“إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسين لن تدخلوا ملكوت السموات”
تأمل للاب وليم سيدهم
فى إطار الحظية المتميزة التى عملها يسوع للجموع و التلاميذ حذرهم من أن ملكوت السموات لن يكون دخولها أمراً سهلاً فالبر و المقصود به “الأمانة للشريعة” بحسب التفسير الجديد الذى أتى به يسوع لهذه الشريعة هو شرط ضرورى لدخول الملكوت.
فما الفرق بين الفريسى الذى يعتبر نفسه “بار” و بين تلميذ يسوع الذى يسعى ليكون “باراً” ، الفرق ببساطة هو أن الفريسيين حددوا “البار” بأنه من يمارس الشريعة الموسوية بحرفيتها. مثل مراعاة السبت بحذافيره و هى الوصية الثالثة من الوصايا العشرة “قدس يوم الرب” و معنى القداسة الذى حدده الفريسيون فى زمن المسيح منذ الفى سنة هو “الامتناع عن أى مجهود أو حركة أو نشاط فى يوم “السبت” حتى لو لعمل الخير و انقاذ الحياة” ، و لكننا نرى يسوع فى أماكن متفرقة من الإنجيل يكسر “الحدود” الذى وصفها الفريسيون فمعظم الشفاءات و المعجزات التى أجراها يسوع فى حياته الأرضية كسرت السبت الفريسي. هذا إلى جانب التفسيرات الكبرى التى أحدثها المسيح على الإمتناع عن لمس الأبرص، ولمس المرأة المنزوفة، و فتح عينى الأعمى و القيام بتطهير الأيدى قبل الأكل …. الخ.
و بالتالى تغير مفهوم “البار” و رفض يسوع التفسير الحرفي و المتجمد للطقوس و الوصايا التى كان يمارسها الفريسيون و يفرضوها على المؤمنين اليهود، إن “زيادة” البر التى يطلبها يسوع من تلاميذه هى الإنتقال الضرورى للمؤمن بيسوع المسيح “من المظهر الى الجوهر”، من السطحية إلى الدخول إلى العمق. فبينما يتمسك الفريسيون بطقوس “القداسة” و النجاسة بطرقة سطحية يصرح يسوع أن “ما يخرج من الإنسان هو الذى ينجس الإنسان و ليس ما يدخل الإنسان من مأكل و مشرب.
فالقداسة والبر عند يسوع ليس التمسك بطقوس الطعام والشراب و الصيام و ممارسة الشعائر السطحية إنما القداسة هى طهارة القلب و العقل من الكذب و الحقد و الغضب و التفكير الدنس و الشهوانى.
إن حالة البرارة التى يطلبها يسوع من كل واحد منا هى الانعتاق من قيود العادات الفكرية الأنانية و التى تميل إلى الحكم على الآخرين و إدانتهم بدلاً من التوبة الباطنية و اكتساب العادات الجديدة المحررة و غير السطحية.
وفي مثل “الفريسى و العشار” اللذان دخلا يصليان نرى الفرق بين سلوك العهد الجديد المبنى على الاعتراف بضعفنا و عدم أمانتنا و طلب الرحمة من الله. و بين الكبرياء و تمجيد الذات و اتهام الآخرين، يقول الفريسي في صلاته: ” اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع واعشر كل ما اقتنيه” ، ويعلق يسوع على هذا المشهد : إن العشار الذى كان يصلى فى آخر الهيكل من الخلف قائلاً: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” إن هذا العشار المتهم من قبل الفريسيين بأنه خاطئ نزل إلى بيته “مبرراً” لأنه اتخذ موقفاً عميقاً و متواضعاً فى صلاته إلى الله. و بدلاً من أن يتهم غيره بالخطأ و الخطية، اتهم نفسه و طلب رحمة الله.
إن لم يزد بركم عن الكتبة والفريسيين، تعنى إن لم تتغيروا في عقولكم و قلوبكم عن هيئة هذا العالم الفاسد الأنانى و المنافق و المتكبر، لن يتقدموا خطوة فى الملكوت الجديدة التى فتحها يسوع على أرضنا الطيبة بداية من فلسطين الى آخر المسكونة.
نحن إذا أمام شريعة جديدة باطنة و ليست مجرد محددات ظاهرية، كانت اليصابات و زكريا بارين أمام الله و لكن كانت اليصابات عاقر، لكن الله أراد أن يقابل هذين البارين برحمته لهما و تحننه عليهما فرزقهما بيوحنا الذى مهد الطريق للمسيح.
و رغم إنتماء زكريا و اليصابات الى العهد القديم إلا أنهما تفاعلا مع نعمة الله عليهما و أصبحا بدلاً من مجرد زوج و زوجة يطيعون الله و ينفذون و صاياه شجرة مثمرة ساهمت فى تمهيد الطريق لظهور صورة الله و جوهره يسوع المسيح من خلال إبنهما الذى نذر نفسه للتبشير بالتوبة استعداداً لظهور ابن الله فى الجسد يسوع المسيح.
إن نموذج زكريا و اليصابات موجود فى الكتاب المقدس فى شخصيات عديدة استطاعت أن تتجاوز شكليات و طقوس العهد القديم لتعلن بصورة مسبقة عن مجئ الرب يسوع يتم و يكمل الناموس كما قال جئت لأكمل الناموس و ليس لأهدمه ، إن حالة البر دعوة لنا جميعاً.