31 /7/2018 من وحى أنجيل التجارب تأمل للأنبا بطرس فهيم
من وحي إنجيل التجارب (متى 4 : 1 – 11) في إنجيل التجارب (متى 4 ولوقا 4)
نجد أن الشيطان قد تجرأ وجرب الرب يسوع نفسه ولذلك فعلى كل منا ألا يرى نفسه أكبر من التجربة. وكان أساس التجربة هو نفسه أساس التجربة التي سقط فيها آدم وحواء في بداية البشرية، وهو التشكيك في كلام الله، “هل حقا قال الله؟”، وفي الانجيل يحاول ابليس أن يشكك السيد المسيح في ذاته كابن وكلمة الله فيقول له: “إن كنت ابن الله” فأفعل كذا وكذا … فأول التجربة إذاً هو هز الثقة، وخلق التشويش، ومحاولة كشف الإنسان ضعيفا أمام التجربة وأمام الشيطان. فالشيطان يريد أولا أن يجرد الانسان من أقوى سلاح يملكه وهو الإيمان، ومن أقوى صديق يعتمد عليه وهو الله. وبالتالي يستفرد به وينهال عليه وهو يشعر بضعفه ووحدته، فلا تسمح لعدو الخير أن يجردك من أعظم ما تملك، من الله ومن الثقة والإيمان به، وبالتالي تشعر بضعفك. الحقيقة أنك كإنسان وكمؤمن وكابن لله فانت اقوى بكثير من الشيطان وكل جنوده مجتمعين. فهو وجيشه لا يمكن أن يجبرك على شيء ما لم تسمح له أنت به، ولا يستطيع أن يدخل حياتك إلا بمقدار ما تسمح له انت بالدخول. فالكذبة الكبرى التي يروج لها عدو الخير دائما، ويريد أن يوهمنا بها هي أنه قادر وانه قوي، وأننا أمامه ضعفاء، لا حول لنا ولا قوة. والحقيقة هي أننا بنعمة الله اقوى منه بآلاف المرات. ثم بعد ذلك يبحث الشيطان، وقد جردنا من قوتنا، عن نقاط الضعف فينا، أو أحيانا حتى عن نقاط القوة، ويضخمها، فيضخم ضعفنا لكي نيأس، ويضخم قوتنا لكي نغتر، فيستطيع أن يسيطر علينا ويقودنا كعبيد ضعفاء، أو كمتكبرين مغرورين ويوجهنا كما يريد. ويطرق الأبواب التي تلخص كل ما يمثل شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة. فيعرض علينا كما عرض على يسوع أولا أن يحول الحجارة خبزا. وكأني به هنا يقول ليسوع ستضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: أولا أن تعمل معجزة تثبت أنك ابن الله، ثانيا تحول الحجارة خبزا فتأكل أنت وتشبع الجماهير التي تتبعك، فتقتني لله شعبا شبعانا والشعب يتبع من يؤمن له قوته، ثالثا يمكنك هكذا أن تأخذهم لملكوتك وملكوت ابيك، بأقل الأثمان وبأقل الجهد. وهكذا تتمجد أمام الناس وتقبلهم وتقودهم لملكوت الله فيمجدوه، والناس تتبع من يملأ بطونهم. أترى كيف تكون رسالتك سهلة وبسيطة. وتعمل لك جمهورا كبيرا بدون تكلفة، فما أكثر الحجارة في الجبل وما أيسر عليك كنبي ان تجترح المعجزات، وما أسهل على الناس انت تتبع من يشبعها. ولكن كان ليسوع رأي آخر. فقد رفض اقتراح الشيطان لأنه ليس وفق مشيئة الله، ويسوع جاء ليتمم مشيئة الآب، وليعلمنا كيف نتممها مهما كانت متطلبة. ويسوع لم يرد أن يشبع هو من الحجارة، ولم يرد أن يغذى شعبه بالتراب، فما الخبز المحَّول سوى حجارة وترابا. ثم انه لم يرد أن يملأ المعدة بل أن يملأ القلب. وما يملأ القلب ليس التراب ولو تحول خبزا، وإنما المحبة التي تتحول إلى صليب وقيامة وفداء وعطاء بلا حدود وبلا شروط. هذا ما يريد أن يقدمه المسيح لشعبه وليس ترابا ولا خبزا في أصله حجارة. أما حينما يحتاج شعبه للخبز، بعد أن تغذى بكلمة الله حين كان يتبعه في البرية (متى 14 ، مرقس 6 ، لوقا 9 ، يو 6)، فإن يسوع لن يتأخر أن يكثر الخبزات الخمس والسمكتين، ليجعل أكثر من خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد يأكلون ويشبعون ويفضل عنهم الخبز. فليس بالخبز وحده يحيا الانسان ولكن بكل كلمة تخرج من فم الله. فلنحترس إذأً من وهم الشيطان ومن خداع الخبز ومن وهم القوة ومن خداع الضعف أمام التجارب، فنحن أغلى من أن يطعمنا يسوع الحجارة وهو الذي قدم لنا كلمته ومحبته وذاته على الصليب، وقدم في عشائه الأخير لتلاميذه ولكل البشرية جسده ودمه وقال: “خذوا كلوا هذا هو جسدي” وقدم لنا دمه وقال: “خذوا اشربوا هذا هو دمي” … “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه” … “جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق ، من يأكلني يحيا بي”.. هذه هي قيمتنا في نظر الله، وهذا هو طعامنا الحقيقي الذي فيه قوتنا وحياتنا خلاصنا … به نغلب كل التجارب وكل قوات الشر. غدا بإذن الله نكمل التأمل في باقي التجارب.