stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

تأمل أحد الشعانين – الأب / أنطونيوس فايز

1.9kviews

ها قد وصلنا على مشارف / اعتاب مدينة أورشليم، غاية رحلة الصوم الأربعيني، لنشارك ونرافق يسوع وتلاميذه في رحلته قبل الصعود إلى أبيه السماوي، غايته وغايتنا جميعًا، حيث الحياة الأبدية. هذه الرحلة – بالحري المحنة الكبرى – لا ينفع فيها وسيلة التنقل السابق استخدامها في الرحلة السابقة، ولا أية وسيلة أخرى سوى السير على الأقدام أنها رحلة الصعود والارتقاء والتسامي، تتطلب قفزة نوعية، سوف نحاول اكتشافها برفقة يسوع حيث يستخدم حيوانًا متواضعًا أليفًا، يتحمّل مشقات الصعود،.
نحن أمام مسيرة صعود، حيث ينطلق يسوع من أريحا صاعدًا مُتقدمًا الجميع نحو أورشليم ( لو 19: 28)، حيث تقع أريحا على انخفاض 250مترًا تحت سطح البحر، بينما أورشليم – هدف مسيرته – تقوم على ارتفاع 820 مترًا فوق سطح البحر: بالتالي رحلة الصعود تقارب الألف متر. إنها رحلة الصعود من عمق طوفان الخطيئة التي سقط في الإنسان نحو قمة ارتقاء الوجود الإنساني الحق. يسوع يصعد نحو أورشليم مُنجذبًا حاملاً في جُعّبة ذاكرته خبرته الأولى في هيكل أورشليم، تاركًا أبواه، مُحققًا إرادته الأزلية، والتي هي في الوقت نفسه إرادة أبيه :” أن أكون فيما لأبي” ( لو 41- 50).

إذا كان يسوع يصعد إلى أورشليم مع إسرائيل، مٌصلّيًا مزامير المراقي، فهو يذهب إليها لكي يحتفل مع إسرائيل بالفصح” اشتهيت شهوة أن أكل الفصح معكم”: ذكرى تحرير إسرائيل – هو في الآن نفسه رجاء الحرية النهائية التي سيهبها الله. يسوع يذهب نحو هذا العيد مدركًا أنه هو الحمل الذي سيتم فيه ما كتب في سفر الخروج الذي يتحدث عن حمل لا عيب فيه، ذكر، يذبح عند الغروب على أعين كل إسرائيل كـ “طقس أبدي” (راجع خر 12: 5 – 6 ، 14).

يسوع بدخوله أورشليم يدشن رحلته الأخيرة، رحلة ومسيرة الحمل الذي يساق إلى الذبح، على عود الصليب، إنها خبرة الألم والقبر ثم القيامة، رحلة أسبوع الآلام والفصح الأبدي. يسوع يتقدم البشرية جمعاء والمسيحيين خاصةً فهو الطريق القويم يحقق من خلاله ملء الذات البشرية أي الشركة التامة مع الله الآب. ما علينا سوى أتباع يسوع في طريقه. إنها رحلة التجسيد الفعلي لما أطلقنا عليه سابقًا ” الإيمان التضامني”؛ وما تممه في سبت لعازر، يحققه في مسيرته في هذا الأسبوع، وما ينبغي أن نحياه في مسيرتنا الحياتية.

في الواقع، يجب ألّا ننبهر ولا ننخدع بمظاهر استقبال الجموع ليسوع، هاتفين:” هوشعنا أي خلّصنا”، حتى وإن كانت هذه الصرخة تعبّر عن حقيقة لاهوتية عميقة وأكيدة، فالجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله (رو 3: 9- 23)؛ ثم ينقلبوا عليه ولا يتبعوه مُختارين لأنفسهم طرق ملّتوية تافه، منحدرة إلى أسفل، تٌغرقنا من جديد في طوفان من الرياء وعدم الأمان، والأنانية ومركزية الذات. في الواقع، غالبًا ما تنهار توقعاتنا في الله والذي أعلنه يسوع المسيح، خاصة في هذا الأسبوع ، كما انهارت توقعات من هتف له. فالناس بعد أن استقبلوا يسوع استقبال المنتصرين في أورشليم، كانوا يتساءلون إن كان سيُحرّر الشعب أخيرًا من أعدائه. كانوا ينتظرون مسيحًا مقتدرًا ينتصر بحدِّ السيف. ولكن وصل مسيح وديع متواضع القلب يدعو إلى التوبة والرحمة؛ والجمع الذي كان قد رفع له ” هوشعنا” صرخ قائلاً فيما بعد: ” ليُصلب!”. أما الذين كانوا يتبعونه تركوه مرتبكين خائفين وكانوا يفكرون: إذا كان هذا مصير يسوع فهو ليس المسيح، لأنَّ الله قوي ولا يُهزم.

تُرى ما هو وجه الله الحقيقي الذي أظهره لنا يسوع هذا الأسبوع؟ الإنجيل يقول لنا إنّ الله ليس كما نتوقع، إنطلاقًا من تصوراتنا ومُخيّلاتنا. هو مختلف ولا يمكننا أن نعرفه بقوانا البشرية. لذلك تجسد واقترب منا وجاء للقائنا وفي الفصح كشف لنا ذاته بالكامل. أين كشف لنا ذاته بالكامل؟ على الصليب. تساعدنا رواية آلام يسوع التي ترافقنا خلال هذه الأيام المقدّسة.

