تأملات رتبة درب الصليب لعام ٢٠١۹
19 أبريل 2019
مقدّمة: مضى أربعون يومًا منذ أن بدأنا، بواسطة وضع الرماد، مسيرة الصوم. واليوم عشنا مجدّدًا الساعات الأخيرة لحياة الرب يسوع الأرضيّة، إلى أن صرخ وهو معلّق على الصليب “لقد تمّ”. إذ نجتمع في هذا المكان المقدّس حيث استُشهد في الماضي آلاف الأشخاص لأنّهم بقوا أمناء للمسيح، نريد الآن أن نسير درب الألم هذه مع جميع الفقراء ومهمَّشي المجتمع والمصلوبين الجدد لتاريخ اليوم، ضحايا انغلاقاتنا وضحايا السلطات والتشريعات، ضحايا العمى والأنانيّة، لكن ولاسيما ضحايا قلبنا الذي قسّته اللامبالاة. مرض نعاني منه أيضًا نحن المسيحيين. ليتمكّن صليب المسيح، أداة الموت وإنما أداة الحياة الجديدة، الذي يجمع في عناق واحد الأرض والسماء، الشمال والجنوب، الشرق والغرب، من أن ينير ضمائر السكان والكنيسة والمشرِّعين وجميع الذين يعترفون بأنهم أتباع المسيح لكي تصل إلى الجميع بشرى الفداء السارة.
المرحلة الأولى: يسوع يُحكَم عليه بالموت
“لَيسَ مَن يَقولُ لي “يا ربّ، يا ربّ” يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات” (متى ٧، ٢١).
تأمّل: يا رب، مَن أكثر من مريم أمِّك عرفت أن تكون لك تلميذة؟ لقد قبِلَت مشيئة الآب أيضًا في المرحلة الأكثر ظلامًا في حياتها، وبقلبها المحطَّم وقفت إلى جانبك. تلك التي ولدتك وحملتك في أحشائها وقبلتك بين ذراعيها، وغذّتك بمحبّة ورافقتك خلال حياتك الأرضيّة بأسرها لم يكن بإمكانها إلا أن تسير درب الجلجلة عينها وتتقاسم معك اللحظة الأكثر مأساوية وألمًا في حياتك وحياتها.
صلاة: يا رب، كم من الأمهات يعشنَ اليوم أيضًا خبرة أمِّك ويبكينَ من أجل مصير بناتهنَّ وأبنائهنَّ؟ كم من الأمّهات وبعد أن ولدنهم وأعطينهم الحياة، يرَونَهم يتألّمون ويموتون بسبب الأمراض وغياب الغذاء والماء والعلاجات الطبيّة وفرص الحياة والمستقبل؟ نسألك من أجل الذين يشغَلون مناصب مسؤولية لكي يُصغوا إلى صرخة الفقراء التي ترتفع إليك من جميع أنحاء الأرض. صرخة جميع تلك الأرواح الشابة التي وبأشكال مختلفة يُحكم عليها بالموت من قبل اللامبالاة التي تولِّدها سياسات حصريّة وأنانيّة. لا ينقصنَّ أبدًا عن أبنائك العمل والضروري من أجل حياة صادقة وكريمة.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا يا رب، لكي نحقق مشيئتك”
– في لحظات الصعوبات والإحباط
– في لحظات الألم الجسدي والنفسي
– في لحظات الظلام والوحدة
المرحلة الثانية: يسوع يحمل الصليب
“مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفسهِ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني” (لوقا ۹، ٢٣).
