تأمل الاب وليم سيدهم – السبت 7 يوليو 2018
No tags
“أبوك الذى فى الخفية يجازيك”
الصيام و الصلاة و الصدقة أفعال تحكم سلوكنا و حياتنا على مدار الساعة، هذه الأفعال الثلاثة بالذات واحدة منهم مخصصة لعلاقتنا بأبينا السماوى وهى “الصلاة” و الصلاة فى مفهومنا الحياتى اليومى هى الوقت المخصص للتوجه إلى الله بقلب و عقل و نفس تبغى مرضاته و تطلب تدخله فى حياتنا بشكل يجعلنا مملوئين بالسلام و متذرعين بالأمل طالبين أيضاً أن يذلل لنا صعوبات الحياة.
و بهذا المفهوم البسيط تصبح الصلاة هى المؤشر الحقيقى الذى على خلفيته يتمم الصيام و الصدقة، و لأن الصيام و الصدقة لهما علاقة بموقفنا من جيراننا ومن نتواصل معهم فى المنزل أو في المدرسة أو في الجامعة و النادى و الكنيسة و الجامع … الخ فإننا معرضين للوقوع فى فخ المجد الباطل و محاولة لفت الانتباه حينما نصوم أو نتصدق و أيضاً حينما نصلى.
و نتسائل لماذا نبحث عن لفت الإنتباه إلى هذه الأفعال الثلاثة؟؟ و ما الدوافع التى تجعلنا نستجدى نظرات الآخرين إلينا و نحن نؤدى الصلاة أو نتصدق أو نصوم؟ هل نريد أن نشهد الناس على مدى صلاحنا و قداستنا؟ أم نريد أن نتباهى بتفوقنا عليهم؟ هل هى ضرورة لوجودنا نفسه أن نعرض أنفسنا لنظر الآخرين و نحن نصلى أو نتصدق أو نصوم؟ ماذا تضيف نظرات الآخرين إلينا؟ هل هو دفاع عن أنفسنا من أحكامهم القاسية فى حالة إخفاء هذه الأفعال عنهم؟
يضرب لنا الإنجيل مثلاً عن إستغلال الصلاة للتباهى أمام الله و أمام الذات فى مثل الفريسي و العشار، فبدأ الفريسى صلاته فى المعبد بمخاطبة الله قائلاً: ” اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع واعشر كل ما اقتنيه” وفي صلاته صرح لله مباشرة برغبته الآثمة فى تجريم “العشار الذى كان موجوداً آخر الكنيسة.. و أنا لست مثل هذا العشار” و كأنه مضطلع على ما يدور فى قلب و ذهن هذا العشار “لقد وضع نفسه نداً لله، و فعل ما لا يفعله الاله . إذ أرتكب جريمة الإغتياب و جريمة الحكم و الإدانة للعشار بدون دليل و سمح لنفسه بإتهام العشار بما ليس فيه، فالكتاب المقدس يقول عن العشار ” جلس آخر الكنيسة و شرع يقول “إرحمنى يارب فإنى رجل خاطئ” و في نهاية المثل يتحدث الانجيل عن الفريسى و العشار أن “العشار نزل إلى بيته مبرراً أما الفريسى فسقط عن نظر الرب لعجرفته و تعاليه و عدم إحترامه لله.
إذن لدينا فى هذا المثل نوعان من الصلاة: النوع الأول هى صلاة الفريسي و محكوم عليها من الإنجيل بإنها نموذج سئ للمؤمن الحقيقي . و النموذج الثانى “صلاة العشار” وهى مقبولة و مدحها الله فى الإنجيل و إذ إتخذنا صلاة العشار نموذجاً فإننا على أرضية إيمانية نقدم حضور الله و رحمته على أى اعتبار آخر.
أما الصدقة فإننا نجد نموذج “فلس الأرملة” ففى أحد جولات يسوع المسيح فى الهيكل فوقع بصره على الأرملة “التى وضعت آخر فلس عندها في الصندوق و استحقت مديح يسوع “إنها على عكس كل الأغنياء ” وضعت كل ما عندها و هى تعلمنا أن الصدقة ليست إعطاء “الفائض عندنا” إنما إعطاء كل ما عندنا إيماناً منا بأن ما نمتلك هو كله عطية من الله و هذه العطية مستمرة طالما نشاركها مع الآخرين
هكذا الصيام هو نوع من تدريب النفس ليس فقط على الامتناع عن الأكل لكن على الاعتراف الفعلى للمؤمن بأنه “لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ” (مت 4:4)
وفي الختام، إن طابع إخفاء هذه الأفعال الثلاثة أو ممارستها فى الخفاء هدفه تذكير المؤمن بأن الله هو الشاهد الوحيد على ما فى قلب و عقل الإنسان، و على نياته أثناء قيامه بهذه الافعال، و أن هذه الأفعال لا يمكن أن يقيمها الانسان بشكل موضوعى و محايد. و مطلوب إلا نعثر الآخرين و نحن نقوم بالصوم أو الصلاة أو الصدقة. فالمطلوب هو أن تقدمها لله الوحيد الذى “يرى في الخفاء” كل أفعالنا و ليس هذه الأفعال الثلاثة صلوا و صوموا وتصدقوا و أبوكم الذى يرى في الخفية يجازيكم .