في هذا الأسبوع، يسوع يسير امامنا، ونحن نتبعه، يقودنا نحو ما هو يليق بهويتنا الإنسانية أي إيماننا التضامني، الذي فقدناه بالخطيئة، نحو الحياة وملء الحياة؛ نحو الشجاعة لا تنهار أو تتهشّم أمام الآراء الكاسحة التي تسيطر على عالمنا اليوم. هذا لإيمان التضامني يُولّد فينا الاستعداد والحضور الواعي والانتباه نحو الآخرين خاصة المتألمين، والمهجورين؛ نحو الأمانة التي تتضامن مع الآخر وقت المحنة. يقودنا نحو نقاء القلب الذي لا يسمح بنكران الجميل أن يهدمه. يقودنا نحو الحب الباذل – يقودنا نحو الله.

وأخيرًا يعلم يسوع أن حياته لن تنتهي على الصليب ستذهب أبعد من ذلك. يعرف أن طريقه يهدم الحاجز بين هذا العالم وعالم الله؛ يعرف أنه سيصعد إلى عرش الله مصالحًا الله والإنسان في جسده. يعرف أن جسده القائم سيصير الذبيحة الجديدة والهيكل الجديد؛ وأن أورشليم الجديدة المؤلفة من الملائكة والقديسين ستقوم حوله، أورشليم السماء التي هي حاضرة أيضًا على الأرض. رحلته تقودنا إلى أبعد من قمة جبل الهيكل حتى سموّ الله بالذات: “ولكِن تَأتي ساعةٌ – وقد حَضَرتِ الآن – فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ فمِثْلَ أُولِئكَ العِبادِ يُريدُ الآب. إِنَّ اللهَ رُوح فعَلَى العِبادِ أَن يَعبُدوهُ بِالرُّوحِ والحَقّ))” ( يو 4: 23- 24). هذا هو الصعود العظيم الذي يدعونا جميعًا إلى القيام به. وهو يبقى دومًا معنا على الأرض وهو أيضًا دومًا عند الله. يقودنا في الأرض وما وراء الأرض.

هكذا، تتجلى في رحابة صعود المسيح أبعاد اتباعنا له – الهدف الذي يريدنا أن نبلغه: وصولاً إلى الله، إلى الشركة مع الله، إلى الاتحاد مع الله وحياة القداسة. هذه هي الغاية الحقة، والشركة معه هي السبيل إلى ذلك. الشركة مع المسيح هي أن نكون في مسيرة، في صعود دائم نحو السمو الأصيل لدعوتنا. إتباع المسيح هو في آن مسيرة في ” نحن/ الجماعة/ الكنيسة”، الذين يريدون أن يتبعوه. يدخلنا المسيح في هذه الجماعة، لأن المسيرة نحو الحياة الحقة، نحو الصيرورة ليكونوا أشخاصًا مطابقين لمثال ابن الله يسوع المسيح، يفوق قوتنا. هذه المسيرة هي أيضًا أن نقبل أن نُحّمل. نجد أنفسنا، إذا جاز التعبير، مربوطين بسلاسل يسوع المسيح ومعه نرتفع نحو الله:” وحتَّى إِنَّ أَكثَرَ الإِخوَةِ شَجَّعَتهُم في الرَّبِّ قُيودي فازدادوا جُرأَةً على إِعلانِ الكَلِمَةِ غَيرَ خائِفين” ( في 1: 14). يجذبنا يسوع ويسندنا، في الوقت نفسه، تمسّكنا بهذه السلاسل واندماجنا بها تشكّل جزءًا من اتباع المسيح؛ أي أن نقبل أننا لا نستطيع أن ننجح بمفردنا. يؤلف التواضع جزءًا من هذه الخبرة ويتمثل بالدخول في “نحن” الكنيسة؛ التمسك بهذه السلسة، مسؤولية الشركة – عدم تمزيق هذه السلاسل بالعناد أو بالغرور:” كحمل سيق إلى الذبح ولم يفتح فاه”. الإيمان المتواضع مع الكنيسة، والاندماج في سلّم الصعود نحو الله، هو شرط ضروري للاتباع. وأن نكون جزءًا من هذه السلاسل، يعني ألا نتصرف كأسياد كلمة الله، وألا ننساق وراء فكرة خاطئة عن التحرر. تواضع وقبول ” الكيان مع”؛ أي ما أعلناه سابقًا ” الإيمان التضامني هو ضروري لهذا الصعود. ويشكل جزءًا منها أن نسمح للرب أن يأخذنا بيدنا من خلال الأسّرار المقدسة؛ وأن نسمح له أن يطهرنا وأن يجددنا، وأن نقبل أدب التقشف، حتى ولو كنا مرهقين.

لنجدّ ونُسرع في اتباع يسوع في رحلة آلامه ونموت معه ليقيمنا معه. هذا ما سوف نتناوله في قراءات البصخة المقدسة في الأيام التالية.

الأب / أنطونيوس فايز