تأمّل: أيها الرب يسوع من السهل أن نعلِّق المصلوب على صدورنا أو كزينة على جدران كاتدرائياتنا الجميلة وبيوتنا، ولكن ليس من السهل أبدًا أن نلتقي ونتعرّف على مصلوبي اليوم الجدد: المشرّدون والشباب بدون رجاء وبدون عمل وبدون مستقبل، المهاجرون المجبرون على العيش في أكواخ على هامش مجتمعاتنا بعد أن واجهوا آلامًا لا يمكن تصوّرها. للأسف، هذه المخيّمات الغير آمنة، تُحرق وتُدمّر مع أحلام وآمال آلاف النساء والرجال المهمّشين والمستغَلّين والمنسيين. كم من الأطفال أيضًا يتعرّضون للتمييز بسبب أصولهم أو لون بشرتهم أو طبقتهم الاجتماعية! كم من الأمهات يتعرَّضن للذلِّ في رؤيتهنَّ لأبنائهنَّ مهانين ومحرومين من فرص أترابهم ورفاقهم في المدرسة!
صلاة: نشكرك يا رب، لأنّك أعطيتنا المثال بواسطة حياتك حول كيفية ظهور الحب الحقيقي والمتجرّد نحو القريب ولاسيما نحو الأعداء أو بكلِّ بساطة نحو من هو ليس مثلنا. أيها الرب يسوع، كم من المرات نحن تلاميذك أيضًا قد أعلنّا جهرًا أننا أتباعك في الأوقات التي كنت تقوم بها بالشفاءات والآيات، وعندما أشبعت الجمع وغفرت الخطايا. ولكن لم يكن من السهل علينا أن نفهمك عندما كنت تتكلّم عن الخدمة والمغفرة والتخلّي والألم. ساعدنا لكي نعرف أن نضع حياتنا على الدوام في خدمة الآخرين.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا يا رب لنرجو”
– عندما نشعر أننا متروكين ووحيدين
– عندما يصعب علينا إتباع خطواتك
– عندم تصبح خدمة الآخرين صعبة
المرحلة الثالثة: يسوع يقع تحت الصليب للمرّة الأولى
“لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا” (أشعيا ١٢، ٢٤).
تأمّل: أيها الرب يسوع، على الدرب القاسية التي تحمل إلى الجلجلة أردت أن تختبر الهشاشة والضعف البشري. ما كانت الكنيسة لتكون ما هي عليه اليوم لولا حضور وسخاء العديد من المتطوّعين والسامريين الجدد للألفية الثالثة؟ في إحدى ليالي كانون الثاني الباردة، على طريق في ضواحي روما، ثلاث طفلات أفريقيات، جاثمات على الأرض يُدفِّئنَ أجسادهنَّ اليافعة ونصف العارية حول موقدٍ. وخلال مرور بعض الشباب بالسيارة، ولكي يتسلوا، رموا على النار موادًا قابلة للاشتعال وسبّبوا لهنَّ حروقًا خطيرة. في تلك اللحظة عينها مرّت إحدى وحدات المتطوّعين وأنقذتهنَّ وحملتهنَّ إلى المستشفى ليتمّ بعدها استقبالهنّ في دار رعاية. كم من الوقت سيكون ضروريًّا لكي تُشفى تلك الفتيات ليس من حروق أعضائهنَّ وحسب وإنما أيضًا من ألم وذلِّ أن يجدنَ أجسادهنّ مشوّهة إلى الأبد؟
صلاة: نشكرك يا رب على حضور العديد من السامريين الصالحين للألفية الثالثة الذين لا يزالون اليوم أيضا يعيشون خبرة الطريق وينحنون بمحبة ورأفة على العديد من الجراح الجسديّة والنفسية لمن يعيش في كلِّ ليلة الخوف والرعب من الظلمة والوحدة واللامبالاة. للأسف يا رب كثيرًا ما لا نعرف اليوم كيف نتنبّه لمن هو في عوز، ونرى من هو جريح ومهان. غالبًا ما نطالب بحقوقنا ومصالحنا ولكننا ننسى حقوق ومصالح الفقراء والذين يقفون في آخر الصف. إمنحنا يا رب نعمة ألا نقف غير مبالين إزاء بكائهم وآلامهم وصرخة ألمهم لكي نتمكّن من أن نلتقيك من خلالهم.
