stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكتبالكنيسة الكاثوليكية بمصرالمكتبة الكاثوليكيةكنيسة الأقباط الكاثوليك

تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية – القسم الثانى

1.4kviews

القسم الثانى: الكنيسة القبطية ‏ بعد مجمع خلقدونية

‏( 451 – 1054 )‏

بقلم ‏
الأنبا مكاريوس توفيق مطران كرسى الإسماعلية ‏
وأستاذ التاريخ الكنسى بكلية الدراسات الاهوتية ( الإكليريكية) بالمعادى

الفصل الثانى
الكنيسة القبطية تحت الحكم العربى
أولاً : الفتح الإسلامى :‏
‏ بعد سيطرة سوريا وفلسطين، إتجه العرب بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر. وبدأوا حصار ‏حصن بابلون فى ديسمبر639م. قام البطريرك الوالى قيرس بالتفاوض مع عمرو بن العاص، لكن ‏الإمبراطور هرقل كان معارضاً، فإستدعى قيرس إلى القسطنطينية ونفاه.‏
‏ وفى 11 فبراير 641م، مات هرقل فعاد قيرس من المنفى. ولما تولى هيرقليون، إلتقى قيرس ‏الذى أقنعه بحتمية الصلح مع العرب. عاد قيرس مرة أخرى الإسكندرية فى سبتمبر 641م. فذهب ‏بصحبة بعض الكهنة إلى حصن بابلون للتفاوض مع عمرو بن العاص دون ان يخبر قادة الجيش ‏البيزنطى، خشية معارضتهم. إنتهت المفاوضات فى نوفمبر 641م. بتسليم الحصن.‏
‏ وعاد قيرس مرة أخرى إلى الإسكندرية ليقدم لقادة الجيش شروط المعاهدة، معللاً قبولها لرغبته ‏فى ضمان الحرية الدينية لسكان مصر.‏
‏ كما عقد عمرو بن العاص معاهدة مع الأقباط المونوفيزيين، بعد تسليم الحصن سنة 641، ‏مفادها أن يدفع الأقباط الجزية فى مقابل “الامان على أنفسهم، وملتهم واموالهم وكنائسهم وبرهم ‏وبحرهم (النيل)”.‏
‏ كان الأقباط قد عانوا عسفاً شديداً، خاصة بالأسكندرية، تحت ولاء قيرس، فتطلعوا إلى التحرر ‏من نير الحكم البزنطى بأى ثمن. بعدما إتحدت المشاعر الوطنية بالعقيدة الدينية. ولذلك رحب ‏الأقباط بالعرب ورأوا فيهم مُنقذاً أرسلته العناية الإلهية إليهم.‏

ثانياً: السياسة العربية بمصر :
‏1)‏ تعامل عمرو مع الأقباط
‏ كانت سياسة عمرو بن العاص ترمى إلى كسب ود الأقباط المونوفيزيين والإحتفاظ بوحدة ‏مصر وقوتها، فرأى- على خلاف ما كان يفعل باقى قادة العرب- أن المصالحة تقضى بمنع ‏توزيع أراضيها وإسلابها على المحاربين كغنيمة حرب.‏

