تاملك 11-3-2019
مز79
1اَلَّلهُمَّ، إِنَّ الأُمَمَ قَدْ دَخَلُوا مِيرَاثَكَ. نَجَّسُوا هَيْكَلَ قُدْسِكَ. جَعَلُوا أُورُشَلِيمَ أَكْوَامًا. 2دَفَعُوا جُثَثَ عَبِيدِكَ طَعَامًا لِطُيُورِ السَّمَاءِ، لَحْمَ أَتْقِيَائِكَ لِوُحُوشِ الأَرْضِ. 3سَفَكُوا دَمَهُمْ كَالْمَاءِ حَوْلَ أُورُشَلِيمَ، وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُ. 4صِرْنَا عَارًا عِنْدَ جِيرَانِنَا، هُزْءًا وَسُخْرَةً لِلَّذِينَ حَوْلَنَا. 5إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَغْضَبُ كُلَّ الْغَضَبِ، وَتَتَّقِدُ كَالنَّارِ غَيْرَتُكَ؟ 6أَفِضْ رِجْزَكَ عَلَى الأُمَمِالَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَكَ، وَعَلَى الْمَمَالِكِ الَّتِي لَمْ تَدْعُ بِاسْمِكَ، 7لأَنَّهُمْ قَدْ أَكَلُوا يَعْقُوبَ وَأَخْرَبُوا مَسْكَنَهُ.
8لاَ تَذْكُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَ الأَوَّلِينَ. لِتَتَقَدَّمْنَا مَرَاحِمُكَ سَرِيعًا، لأَنَّنَا قَدْ تَذَلَّلْنَا جِدًّا. 9أَعِنَّا يَا إِلهَ خَلاَصِنَا مِنْ أَجْلِ مَجْدِ اسْمِكَ، وَنَجِّنَا وَاغْفِرْ خَطَايَانَا مِنْ أَجْلِ اسْمِكَ. 10لِمَاذَا يَقُولُ الأُمَمُ: «أَيْنَ هُوَ إِلهُهُمْ؟ ». لِتُعْرَفْ عِنْدَ الأُمَمِقُدَّامَ أَعْيُنِنَا نَقْمَةُ دَمِ عَبِيدِكَ الْمُهْرَاقِ. 11لِيَدْخُلْ قُدَّامَكَ أَنِينُ الأَسِيرِ. كَعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ اسْتَبْقِ بَنِي الْمَوْتِ. 12وَرُدَّ عَلَى جِيرَانِنَا سَبْعَةَ أَضْعَافٍ فِي أَحْضَانِهِمِ الْعَارَ الَّذِي عَيَّرُوكَ بِهِ يَا رَبُّ. 13أَمَّا نَحْنُ شَعْبُكَ وَغَنَمُ رِعَايَتِكَ نَحْمَدُكَ إِلَى الدَّهْرِ. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ نُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِك.
تامل
شرّعوا الأبواب للتوبة (الأربعين يومًا زمنُ زمنٌ مشبعٌ بالنعمة والمحنة…!)
الكنيسة لديها الدافع كي تتأمّل ، مع الأحد الأوّل من الصوم ، في صفحة الإنجيل التي ترينا الربّ معتزلا في الصحراء . إعتمدَ يسوع فعبّر عن كامل استعداد قلبه البنويّ لإتمام خلاص البشر بحسب مشيئة الربّ ، ثمّ قاده الروح إلى الصحراء حيث مكث ، على ما يكتب القدّيس مرقس ، ” أربعين يومًا يجرّبه الشيطان ” (مر 1 : 13 ) ، وذلك بدل أن يدفعه إلى طرقات فلسطين ليعلنَ منها الملكوت .
في المشرق والمغرب ، أعار آباؤنا في الإيمان انتباههم إلى العدد ” أربعون ” هذا ، والقدّيس أمبروسيوس يلخّص مجمل التقليد فيعظ قائلا : ” إنّك تتذكّر كيف انه في هذا العدد من الأيّام ، غمرت مياه الطوفان الأرض ، وكيف قدّس الصومُ النبيّ إيليّا ، واستحقّ موسى البارّ أن يقبل الشريعة ، وكيف عاش الآباء في الصحراء من خبز الملائكة ” (شرح الإنجيل بحسب بشارة لوقا 4 : 15 ) .
إحتفلَ آباؤنا في الإيمان بالصوم الأربعينيّ ، فأدركوا أنهم كانوا يقومون بعمل من الأعمال التي تظهر خاصيّة ايماننا . فهم يعبّرون عن مجمل رؤيتهم اللاهوتيّة للتاريخ البشريّ في هذه ” الأيّام الأربعين ” ، وهي زمنٌ مشبعٌ بالنعمة والمحنة . فبذلك كانوا يعلنون معارضتهم لتصوّر مأساويّ لا مسيحيّ للتاريخ ، فقد كان يظهر ، إمّــا في شكل تطوّر دائريّ لا متناه ٍ ، وإمـــّا في وجه سياق ٍ حتميّ لعالم لا متحرّك أبدًا ، ترتبط فيه ، على ما يبدو ، كلمة الختام بالموت ، وحيث لا شيء يثبت ولا شيء يُبنى . أمّا المسيحيّ ، في احتفاله بالأربعين يومًا مع الكنيسة ، فهو يعترف بأنّ في التاريـــخ البشريّ أحداثـــــا هي عبارة عن تدخّل حقيقيّ وخاصّ لذراع الله في التـــاريخ ، وهي أحداث تضعُ علامة مميّزة ” مرّة واحدة للأبد ” على عالم البشر . والقدّيس غريغوريوس النيصيّ يلحظُ ذلك قائلا : ” إنّ التاريـــــخ البشريّ يسيرُ من بداية إلى أخرى في المسيح . وبداياته لا نهاية لها أبدًا”.