لنصلَّ معًا قائلين: “علمنا يا رب أن نحب”
– عندما يكون مُلزِمًا أن نكون سامريين:
– عندما نتعب لكي نغفر:
– عندما لا نريد أن نرى آلام الآخرين:
المرحلة الرابعة: يسوع يلتقي مريم أمّه
“وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة” (راجع لوقا ٢٢، ٣٥)
تأمّل: يا مريم، لقد تنبأ لك سمعان الشيخ عندما قدّمتِ الطفل يسوع إلى الهيكل من أجل طقس التطهير أنَّ سيفًا سيجوز في قلبك. حان الوقت الآن لتجدّدي الـ “نعم” التي قلتيها واتباعك لمشيئة الآب حتى وإن كانت تسبب ألمًا شديدًا مرافقة ابنٍ إلى الموت، تتمّ معاملته كلص. إرحم يا رب، العديد والكثير من الأمهات اللواتي سمحنَ لبناتهنَّ الشابات بالذهاب إلى أوروبا آملات بمساعدة عائلاتهنَّ اللواتي تعشنَ في فقر مُدقع ولكنّهنَّ وجدنَ الذلَّ والاحتقار وأحيانًا الموت أيضًا. على مثال الشابة “تينا” التي قُتلت بوحشيّة على الطريق ولها من العمر عشرون سنة فقط تاركة طفلة عمرها بضعة أشهر.
صلاة: يا مريم، أنت تعيشين في هذه اللحظة المأساة عينها للعديد من الأمهات اللواتي يتألّمن بسبب أبنائهنَّ الذين ذهبوا إلى بلدان أخرى آملين بأن يجدوا فرصًا من أجل مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم ولكنّهم للأسف وجدوا الذلَّ والاحتقار والعنف واللامبالاة والوحدة وحتى الموت. أعطهم يا مريم القوة والشجاعة.
لنصلِّ معًا قائلين: “اجعلنا يا رب نعرف كيف نعضد على الدوام ونعزّي ونكون حاضرين لتقديم المساعدة”
– لنعزّي الأمهات اللواتي يبكين مصير أبنائهنَّ:
– لمن في الحياة فقد كلّ رجاء
– لمن يتعرّض يوميًّا للعنف والاحتقار
المرحلة الخامسة: سمعان القيرواني يعين يسوع على حمل الصليب
“لِيَحمِل بَعضُكم أَثْقالَ بَعض وأَتِمُّوا هكذا العَمَلَ بِشَريعةِ المسيح” (غلاطية ٦، ٢)
تأمّل: أيها الرب يسوع، لقد شعرت على الجلجلة بثقل وتعب حمل صليب الخشب القاسي. لقد رجوت عبثًا بتصرّف مساعدة من قبل صديق أو واحد من تلاميذك، أو واحد من العديد من الأشخاص الذين خفَّفت آلامهم. لكن وللأسف، وحده مجهول، سمعان القيرواني، ساعدك مجبرًا. أين هم اليوم القيروانيين الجدد للألفية الثالثة؟ أين نجدهم؟ أريد أن أذكر خبرة مجموعة من الراهبات من جنسيات وانتماءات مختلفة، نزور معًا منذ أكثر من سبعة عشر سنة كل يوم سبت مركزاً في روما لنساء مهاجرات بدون أوراق ثبوتية، نساء شابات ينتظرن معرفة مصيرهنَّ الذي يتأرجح بين الترحيل وإمكانيّة البقاء. كم من الألم ولكن كم من الفرح أيضًا نجد في هؤلاء النساء إذ يجدن أنفسهنَّ أمام راهبات قادمات من بلدانهنَّ ويتحدّثنَ لغتهنَّ ويمسحنَ دموعهنَّ ويتقاسمنَ معهنَّ أوقات صلاة وعيد تجعل الأشهر الطويلة التي يقضينها بين قضبان حديديّة وأرض من الاسمنت أقلَّ قساوة.
