تأمل للأب : أشعياء مكرم راعي كنيسة مار جرجس بمنسافيس – ايبارشية المنيا …. الساكت عن الحق ….
أيها الأخوة الأحباء قد ينتابنا شعورا بالمرارة والضيق والحزن والآسى عندما نقرأ بعض الأخبار التي ترصد لنا أن من يخرب في الكنائس هو إنسان مختل عقليا. ومن يخطأ أقل خطأ ضد شخص غير مسيحي هو مجرم في حق كتاب الله وسنة رسوله. إن في هذا قمة الظلم وقمة السكوت عن الحق.
لقد وعت المسيحية_ بشكل مبكر_ خطورة دمج السياسة في الدين. هذا الدمج الذي يفرض بطريقة لا وعية سياسة التمييز والعنصرية والسكوت عن الحق أو تبديل الحق بالباطيل. أو إنصاف من يتبعني في الدين أو في الملة وحتى ولو كان ظالما. عملا بمبدأ أنصف أخيك ظالما كان أو مظلوما. وقعت المسيحية_ بالطبع_ في فترة خلط السياسة بالدين في العديد من الأخطأ التي جعلتها تفاضل بين إنسان وآخر انطلاقا من لونه أو جنسه أو دينه. لكن حمدا لله أن المسيحية تيقنت أن رسالتها هي للجميع دون تفرقة ودون تمييز.
خطأ العنصرية هذا والتمييز بين شخص وآخر ظل _ للأسف_ منتشرا حتى الآن في كثير من المجتمعات العربية. بالرغم من أن الثقافة العربية _ ثقافة ابن رشد والفارابي والغزالي وغيرهم_ كانت ثقافة ضد التمييز والعنصرية. وقد رفض هذه الثقافة _ كما رفضت كذلك الثقافة الإسلامية_ ثقافة نبذ الآخر ورفضت مبدأ التعامي مع الآخر على أساس اللون أو الجنس أو المذهب.
من ناحية آخرى كانت مصر من أولى الدول العربية التي وافقت على وثيقة حقوق الإنسان التي تنص على أن لكل إنسان الحق في الحياة وفي أختيار مذهب وإقامة الشعائر الدينية كيفما يشاء. مادام هذا لن يؤذي أحدا. لعل الآن تسأل: إذا كان الأمر كذلك. فلماذا هناك سكوت كبير عن الحق بشكل يشعرك أن بعض الجهات المسئولة متعمدة على خلط السياسة في الدين. ومتعمدة على التعامل مع أطياف الشعب بنوع من التمييز؟ يمكنني أن أجيب على هذا التساؤل في نقطتين: الأولى هو وجود بعد روحي متدنى جدا يتحكم في كل قراراتنا. ألا وهو أن الله لي وليس لغيري. وأن الله ينادى بالقضاء على الآخر الذي لا يعتنق عقيدتي. الأمر الثاني هو نفسي بحت. وهو إننا تربينا وترعرنا على أن الآخر الذي يخالفني سواء الرأي أو المعتقد أو الدين لا يحق له أن يحيا معي. فنحكم عليه بالموت. ولو لم نستطع أن ننهي حياته نضطهده ونهينه ونضايقه في لقمة عيشة ونقلل من كرامته.
خلط السياسة بالدين يخلق ساسة يسكتون عن الحق بل ويزورونه. والساكت عن الحق هو شيطان بل ورئيسا للشياطين. إذا كان الله يرغب منذ البدء أن يخلقنا بلون واحد أو جنس واحد أو أصحاب معتقد واحد لكان فعل ذلك عن طيب خاطر. لكنه خلقنا وترك لنا حرية أختيار المعتقد وأحترم ذلك الأختيار فينا حتى ولو كان أختيارنا على خطأ. فلماذ نحن نرغب في أن نخلق من الآخرين أصداء أصوات لصوتنا. هل هذا يرضي أحدا؟
أيها الساسة الأحباء هل تعلمون أن رسالتهم الحقة هي أجراء الحق والعدل والمساواة على الجميع وليس أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما؟ هل تعلمون أيها الساسة أنكم ستلقون حسابا يوم الدين عن كل نفس كانت تحت أمرتكم. ولن يرحمكم الله أبدا في يوم الحشر المبين إذا كنت تعملون لحساب البعض وتهملون البعض؟ إن من يتعدى على أي إنسان أو أيه ممتلكات روحية أو عامة أو ما شابه ذلك كمن يعتدي على قدسية الله وقدسية الحياة. وغض البصر عن هذه الأخطاء لحساب آخرين سوف تكون عاقبته وخيمة عند رب الكون تعالى. لماذا من يخرب الكنائس صار مخليا ومن قال كلمة_ دون قصد _ عن دين آخر هو مجرم وفي اللحظة والتو تصدرون ضده حكم الإعدام والفناء؟ لماذا هو محلل خطف البنات والسيدات المسيحيات وإجبارهم وأنتهاك أبسط حقوقهم الإنسانة أمر مباح ومستحب ويرضي جميعا. في حين أن أي سيدة أخري غير مسيحية تتمتع بكامل حقوقها؟ أين المواطنة. ما هو مصيرك أيها السايس يا من تضع الله خلف ظهرك ولا تقيم ولا تجري العدالة وسط شعبك؟ هل ترى الله سعيدا وهو يراك تفعل مثل هذه التعديات؟ إذا كان البعض من الساسة هكذا فماذا تنتظرون من المجتمع؟!. الساسة هكذا فالمجتمع يحيا قمة مراحل الظلم والأستبداد وتجارة الرقيق لأنه يفرض علي الناس ما لم يحبونه ولا يرغبونه. بالله عليك هل تشعر بالرضي عن نفسك وانت ساكت عن الحق وتبدله وتزوره كما تشاء مادام سيخدم مصلحتك؟ إن قصاص الله عظيم جدا. في يوم الدينونة سوف تحاسب عن كل نفس لم تنصفها وقد عاملتها على أساس عقيدتها. من أختاره الرب ليسوس ويقود شعبه يجب أن يكون ممتلئا من حق الله وعدله. عزيزي القاض يا من تحكم على المذنب بالبراءة وتذنب البريء. وإخراج الأمر أن هذا مختلا عقيا. أود ان أقول أن المختل عقليا هو من يصمت عن الحق ويغلق أحشائه أمام صراخ الآخرين. وفقكم الله لخير الجميع.
++ جوزيف مكرم ….. المنسق الاعلامى لأيبارشية المنيا ++