تامل الاثنين
يا ربي يسوع؛ أشكرك في هذا الزمن المقدس لأنك وهبتني خلاصك وافتديتني بدمك على الصليب، آتي إليك ملتجئاً لرأفتك لترحمني وترافقني في كل خطوة أتخذها في حياتي ﻷني بدونك لا أستطيع شيئاً، فيا معلمي وراعي الصالح؛ علمني أن لا أصوم بجسدي عن الطعام فقط بل لأصوم بنفسي أيضاً عن كل الرغبات والأفكار والأقوال والأفعال التي لا ترضيك.
علمني كيف أصوم بصلاة روحي وبشوق قلبي الذي يتوق للتلامس مع روحك القدوس؛ علمني يارب كيف أتبع إلهاماته وأترك كل تعلق أرضي، فيغدو صيامي لك ومعك، يا من حولت الماء إلى خمر بعرس قانا، حول جوعي إلى اشتياق للدخول إلى حضرتك والتأمل بمدى حبك لي فتمتلئ حياتي بنعمة روحك وأعيش مع إخوتي معنى كلمتك: “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب”.
شكراً لك يارب لأنك تستمع صلاتي وتستجيب لي أنا الخاطئ .. لك المجد إلى الأبد. آمين.
التوبة من أهم شروط الصيام:
جاء يسوع إلى الجليل يُعلن بشارة الله، فيقول: “حان الوقت واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالبشارة” (مرقس 14:1-15). كُتُب العهد الجديد كلها تبيّن بوضوح أن أعمال يسوع وأقواله، لا بل حياته كلها، وبالأخص موته على الصليب وقيامته من القبر، تتمحور حول إعلان ملكوت الله وتحقيقه بين البشر.
ملكوت الله هو تلك الحقبة من التاريخ التي فيها قرّر الله أن يحرر الإنسان من سيطرة الخطيئة والشرّ، داعياً إياه إلى العيش في ظل رحمته ومحبّته وإلى الاشتراك في حياته وسعادته (راجع لوقا 1:15-32).
مزامير
أَلرَّبُّ نوري وَخَلاصي فَمِمَّن أَخاف؟
أَلرَّبُّ حِصنُ حَياتي، فَمِمَّن أَفزَع؟
عِندَما يَقرُبُ مِنّي ٱلمُسيئون
لِكَيما يَنهَشوا لَحمي
يَكونُ مُضايِقِيَّ وَخُصومي
هُم ٱلمُتَرَنِّحينَ ٱلسّاقِطين
إِن ٱصطَفَّ عَلَيَّ عَسكَر
فَلا يَخافُ قَلبي
وَإِن نَشِبَ عَلَيَّ قِتال
بَقيتُ آمِنًا مُطمَئِنا
أَيقَنتُ أنّي سَأَرى جَودَةَ ٱلرَّبّ في أَرضِ ٱلأَحياء
تَوَكَّل عَلى ٱلمَولى وَكُن مُتَشَدِّدا
وَليَتَشَجَّع قَلبُكَ، وَٱعقِد عَلى ٱلمَولى ٱلرَّجاء
إنجيل القدّيس يوحنّا 11-1:12
قبلَ الفِصحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ جاءَ يسوعُ إِلى بَيتَ عَنْيا، حَيثُ كانَ لَعازرُ الَّذي أَقامَه مِن بَينِ الأَموات
فأُقيمَ له عَشاءٌ هُناك، وكانَت مَرْتا تَخدُم، وكانَ لَعازَرُ في جُملَةِ الَّذينَ معَه على الطَّعام.
فتَناولَت مَريَمُ حُقَّةَ طِيبٍ مِنَ النَّارَدينِ الخالِصِ الغالي الثَّمَن، ودهَنَت قَدَمَي يسوع ثُمَّ مَسَحَتْهما بِشَعرِها. فعَبِقَ البَيتُ بِالطِّيب.