صلاة: من أجل جميع قيروانيّي تاريخنا. لكي لا تخفَّ أبدًا رغبتهم في استقبالك تحت شكل أخيري الأرض مدركين أنّهم باستقبالهم لأخيري مجتمعنا هم يستقبلونك أنت. ليكن هؤلاء السامريون صوت من لا صوت له.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا يا رب، لكي نحمل صليبنا”
– عندما نكون تعبين ومحبطين
– عندما نشعر بثقل ضعفنا
– عندما تطلب منا أن نتقاسم آلام الآخرين
المرحلة السادسة: فيرونيكا تمسح وجه يسوع
“كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه” (متى ٢٥، ٤٠)
تأمّل: نفكّر في الأطفال في مختلف أنحاء العالم الذين لا يمكنهم أن يذهبوا إلى المدرسة ويتمُّ استغلالهم في المناجم والحقول وصيد السمك، يبيعهم ويشتريهم تجار الأجساد البشريّة من أجل زرع الأعضاء، وكذلك يُستغلّون على طرقاتنا من قبل كثيرين، بما فيهم مسيحيين أيضًا، قد فقدوا معنى قدسيّتهم وقدسيّة الآخرين. على سبيل المثال قاصرة نحيلة، التقيتُ بها ليلةً في روما، وكان رجال على متن سيارة فخمة يصطفّون لاستغلالها، بالرغم من أنها كانت من عمر بناتهم… أي خلل يمكنه أن يخلق هذا العنف في حياة العديد من الشابات اللواتي يختبرن استغلال وكبرياء ولامبالاة الذين، ليلاً ونهارًا، يبحثون عنهنَّ ويستعملونهنَّ ويستغلّونهنَّ ليعودوا ويرمونهنَّ مجدّدًا على الطريق فريسة لتاجر الأرواح المقبل!
صلاة: أيها الربُّ يسوع، نقِّ عيوننا لكي نعرف أن نكتشف وجهك في إخوتنا وأخواتنا، لاسيما في جميع هؤلاء الأطفال الذين، وفي أنحاء عديدة من العالم، يعيشون في الفقر والانحلال. أطفال حُرموا من الحقِّ بطفولة سعيدة وتربية مدرسية ومن الحقِّ بالبراءة. مخلوقات استُعمِلَت كسلعٍ رخيصة، تباع وتُشترى بحسب الرغبة. نرفع صلاتنا إليك يا رب لكي ترحم وترأف هذا العالم المريض وتساعدنا على إعادة اكتشاف جمال كرامتنا وكرامة الآخرين ككائنات بشريّة، مخلوقة على صورتك ومثالك.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا يا رب لنرى”
– وجه الأطفال الأبرياء الذين يطلبون المساعدة
– الظلم الاجتماعي
– الكرامة التي يحملها كل شخص في داخله ويتم سحقها
المرحلة السابعة: يسوع يقع تحت الصليب للمرّة الثانية
“شُتِمَ ولَم يَرُدَّ على الشَّتيمَةِ بِمِثلِها. تأَلَّمَ ولم يُهَدِّدْ أَحَدًا، بل أَسلَمَ أَمْرَه إِلى مَن يَحكُمُ بِالعَدْل” (١بطرس ٢، ٢٣)
تأمّل: كم من الانتقام في زمننا هذا! لقد فقد المجتمع الحالي قيمة المغفرة الكبيرة، العطيّة بامتياز والعلاج للجراح والأساس للسلام والتعايش البشري. في مجتمع تُعاش فيه المغفرة كضعف، أنت تطلب منا يا رب ألا نتوقّف عند المظاهر. ولا تقوم بذلك بالكلام وإنما بالمثل. فتجيب من يعذّبك: “لماذا تضطهدني؟”، عالمًا أنَّ العدالة الحقيقية لا يمكنها أن تقوم على الحقد والانتقام. إجعلنا قادرين على طلب المغفرة ومنحها.
