”وكان هيرودس يريد ان يرى يسوع”
وصلت أخبار إلى هيرودس الملك مفادها أن هناك شخص يشفى المرضى و يقيم الموتى و يطهر البُرص و يفتح آذان الطرشان و يستقبل العرجان. استفزت هذه الأخبار هيرودس الملك فمن ذا الذى يجرؤ على العبث بأفراد مملكته دون إذنه شخصياً إن السلطة عند هيرودس مطلقة و لا سقف لها فهو ملك البشر و الحجر و السماوات و الأرض أى تهاون فى ممارسة هذه السلطة المطلقة ليست من شيمة مثل هؤلاء المستبدين الأقحاح.
و لكن ترددت أسماء على مسمع هيرودس كان يعرفها جيداً و اتخذ منها مواقفاً صارمة مثل يوحنا المعمدان، ”فَقَالَ هِيرُودُسُ: «يُوحَنَّا أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ. فَمَنْ هُوَ هذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْهُ مِثْلَ هذَا؟«” .
لم يكن شوق هيرودس لرؤية يسوع هو شوق بطرس و يوحنا اللذان كانا ينتظران المسيا. إنه شوق القاتل ومن لا يتورع عن سحق أى شخص يظهر أى نوع من السلطة على رعيته مهما كانت هذه السلطة روحية أم سياسية أم دينية.
فى مثل هذه الظروف كان يسوع ينساب مثل الماء بين الصخور يسقى العطاش من الفقراء و الظمأى إلى العدالة و المتشوقين إلى السلام و الحنان و الحب. و ليس فى مقدور هيرودس أن يتحكم فى مياه المطر و لا فى تلوين الزهور الذى تُزين ربيع صباه “المتقين لله” ثم أن يسوع كان فى صلبه و الحكم عليه مناسبة سارة ليتصالح هيرودس مع بيلاطس على ظهره و هما يمارسان سلطة التلاعب باليهود من فريسيين و كتبة و منهم يسوع بنى بلدتهم الذين صمموا على صلبه دون أى فهم من السلطة السياسية الرومانية لما يدور فى كواليس الصراعات اليهودية اليهودية واليهودية المسيحية.
و رغم أن هيرودس صُدم من طلب إبنه هيروديا بتقديم رأس يوحنا المعمدان على طبق، فإنه لم يتورع عن تنفيذ حكم القتل على من كان يحبه فى اعماق قلبه و من كان معجب بشجاعته فى الدفاع عن الحق. هكذا سلاطين هذا العالم يضعون أنفسهم مكان الله و يتوهمون أن سلطانهم لا يعترف بضابط للكون أو خالق للدنيا بما فيها و السماوات و الأرض.
ألم يطع يسوع وهو في بطن أمه لأوامر قيصر في الاكتتاب فى أورشليم و تجشم مريم أمه و يوسف مشقة السفر لكى يسجلون أسمائهم فى أورشليم؟ هكذا المسيح كالنسيم الذى شعر به ايليا النبى وهو في قمة جبل سيناء و تعرف من خلاله على حضور الله رب السماوات و الأرض و هو يزوره فى أحلك لحظاته حينما كان هارباً من أمام وجه ايزابل إمرأة الملك التى كانت تريد قتله.
إن قوة الله السرمدية لا يضيرها قوة و سلطان الملوك الذين اكثر ما يمكن أن يفعلوه أن يقبضوا بيديهم على الريح و مشورتهم تبيد أمام مشورة رب الأرباب، إن رغبة هيرودس فى رواية يسوع لا تساوى شيئاً عند الله أمام رؤية البرص و العميان و الكسحان الذين يرونه كل حين و كل ساعة يحتضنهم و يربت عليهم .
لن يفهم هيرودس ما قاله يسوع للنشطاء “من رآنى فقد رأى الآب”