فقالَ يهوذا الإِسخَريوطيُّ أَحَدُ تَلاميذِه، وهوَ الَّذي أَوشَكَ أَن يُسلِمَه:
«لِماذا لم يُبَعْ هذا الطِّيبُ بِثَلاثِمِائَةِ دينار، فتُعْطى لِلفُقَراء؟»
ولَم يَقُلْ هذا لاهتِمامِه بِالفُقَراء، بل لأَنَّه كانَ سارِقًا وكانَ صُندوقُ الدَّراهِمِ عِندَه، فَيختَلِسُ ما يُلْقى فيه.
فقالَ يسوع: «دَعْها، فإِنَّها حَفِظَت هذا الطِّيبَ لِيَومِ دَفْني.
أمّا الفُقَراء، فهم عِندكم دائِمًا أَبَدًا، وأَمَّا أَنا فَلَستُ عِندَكم دائِمًا أَبَدًا».
وعَلِمَ جَمْعٌ كثيرٌ مِنَ اليَهودِ أَن يسوعَ هُناك فجاؤوا، لا مِن أَجلِ يسوعَ فقط، بل لِيَرَوا أَيضًا لَعازَرَ الَّذي أَقامَهُ مِنَ بَينِ الأَموات.
فعَزَمَ الأَحبارُ على أَن يَقتُلوا لَعازَرَ أيضًا
لأَنَّ كَثيرًا مِنَ اليَهودِ كانوا يَنصَرِفونَ عنهُم بِسَبَبِه ويُؤمِنونَ بِيسوع.
القدّيس بِرنَردُس (1091 – 1153)، راهب سِستِرسيانيّ وملفان الكنيسة
نَشْرُ عطر الرَّحمة على قدَمَيّ الربّ يسوع
لقد سبق وحدّثتكم عن عطرَين روحيَّين: عطر الندم لذي يشمل كافّة الخطايا؛ ويُرمَز إليه بالعطر الذي سكبته المرأة الخاطئة على قَدَمَيّ الربّ يسوع المسيح: “فعَبِقَ البَيتُ بالطيب”؛ وهنالك أيضًا عطر المحبّة الذي يشمل كافّة أعمال الله الخيّرة… غير أنّ هنالك عطرًا يتفوّق على كلّ ما سبق ذكره؛ أنا أدعوه عطر الرَّحمة. هو مؤلّف في الواقع من عذابات الفقر، ومن الغمّ الذي يعيشه المُضطَهدون، ومن قلق التعاسة، ومن خطايا الخطأة… باختصار، من كلّ عذابات الإنسان، بما في ذلك عذابات أعدائنا. قد تبدو هذه المكوّنات حقيرة، لكنّ العطر الذي ينتج عنها يفوق كلّ العطور الأخرى. هو طيب يشفي العلاّت: “طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون” (مت 5: 7).
هكذا، فإنّنا نجد أنّ عددًا كبيرًا من الآلام مجتمعةً تحت نظرة رحيمة تشكّل الجوهر الثمين… طوبى للنفس التي جعلت من هذه الأطياب مؤونة لها، ناشرةً عطر الرَّحمة ومُدفّئه إيّاها بنار المحبّة! مَن هو برأيكم الإنسان “الَّذي يَرأفُ ويُقرِض” (مز 112[111]: 5)، المُمتلئ رحمة، الدائم الاستعداد لإغاثة قريبه، الشديد السعادة لما يُعطي وليس بما يأخذ؟ هذا الإنسان الذي يصفح بسهولة، ويقاوم الغضب، ولا يخضع للثأر، ويشعر دائمًا بأنّ بؤس الآخرين هو بؤسه أيضًا؟ وهذه النفس المُشبَعة بندى المحبّة، ذات القلب الممتلئ رحمة، التي تقدّم ذاتها للآخرين، والتي لا ترى في ذاتها إلاّ مجرّد إناء فارغ لا يحتوي ما يُمكن أن يُثير غيرة الآخرين، هذه النّفس الميّتة التي لا تحيا إلاّ في سبيل غيرها، هذه النفس وحدها تمتلك العطر الثالث، عطر الرَّحمة الذي يفوق كلّ الأطياب الأخرى (راجع نش 5: 5)، هي نفس لن يمسّها الجشع ولن تجفّفها نيران الاضطهاد. لأنّ الله يتذكّر تضحياتها.