صلاة: “يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون” (لوقا ٢٣، ٣٤). يا رب، أنت أيضًا قد شعرت بثقل الحكم والرفض والترك والألم الذي سببه لك أشخاص التقوا بك وقبلوك وتبعوك. في اليقين أن الآب لم يتركك وجدت القوّة لتقبل مشيئته وتغفر وتحب وتقدّم الرجاء لمَن مثلُك يسير اليوم الدرب عينها، درب الازدراء والاحتقار والاستهزاء والترك والخيانة والوحدة.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا يا رب لنعطي العزاء”
– لمن يشعر بالاستياء والإهانة
– لمن يشعر بالخيانة والذُلّ
– لمن يشعر بأنّه مدان ومحكوم عليه
المرحلة الثامنة: يسوع يلتقي نساء أورشليم
“يا بَناتِ أُورَشَليمَ، لا تَبكِينَ عَليَّ، بلِ ابكِينَ على أَنفُسِكُنَّ وعلى أَولادِكُنَّ” (لوقا ٢٣، ٢٨)
تأمّل: إنَّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمهاجرين ولضحايا الاتجار بالبشر يسائلنا ويهزُّنا. علينا أن نتحلّى بالشجاعة كما يؤكِّد بقوّة البابا فرنسيس، لندين الإتجار بالبشر كجريمة ضدَّ البشريّة. علينا جميعًا، والمسيحيون بشكل خاص، أن ننمو في الإدراك بأننا جميعًا مسؤولون عن المشكلة وأنّه يمكننا وعلينا أن نكون جزءًا من الحل. كذلك يُطلب من الجميع، ولاسيما منا نحن النساء، تحدّي الشجاعة؛ شجاعة أن نعرف أن نرى ونتصرّف بشكل فردي وكجماعة. فقط إن وضعنا فقرنا معًا، يمكنه أن يصبح غنى كبيرًا قادرًا على تغيير الذهنيّة وتخفيف آلام البشريّة. لا يجب أن ننظر إلى الفقير والغريب والمختلف كعدو ينبغي إبعاده أو محاربته وإنما كأخ أو أخت علينا استقباله ومساعدته. هؤلاء ليسوا مشكلة وإنما مورد ثمين لمدننا المصفّحة حيث الرفاهية والاستهلاك لا يخففان الإرهاق والتعب المتزايدان.
صلاة: علّمنا يا رب أن نتحلّى بنظرتك. نظرة الاستقبال والرحمة تلك التي من خلالها ترى محدوديّتنا ومخاوفنا. ساعدنا لننظر هكذا إلى اختلاف الأفكار والعادات ووجهات النظر. ساعدنا لكي نعترف بأننا جزء من البشريّة عينها ولكي نجعل من أنفسنا معزّزين لدروب شجاعة وجديدة لكي نستقبل المُختلف ونخلق معًا جماعة وعائلة ورعايا ومجتمعًا مدنيًّا.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا لكي نتقاسم ألم الآخرين”
– مع الذي يتألّم بسبب موت شخص عزيز
– مع من يتعب في طلب المساعدة والعزاء
– مع من تعرَّض للاستغلال والعنف
المرحلة التاسعة: يسوع يقع تحت الصليب للمرّة الثالثة
“ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَم يَفتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ” (أشعيا ٥٣، ٧)
تأمّل: يا رب، وقعتَ للمرّة الثالثة، منهكًا ومهانًا، تحت ثقل الصليب. تمامًا كالعديد من الفتيات اللواتي وإذ تجبرهنَّ مجموعات تجار العبيد لا يتحمَّلنَ تعب وذلَّ رؤية أجسادهنَّ الشابة التي يتمُّ التلاعب بها وتُستغل وتُدمَّر مع أحلامهنَّ. تلك النساء الشابات يشعرنَ بالانقسام: من جهة يتمُّ البحث عنهنَّ ويُستعملنَ، ومن جهة أخرى يُنبذنَ ويحكم عليهنَّ مجتمع يرفض رؤية هذا النوع من الاستغلال الذي يسببه ترسُّخ ثقافة الإقصاء. في إحدى الليالي العديدة التي أمضيتها في روما كنت أبحث عن شابة وصَلَت منذ قليل إلى إيطاليا. وإذ لم أرَها في مجموعتها، ناديتُها بإصرار باسمها: “مرسي!”. لمحتها في الظلام جاثمة ونائمة على قارعة الطريق، فاستيقظت لدى سماعها صوتي وقالت لي إنّه لم يعد بإمكانها أن تحتمل أكثر، وكانت تُكرّر: “أنا مُنهكة”… لقد فكّرت بأمِّها: لو كانت تعرف ما حصل لابنتها لذرفَت دموعها كلّها.
