقة بين رئتين في جسم واحد.
القانون الثاني ينص “قوانين هذه المجموعة التي غالباً ما تتبنى شرع الكنائس الشرقية القديم وتحذو حذوه، يجب قراءتها بالأرجح على ضوء هذا الشرع”.
يربط المشرع بين هذه المجموعة وبين مصدرها، وهناك علاقة بين هذا القانون والقانون السادس الذي ينص عند نفاذ هذه المجموعة:
1- تلغى جميع قوانين الشرع العام أو الشرع الخاص التي تتعارض وقوانين هذه المجموعة، أو التي تتعلق بمادة صياغتها بأكملها هذه المجموعة.
2- تنقض جميع العادات التي ترذلها قوانين هذه المجموعة أو التي تتعارض معها، ولا تعود إلى أكثر من مئة سنة أو ليست عريقة في القدم.
من الواضح أن هذه القوانين تلغي كافة القوانين القديمة، إذ هي ثمرة وخلاصة كل القوانين القديمة، فلا يجوز سريان مفعول هذه القوانين مع القوانين القديمة.
وليست القوانين القديمة التي تعارض هذه القوانين فقط لكن أيضًا العادات والتقاليد. مع هذا الوضوح الصارخ في القانون السادس، إلا إن المشرّع حاول أن يوضح احترام شرع الكنائس الشرقية القديم، والذي هو مصدر هام في التشريع الجديد، ووضّح المشرّع كيف نقرأ القانون الجديد على ضوء الشرع القديم. لا بل في القانون 1501 والذي ينص “إن لم يكن في القانون حكم صريح في موضوع معين فيجب البت في القضية ما لم تكن جزائية، وفقاً لقوانين المجامع والآباء القديسين والعادة المشروعة والمبادئ العامة للقانون الكنسي، مع العمل بإنصاف، وفقاً للفقه الكنسي والتعليم القانوني العام والمستقر”.
بمعنى إذا وُجد في القوانين الجديدة نقص لمعالجة موضوع معين، نرجع إلى القوانين القديمة والعادات المشروعة- مصادر هذه القوانين- لإيجاد حل لأي قضية.
إذًا يحدّد المشرّع في القانون الأول والثاني والسادس علاقة الشعب الكاثوليكي بالقوانين وعلاقة الشرع القديم بالجديد. واحترام شرع الكنائس الشرقية سواء الشرع الخاص أو التقاليد والأعراف القديمة.
يحدد المشرّع في القانون الثالث والرابع والخامس من قوانين التمهيد، علاقة هذه المجموعة من القوانين بالطقوس بالمعاهدات السياسية. وبين الكرسي الرسولي والامتيازات التي يمنحها الكرسي الرسولي للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين.
ينص القانون الثالث “هذه المجموعة وإن كانت كثيراً ما تشير إلى مراسيم الكتب الطقسية إلا إنها غالباً لا تبت في الشئون الطقسية. لذلك يجب العمل بهذه المراسيم بعناية ما لم تتعارض وقوانين هذه المجموعة”.
حيث إن الطقوس تخص كل كنيسة، فالشرع العام لم يتدخل في الشرع الخاص في كل كنيسة، خاصة بما يخص طقوسها. لكن وُضِع نظام عام. مثلاً في القانون 656 والقانون 657 اللذان يوضحان استخدام الكتب الطقسية الحائزة على اعتماد السلطة الكنسية لا غير، من يعتمد الكتب الطقسية للعبادة وكذلك الترجمات أو إعادة طبع الكتب الطقسية هو البطريرك، برضى سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية، بعد إعادة النظر من الكرسي الرسولي. لكن الشرع العام لا يتدخل بشكل مباشر في خصوصيات أي طقس.
والقانون الرابع
“قوانين هذه المجموعة لا تلغي ولا تخالف المعاهدات التي عقدها أو اعتمدها الكرسي الرسولي مع الدول وغيرها من المنظمات السياسية، ومن ثم تبقى سارية على حالتها الراهنة، من غير أن يعوقها ما يخالفها من أحكام [هذه] المجموعة”. أي إن الشرع العام لا يتدخل في أي نظام سياسي يوضح علاقة الكنيسة بالدول، فهذا شأن الكرسي الرسولي والنظم السياسية، لا بل في مواقف وقوانين عديدة يوضح احترام القانون المدني، مثل قوانين المحاكمات وأهمها القانون 1378 البند2.
ينص القانون الخامس:
“عن الحقوق الكنسية وكذلك الامتيازات التي منحها الكرسي الرسولي للأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الاعتباريين، والمعمول بها حتى اليوم بدون أن تُنقَض تبقى بأكملها ما لم تنقضها نصاً قوانين هذه المجموعة”.
يمنح الكرسي الرسولي امتيازات وأنواطًا وشهادات…إلخ إلى بعض الشخصيات الهامة الطبيعية والاعتبارية، حسب مقاييس معينة ومعايير تحددها لوائح خاصة، ويوضح هذا القانون عدم تدخل الشرع العام في أي نظام يخص الامتيازات لا في القديم أو الجديد.
من هذا ومن خلال الستة قوانين التمهيدية نميز بين هذه القواعد العامة. وعمل الشرع العام في الموضوعات العشرة التي نبدأ الشرح فيها في المستقبل.