تأمل الأحد ٣١ يوليو / تموز ٢٠١٦
بالصوم والصلاة وأعمال الرحمة نستعد لعيد انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء :
” لا تخف أن تحب القديسة مريم العذراء كثيراً ، لإنك مهما أحببتها لن تستطيع أن تحبها مثلما أحبّها يسوع “
( القديس مكسيميليانو كولبه ) .
إن الكنيسة المقدّسة تُكرّم مريم العذراء إكراماً لائقاً ” سوف تُهنئني جميع الأجيال ” ( لوقا ١ : ٤٨ ) ، لإنها تقدّر وتعترف بقيمة كلمة ال ” نعم ” التي قالتها للرب بطاعة وإيمانٍ كبيرين ، عندما بشّرها الملاك وأعلمها بأنها ستكون أُماً للمخلّص يسوع ” لا تخافي يا مريم ، فقد نِلتِ حُظوةً عند الله . فستحملينَ وتلدينَ ابناً فسميه يسوع ” …. فقالت مريم : ” أنا أمةُ الربّ ، فليكُن لي بحسَبِ قولكَ ” وانصرف الملاك من عندِها . ( لوقا ١ : ٣٠ و ٣٨ ) .
بكلمة ” نعم ” أصبحت مريم : ” حواء جديدة ” .
بكلمة ” نعم ” أدخلت مريم العذراء على الجنس البشري الحياة بالمسيح يسوع ، الفادي والمخلّص ، والذي أصبح :
” آدم الجديد ” .
عند أقدام الصليب ، طلب الربّ يسوع من ” التلميذ الحبيب إليه ” ، أن يهتمّ بمريم ، فقال لأُمِّهِ : ” أيتها المرأة ، هذا ابنُكِ ” . ثم قال للتلميذ : ” هذهِ أُمُّكَ ” . ومنذُ تلكَ الساعة استقبلها التلميذُ في بيتِهِ . ( يوحنا ١٩ : ٢٥ – ٢٧ ) .
ألم يكن في قلب المخلّص يسوع ، في تلك الساعة ، ساعةُ الآمهِ وهو على الصليب أمومة ومحبة شاملة لكل البشرية لا تستثتي أحد ؟ إنّ التلميذ الحبيب الحاضر هناك هو فعلياً ممثل لكل تلميذٍ ومؤمن عبر الأجيال .
” هذه أُمُّكَ ” ( يوحنا : ١٩ : ٢٧ ) . إنّها كلمات قلبٍ أحبّ خاصته إلى الغاية .
أحبّ الأُمّ فأعطاها نسلاً روحياً .
أحبّنا فأهدانا أُمّاً حنونةً طاهرة في كلمته اللامتناهية .
أحبّنا فمنحنا خلاصاً .
لم يشأ الله أن يختار مريم لتكون مجرّد ” خادمة وأمَة الربّ ” ( لوقا ١ : ٣٨ ) ، لتحمل وتلد ابناً ( لوقا ١ : ٣٠ ) ، وتقدمهُ إلى العالم لخلاصنا . ولكن اختارها لتكون لنا أُمّاً سماوية ومعلّمة روحية ، ” أُمٌّ ومعلِمة ” ، نتطلّع إليها في كل أوقات حياتنا : في الشدة والألم والصعوبات ، في الوحدّةِ والضياع ، في الفرحِ والبهجةِ والسعادة ، في الحماس واليأس ، في النجاح والفشل ، في وقتِ الصحةِ والمرضِ والاضطهادات والحروب …. وحتى الموت .
أعطانا إياها بالمعنى اللاهوتي المسيحي : ” النموذج والمثال ” ، أعطانا إياها كأُمّ تقودنا إليه في وسطِ الأمِنا وأحزانِنا وبؤسِنا ، فرحنا وبهجتنا ورجاءنا .
فلنحبّها كثيراً دون خوفٍ أو تعقيدات ولنطوبّها مع الشعوب عبر الأجيال ” ستهنئني جميع الأجيال ، لأن القدير صنع إليّ أُموراً عظيمة : قُدُوسٌ اسمهُ ، ورحمتُهُ من جيلٍ إلى جيلٍ للذين يتّقونَهُ ” ( لوقا ١ : ٤٨ – ٥٠ ) .
لنحبُها كما أحبها القديس ماكسيميليانو كولبه وعلمّ كل واحدٍ منّا قائلاً : ” لا تخف أن تحبّ القديسة مريم العذراء كثيراً ، لإنك مهما أحبّبتها لن تستطيع أن تُحبّها مثلما أحبٰها يسوع ” .
المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية واورشليم والأردن
للأرمن الكاثوليك