تعالى اتبعنى – الأب وليم سيدهم
تعالى اتبعنى
هذه الكلمة لها سحر خاص لدى المكرسيين والمكرسات في جميع أنحاء العالم. في أعماق القلب تنبت هذه الدعوة الشخصية للإنسان أو الإنسانة الذي تحرك قلبه وعقله نحو اتخاذ قرار مصيرى في التخلي عن مشروعاته الشخصية والإلتحاق بمشروع الله مباشرة في نشر رسالة الفرح والرجاء والإيمان بين البشر.
الأصل في هذه الدعوة في العهد الجديد هو يسوع الناصري فمنذ أن بدأ حياته العلنية بعد الاعتماد على يد يوحنا المعمدان وحلول الروح القدس عليه وسماع صوت الآب قائلًا: « هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».” (مت 3: 17)، فمنذ حينها شرع في اختيار معاونين له يدربهم ويكونهم على روح الخدمة وأساليب الخدمة وكيفية الربط بين الحياة الشخصية الخفية والحياة بين المرسلين اليهم، وتوطيد العلاقة بينه وبين الله وبينه وبين اخوته البشر.
سمع هذه الكلمة متى العشار وفيلبس وبطرس ونثنائيل ويعقوب ويوحنا ابن زبدى، والمحير أنهم جميعًا دعوا وهم في غمرة نشاطهم وعملهم اليومي، الصياد على البحر والعشار أمام مكتب الجباية واللاوى في مكان دراسة التوراة.
إن الدعوة لم توجه للكسالى أو العاطلين عن العمل، أو أبناء الكهنة، إنها تخاطب المجتهدين في عملهم والباحثين عن الكمال والمنتظرين للخلاص. ألم يقل فيلبس لنثنائيل: “فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ». (يوحنا 1 :45)، ثم أن دعوة المسيح لم توجه إلى العظماء وأعضاء مجالس الوزراء ولا المشهورين وأصحاب السيط والشهرة، إنما تمت في صمت عارم ودون جلجلة “أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ” (مت 5: 13) والملح في الأرض لا يمكن فرزه عن الأرض نفسها.
تعالى اتبعنى حيث اذهب وحيث ارسلك، لم تعُد ملك نفسك وقرارك ليس ملكك إنما ملك الله والمخدومين من اولاد وبنات الله. “فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. ” (لو 10: 2) إن ملايين الفقراء والمظلومين والمهاجرين والمطرودين من بيوتهم ومن بلادهم بسبب تجبر وظلم الأقوياء في هذا العالم يرفعون إيديهم إلى السماء طالبين العون والنجدة.
هؤلاء هم أبناء وبنات الله اللذين قهرهم بنو البشر ومازال الفجرة والجاحدين لنعم الله عليهم يستعبدون الملايين من إخوتهم بنى البشر بطرق شيطانية حقيرة، إلا أن الله يعلم أن من بين خلائقه هناك من يؤمنون به ويلتصقون بروحه القادرين بنعمته على رفع هذا التحدى.
إن دعوة الله لا تفرق بين أحد ولكنها موجهة لكل بشر يريد لمشروع الله الخلاصي أن يمتد إلى آخر المسكونة ومعيار الصدق والشهادة الحقة للمدعو والمرسل إلى اخوته هو الامانة لمن دعاه والايمان الحقيقي بقيم التضحية والفداء والعطاء الذي ينكر ذاته من أجل الآخرين.
أما طلاب المناصب والرتب الكهنوتية فعليهم أن يمتنعوا وحتى أن أصبحوا من زمرة الخدام ، فكل مدعو يدعو لنفسه وليس للمسيح تسقط عنه الدعوة تلقائيًا لأن المسيح جاء ليخدُم لا ليخدم.
يارب أرسل روحك القدوس فيتجدد وجه الأرض.