‏ كما أدك أن فائدة معاملة سكانها ورؤسائهم الدينيين معاملة طيبة وإحترام شعورهم الدينى ‏والحفاظ على ثروة البلاد الزراعية مع جباية الضرائب عنها. وقد أدرك عمرو منزلة البطريرك ‏بنيامين وترحيبه بالعرب فأرسل يستدعيه من مخبأه. مؤكداً “له العهد والامان والسلامة من الله، ‏فليحضر آمناً مطمئناً، ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته”.‏
‏ فعاد البطريرك بنيامين إلى الإسكندرية بعد غيبة ثلاث عشرة سنة.‏
‏ وطلب عمرو بن العاص إلى البطريرك أن يبارك حملته إلى طرابلس لأنه كان يرغب فى جعله ‏مسئولاً عن إخلاص الأقباط للعرب. وقد كافأه على ذلك بترك مؤمنيه يستولون على معظم كنائس ‏الملكيين وأديرتهم، فظلوا بدون بطريرك نحو سبعة وسبعين سنة.‏
‏ ولكن العرب لم يستطيعوا فتح ممالك النوبة المسيحية التى قاومت ببسالة وصّدت حملات عبد ‏الله بن سعد مرتين : الأولى عام 640، والثانية عام 650، وفى النهاية عقدوا هدنة ذات بنود ‏سياسية وتجارية، أهم شروطها : ‏
‏-‏ ألا يعتدى أحدهم على الآخر
‏-‏ وأن تؤدى النوبة لمصر عدداً من الرقيق كل سنة
‏-‏ وأن تودى مصر إلى قدراً معيناً من القمح والعدس وغيرها كل سنة.‏
‏ وقد ظّل أهل مملكة نوباطيا على المذهب المونوفيزى، كما ان أهل مملكة مقورة بقوا ملكيين ‏وكان لهم أسقفهم الخاص وبعد أن خلا عندهم الكرسى بسبب عدم وجود بطريرك ملكى ‏بالإسكندرية طلبوا أسقفاً من البطريرك القبطى، فصاروا على مذهبه.‏
‏ وجد العرب بمصر نظماً قامت منذ عهد الفراعنة، فأبقوا عليها كما فعل الرومان من قبل، ‏وإكتفوا بشغل المناصب الرئيسية ليشرفوا على الإدارة والأمن، كما أبقوا على أسماء المدن والبلاد ‏كما كانت من قبل.‏
‏ فإنتعشت الكنيسة القبطية وتنظمت فى حكم عمرو بن العاص، فإعتقد الأقباط لفترة أن إنتصار ‏العرب أعاد لهم الحرية والكرامة والشخصية القومية، ولا سيما أن عمرو بن العاص إتبع وصية ‏نبى الإسلام وعطفه على الأقباط، إذ جاء فى الحديث: “إن الله عز وجلّ سيفتح مصر بعدى، ‏فإستوصوا بقبطها خيراً، فإن لهم منكم صهراً ونسباً”. فقد كانت ماريا القبطية، زوجة الرسول، ‏وأنجبت له ولده الوحيد إبراهيم، الذى توفى بعد سنة ونصف تقريباً.‏

‏ وقد ساعد الفتح العربى فى بداية الأمر على نهضة اللغة القبطية على حساب اليونانية – لغة ‏الثقافة من قبل – فالقراءات الطقسية صارت تتلى بالقبطية وحدها. كما تُرجمت إليها أقوال الآباء. ‏وقد بُنيت عدة كنائس وجددت كنائس أخرى.ففى أيام البطريرك أغاثون (661-667)عُمّرت كنيسة ‏أبى مقار، وبُنيت كنيسة القديس مرقس بالإسكندرية فى ولاية عمرو بن العاص الثانية، وظلت ‏قائمة إلى أن هدمها السلطان العادل أخو صلاح الدين الأيوبى فى القرن الثالث عشر الميلادى.‏
‏ وقد أفتى الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة – وهما أئمة الفقه الإسلامى – ببناء الكنائس ‏وتعميرها، لأنهما عّدا ذلك من مظاهر التعمير فى البلاد – على ما يقول الكندى فى كتابه “الولاة ‏والقضاة”.‏

‏2)‏ تبدل الحال بعد عمرو : ‏
‏ بعد حكم عمرو بن العاص، تبددت آمال الأقباط فى حياة حرة رغدة، إذ سرعان ما دعت ‏الحاجة بالأمويين إلى مضاعفة الجزية والخراج، لكثرة نفقات الفتوح الإسلامية، حتى أُلغيت ‏الإعفائات التى مُنحت لكبار السن والرهبان، وأستُعمل العنت والجحاف فى تقديرها. فآثر الكثيرون ‏جحد الإيمان، وتناقص عدد الرهبان.‏
‏ وبعدما تولى البطريرك يوأنس الثالث (677)، أخذ يزيد الأول يضيق الخناق على المسيحيين ‏فحملهم على الخراج ما لا يطاق، كما ذبح عدداً لا يستهان به من الرهبان. ثم وصل بالخليفة عمرو ‏بن عبد العزيز إلى جمع جزية موتى الأقباط من أحيائهم، بل جزية من أسلم فيهم، وقد أدى ذلك إلى ‏القيام ببعض الثورات فى الدلتا.‏

‏ وإهتم عبد العزيز بن مروان والى مصر بالإطلاع على العلاقات القائمة بين البطريرك القبطى ‏والحبشة والنوبة، على أثر ما كتبه البطريرك إلى ملكى الحبشة والنوبة للصلح بينهما، إذ ان بعض ‏الحاقدين وشوا بالبطريرك إلى الوالى حتى ساء ظنه به. ولشدة غضبه، أمر بكسر جميع الصلبان ‏فى مصر. وكان إبنه الأصبغ مبغضاً للنصارى سفاحاً. وكان يصطحب شماساً إسمه بنيامين ليترجم ‏له أقوال النصارى وكتبهم.‏
‏ بدأ العرب يشّكون فى الأقباط لسبب إستعمالهم اللغة القبطية، ومن المحتمل أن يكون هو السبب ‏فى جعل اللغة العربية لغة مصر الرسمية.‏