صلاة: يا رب، كم من مرّة وجّهت لنا هذا السؤال المزعج: “أين أخاك؟ أين اختك؟” كم من مرّة ذكّرتنا أن صرختهما المؤلمة قد بلغت إليك؟ ساعدنا لكي نتقاسم ألم وعار العديد من الأشخاص الذين يُعاملون كالفضلات. من السهل جدًّا أن نحكم على كائنات بشريّة وأوضاع صعبة تهين طهارتنا المزيّفة، ولكن ليس من السهل أن نتحمّل مسؤولياتنا كأفراد وحكومات وإنما أيضًا كجماعات مسيحية.
لنصلِّ معًا قائلين: “يا رب، أعطنا القوّة والشجاعة لندين”
– إزاء الاستغلال والذُلِّ الذي يتعرّض له العديد من الشباب
– إزاء لامبالاة وصمت العديد من المسيحيين
– إزاء قوانين ظالمة وتفتقر للإنسانية والتضامن
المرحلة العاشرة: يسوع يُعرَّى من ثيابه
“اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر” (كولوسي ٣، ١٢)
تأمّل: مال رفاهية وسلطة. إنها أصنام كل زمن، ولاسيما زمننا أيضًا الذي يفتخر بالخطوات الكبيرة التي تمّ القيام بها في إطار الاعتراف بحقوق الإنسان. يمكن شراء كلّ شيء بما في ذلك جسد القاصرين الذين يُحرمون من كرامتهم ومستقبلهم. لقد نسينا محوريّة الكائن البشري وكرامته، جماله وقوته. وفيما ترتفع الجدران والحواجز في العالم، نريد أن نذكر ونشكر الذين وبأدوار مختلفة، خلال هذه الأشهر الأخيرة، خاطروا بحياتهم ولاسيما في البحر الأبيض المتوسط لإنقاذ العائلات التي تبحث عن الأمان والفرص. كائنات بشريّة تهرب من الفقر والديكتاتوريّة والفساد والعبودية.
صلاة: ساعدنا يا رب لكي نكتشف مجدّدًا الجمال والغنى الذي يحمله في داخله كل شخص وكل شعب كعطية منك فريدة واستثنائية توضع في خدمة المجتمع بأسره وليس لبلوغ مصالح شخصيّة. نرفع إليك صلاتنا يا يسوع لكي تجعلنا من خلال مثالك وتعليمك للرحمة والمغفرة والتواضع والصبر أكثر إنسانيّة وبالتالي مسيحيين بشكل أكبر.
لنصلِّ معًا قائلين: “أعطنا يا رب قلبًا مفعمًا بالرحمة”
– إزاء جشع اللذة والسلطة والمال
– إزاء الظلم الذي يتعرّض له الفقراء والأشد ضعفًا
– إزاء سراب المصالح الشخصية
المرحلة الحادية عشرة: يسوع يُسمَّر على الصليب
“يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لِأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون” (لوقا ٢٣، ٣٤)
تأمّل: يعلن مجتمعنا المساواة في الحقوق والكرامة لجميع الكائنات البشريّة. ولكنه يمارس عدم المساواة ويسمح بها. يقبل حتى أشكالها الأكثر تطرّفًا. رجال ونساء وأطفال يتمّ شراؤهم وبيعهم كعبيد من قبل التجار الجدد للكائنات البشريّة. من ثمّ يتعرض ضحايا الاتجار بالبشر للاستغلال من قبل أفراد آخرين. وفي النهاية يتمّ رميهم كسلع لا قيمة لها. كم من الأشخاص يغتنون إذ ينهشون لحم ودم الفقراء!
صلاة: يا رب، كم من الأشخاص لا يزالون اليوم أيضًا يُسمَّرون على صليب، ضحايا استغلال وحشي ويحرمون من كرامتهم وحريتهم ومستقبلهم. إن صرختهم للمساعدة تسائلنا كرجال ونساء، كحكومات ومجتمع وكنيسة. كيف يمكننا أن نستمرّ في صلبك، جاعلين من أنفسنا شركاء في جريمة الاتجار بالبشر؟ أعطنا عيونًا لنرى وقلبًا لنشعر بآلام العديد من الأشخاص الذين لا يزالون اليوم مسمّرين على صلبان أنظمتنا للحياة والاستهلاك.
لنصلِّ معًا قائلين: “إرحمنا يا رب”
– من أجل مصلوبي اليوم الجدد المنتشرين في كلّ الأرض
– من أجل المقتدرين والمشرِّعين في مجتمعنا
– من أجل الذين لا يعرفون كيف يغفرون ويحبّون
المرحلة الثانية عشرة: يسوع يموت على الصليب
“إِلهي إِلهي، لِمَاذا تَركتَني” (مرقس ١٥، ٣٤)
تأمّل: يا رب أنت أيضًا شعرت على الصليب بثقل الاحتقار والاستهزاء والإهانات والعنف والترك واللامبالاة. وحدها مريم أمّك وتلميذات قليلات أخريات بقينَ هناك، شاهدات على ألمك وموتك. ليُلهمنا مثالهنَّ على الالتزام لكي لا يشعر بالوحدة الذين ينازعون اليوم على جبال الجلجة المنتشرة في العالم، من بينها مراكز الحجز في بلدان العبور التي تشبه معسكرات الاعتقال، والسفن التي لا تجد مرفأ أمينًا، والمفاوضات البيروقراطية الطويلة من أجل الوجهة النهائية، ومخيمات العاملين الموسميين.
صلاة: نرفع صلاتنا إليك يا رب، ساعدنا لكي نقترب من المصلوبين الجدد واليائسين في زمننا. علّمنا أن نمسح دموعهم ونعزيهم على مثال مريم والنساء الأخريات تحت صليبك.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا يا رب لكي نضحّي بحياتنا”
– في سبيل الذين تعرّضوا للظلم والحقد والانتقام
– في سبيل الذين تمّ الافتراء عليهم وحُكم عليهم ظلمًا
– في سبيل الذين يشعرون أنهم وحيدون ومتروكون ومهانون
المرحلة الثالثة عشرة: يسوع يُنزَل عن الصليب
“إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً” (يوحنا ١٢، ٢٤)
تأمّل: من يذكر في هذا العصر من الأخبار التي تحرق بسرعة، تلك الشابات النيجيريات الستة والعشرين اللواتي ابتلعتهنَّ الأمواج واللواتي تمّ تشييعهنَّ في سالرنو؟ لقد كانت جلجلتهنَّ طويلة وقاسية. أولاً العبور في الصحراء مكدّسات على قافلة الحظ، من ثمّ الوقفة القسريّة في مراكز الحجز المخيفة في ليبيا. وختامًا القفزة في البحر حيث وجدنَ الموت على أبواب “أرض الميعاد”. اثنتان منهنّ كانتا تحملان في أحشائهما عطيّة حياة جديدة، طفلان لن يبصرا أبدًا نور الشمس. لكنَّ موتهنَّ لم يكن عبثًا، تمامًا كموت يسوع المنزل عن الصليب. نوكل جميع هذه الأرواح إلى رحمة أبينا وأب الجميع ولاسيما إلى أب الفقراء واليائسين والمهانين.