ثالثاً : أحوال الخلقدونيين‏
‏ تتحدث الباحثة سيدة إسماعيل فى كتابها “مصر فجر الإسلام” عن تفضيل العرب للأقباط ‏المونوفيزيين فنقول : “وقد إنتصر المسلمون لليعاقبة القبط على الكنيسة الملكانية، فإسترد اليعاقبة ‏أو أخذوا عدداً من الكنائس والأديرة التى كانت فى يد الملكانيين. بل حدث فى عهد “قرة بن شريك” ‏‏(وإلى مصر) أن فرض على الملكانيين جزية مضاعفة”.‏

‏ ولم يتمتع الأقباط الملكانيون ببعض الحرية إلا فى فترات معينة، إستندوا فيها – فى غياب ‏بطريركهم – إلى جهود الموظفين المسيحيين لدى الخليفة فى دمشق أو لدى الوالى بالفسطاط كما ‏حدث فى عهد الخليفة عبد الملك (685-705)، إذ كان بعض الأقباط الملكانيين لدى عبد العزيز ‏أخى الخليفة ووالى مصر، فسمح لهم ببناء كنيسة مارجرجس. كما حصل بعض الكُتاب الأقباط ‏على إذن ببناء كنيستين : واحدة يإسم القديس سرجيوس والأخرى بإسم القديس مرقريوس.‏

رابعاً : إعادة البطريرك الملكانى إلى الكرسى الإسكندرى : ‏
‏ وفى الفترة التى أعقبت الفتح العربى، وبعد رحيل البطريرك بطرس الرابع خليفة قيرس سنة ‏‏651، كان بمصر أسقفان ملكانيان. فكانوا يُحضِرون لرسامة أسقف جديد، أسقف صور، حتى ‏يكتمل عدد الراسمين القانونى. وقام كاهن راهب بدور النائب البطريركى بالإسكندرية. وكلن يمثل ‏الكنيسة الإسكندرية فى المجامع المسكونية. وقد إشتركت الكنيسة القبطية الملكانية (الكاثوليكية) فى ‏المجمع المسكونى السادس المنعقد فى القسطنطينية سنة 680 بشخص مندوبها الراهب بطرس.‏
‏ وفى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (724-743)، عُين قزما بطريركاً، فذهب لزيارة الخليفة ‏فى دمشق ليسمح له بإستعادة الكنائس والأوقاف المغتصبة. وقد أمر الخليفة واليه بمصر بتلبية طلب ‏البطريرك، فحصل على كنيستى قيساريون وأنجيليون.‏
‏ ولما إنعقد المجمع المسكونى السابع فى نيقية عام (787)، أوفد البطريرك الملكانى الإسكندرى ‏يوليانس مندوباً عنه هو الراهب توما. وقد ذكر البطريرك القسطنطينى فوتيوس (فى القرن التاسع) ‏إنه كان فى وقته أسقف ملكانى فى الأقصر، وأن الطقوس هناك تقام باللغة القبطية الصعيدية. أما ‏فى الإسكندرية فكان الأقباط الملكانيون لا يزالون يستعملون الطقس الإسكندرى باللغة اليونانية.‏
‏ وتذكر الوثائق والمخطوطات إنه حتى منتصف القرن الثانى عشر، كان هناك أساقفة فى ‏الصعيد ورهبان لا يزالون يستعملون التعبير الخلقدونى عن طبيعة السيد المسيح.‏
‏ وإستمر الملكيون فى إتباع الطقس الإسكندرى حتى بدء القرن الثالث عشر، حين كان بطريرك ‏الإسكندرية يسأل هل تستطيع كنيسة الإسكندرية الملكية أن تستمر على طقس القديس مرقس أم ‏يجب تبديله. فرد بلسمون : “بأن القسطنطينية لا تقبل هذا الطقس، وعلى الملكيين فى مصر أن ‏يتحدوا فى طقوسهم مع روما الجديدة (القسطنطينية) وأن يقيموا القداسات البيزنطية”.‏
‏ فصار الملكيون فى مصر ذوى صبغة بيزنطية صرف، لا فى الفكر والرئاسة فحسب، بل فى ‏الطقوس أيضاً. مما حدا ببعض الملكيين المصريين إلى تفضيل البقاء فى الطقس الإسكندرى ‏والإنتماء إلى الكنيسة القبطية أو إلى المرسلين الرومانيين الذين جاءوا إلى مصر لخدمة القنصليات ‏والتجار الأوروبيين. ‏