صلاة: يا رب، نسمع في هذه الساعة مرّة أخرى تردد صدى صرخة البابا فرنسيس التي رفعها من لامبيدوزا التي زارها في أول زيارة رسولية له: “من بكى؟” والآن بعد عمليات غرق لامتناهية لا زلنا نصرخ: “من بكى؟”. نتساءل من بكى إزاء تلك المحامل الستة والعشرين المصطفّة والتي تعلو كل منها وردة بيضاء؟ لقد تمّ التعرُّف فقط على خمسة منهنَّ. باسم أو بدون اسم، جميعهنّ بناتنا وأخواتنا. جميعهنَّ يستحقّنَّ الاحترام والذكرى. جميعهنَّ يطلبنَ منا أن نشعر بالمسؤوليّة: مؤسسات وسلطات ونحن أيضًا بصمتنا ولامبالاتنا.
لنصلِّ معًا قائلين: “ساعدنا يا رب لكي نتشارك البكاء”
– إزاء ألم الآخرين
– إزاء جميع المحامل التي لا تحمل اسمًا
– إزاء بكاء العديد من الأمهات
المرحلة الرابعة عشرة: يسوع يُدفَن في القبر
“تَمَّ كُلُّ شَيء” (يوحنا ١۹، ٣٠).
تأمّل: إن الصحراء والبحر قد أصبحا مدافن اليوم الجديدة. إزاء أشكال الموت هذه لا وجود للأجوبة. ولكن هناك مسؤوليات. إخوة يسمحون بأن يموت أخوة آخرين. رجال ونساء وأطفال لم نتمكّن من إنقاذهم أو لم نُرد أن ننقذهم. فيما تتناقش الحكومات، منغلقة في قصور السلطة، تمتلئ الصحراء بجثث أشخاص لم يقاوموا التعب والجوع والعطش. كم هي أليمة أشكال الهجرة الجديدة. ما أكبر الوحشية التي يتعرّض لها من يهرب: أسفار اليأس، الابتزاز والعذابات والبحر الذي تحوّل إلى قبر مياه.
صلاة: يا رب، إجعلنا نفهم أننا جميعًا أبناء للأب عينه. وليعطِ موت ابنك يسوع لرؤساء الأمم والمسؤولين عن التشريعات الإدراك لدورهم في الدفاع عن كلِّ شخص خُلق على صورتك ومثالك.
خاتمة: نريد أن نتذكّر قصة الصغيرة “فافور”، ابنة التسعة أشهر، التي انطلقت من نيجيريا مع والديها اليافعين بحثًا عن مستقبل أفضل في أوروبا. خلال الرحلة الطويلة والخطيرة في البحر الأبيض المتوسِّط مات الأب والأم بالإضافة إلى مئات الأشخاص الآخرين الذين كانوا قد أوكلوا أنفسهم إلى تجار عديمي الضمير لكي يبلغوا إلى “أرض الميعاد”. نجت “فافور” وحدها: هي أيضًا أنقذتها المياه كموسى. لتُصبح حياتها نور رجاء في المسيرة نحو بشريّة أكثر أخوّة.
صلاة: في نهاية درب الصليب، نرفع صلاتنا إليك يا رب لكي تعلّمنا أن نسهر مع أمِّك والنساء اللواتي رافقنك على الجلجلة في انتظار قيامتك. لتكن لنا منارة رجاء وفرح وحياة جديدة وأخّوة واستقبال وشركة بين الشعوب والأديان والقوانين. لكي يتمَّ الاعتراف بكل ابن وابنة للإنسان في كرامتهم كأبناء وبنات لله ولا تتمَّ معاملتهم كعبيد بعد اليوم.
نقلا عن الفاتيكان نيوز