stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

إنسانية وتربوية

ثقْ بنفسك / أشرف ناجح إبراهيم

1.1kviews

fiduثقْ بنفسك / أشرف ناجح إبراهيم

قد ذهب يسوع المسيح وحده إلى البرية في الوقت عينه الذي كان فيه الناس مسترخين في منازلهم، وكان الملك جالساً في قصره مستريحاً وحوله الخدم والعبيد، وكان رئيس الكهنة والكهنة واللاويين قابعين مسترخين في بيوتهم مع زوجاتهن وبين أولادهم سعداء. لقد كان الجميع إمَّا في أماكن عملهم أو في بيوتهم أو حتى في شوارع المدن والقرى؛ أمَّا هو فقد مكث وحده في الصحراء مع الوحوش لمدة أربعين يوماً وأربعين ليلة (متى 4/1-11؛ مر 1/12-13؛ لو 4/ 1-13). 

كان في البرية وحيداً، ليس معه أحد مِن البشر؛ وكان يعاني آلام الوِحدة_ إنْ جاز التعبير_ وأشد ألم بالنسبة له هو أنْ يُجرب مِن إبليس الشرير!! فيسوع المسيح الأقنوم الثاني في الثالوث القدوس، وهو العظيم الممجد يقف أمام الشيطان ليُجرب منه!! إنَّ القداسة تقف أمام النجاسة لتُدان منها، والبركة تقف أمام العنة لتُحاكم منها!! فقد تجرأ إبليس الملعون أنْ يجرب يسوع المسيح؛ وكان يسوع راضياً، فلم يشعر بأي إشفاق على الذات، ولم يستطع الشيطان أنْ يُضعف مِن ثقة يسوع بنفسه. لقد حاول إبليس بكل وسيلة وحيلة أنْ يجعله يشك بنفسه، فاستخدم تارة الاغراء وطوراً أخر سلاح التشكيك في بنوته لله وهويته الإلهية، وبالتالي في رسالته الخلاصيّة؛ ولكنه لم يستطع لحظة واحدة أنْ يُضعف ثقة يسوع الكبيرة بنفسه وبإله وأبيه.وماذا عنا نحن؟! إنْ إبليس يشن علينا يومياً حربه الشديدة اللعينة التي يمكن أنْ ندعوها “إضعاف الثقة بالنفس”، ويفعل هذا مِن خلال بابين رئيسي التشكيك في ما هو إيجابي: هل حقاً أنت ابن لله؟! ما الدليل على ذلك؟! إنَّ الله يحرمك مِن أمور كثيرة حسنة وجميلة وطبيعية!! لماذا لا تحدث معك معجزة؟! أين الشبع والفرح والنجاح؟!·

  التشكيك في ما هو سلبي: كيف وأنت ابن لله ترتكب خطيئة مثل هذه؟! لماذا تتألم إنْ كنت حقاً مؤمناً؟! لماذا تمتلىء حياتك بالجروح والحرمان والضعفات؟!

وهكذا يُدخلنا في دوامة مِن الإغراءت والشكوك، فنقوم بطرح العديد مِن التساؤلات على أنفسنا، وينتابنا اليأس والأحباط تدريجياً!! ولكنه لن ينجح معنا أبداً إذا فعلنا مثلما فعل يسوع ذاته، أي أنْ نثق بأنفسنا كما وثق هو بنفسه، فثقته نابعة مِن ثقته بإله وأبيه السماوي، فكان يردد دائماً: «لأنَّ الآب أعظم مني» (يو 14/28). ولنلاحظ هنا أنَّه في التجارب الثلاث ذكر بكل إدراك ووعٍ وثقة هذه الكلمات: “كلمة الله..الرب إلهك..الرب إلهك”؛ فلم تخل تجربة واحدة مِن تذكار الله وكلمته!!!أجل، فعندما تزداد ثقتنا بالله تزداد وتنمو معها وبسببها ثقتنا بأنفسنا؛ أمَّا عندما تضعف ثقتنا بالله تضعف معها وفي لحظتها ثقتنا بأنفسنا!! وهاك إيليا النبي مثالاً لذلك (1مل 19)، لقد هرب مِن أمام وجه إيزابل الشريرة خوفاً مِن الموت الذي وعدت بأنه سيلحق به (1مل 19/2-3)؛ وما هرب إيليا إلا نتيجة لضعف ثقته بالله الذي يرعاه، مما ترتب عليه ضعف ثقته بنفسه وهو الشجاع الذي مجَّد إلهه على جبل الكرمل أمام أعين بني إسرائيل(1مل 18/17-40)! 

ولنأخذ بطرس تلميذ يسوع المسيح مثالاً آخر، فقد قال له يسوع «تعال»، «فنزل بطرس مِن السفينة ومشى على الماء آتياً إلى يسوع» (متى 14/29)! فمتى بدأ يغرق هذا التلميذ؟ أليس عندما خاف وفقد ثقته بنفسه «عندما رأى شدة الرياح» (متى 14/30)؟! ومتى حدث هذا؟ أليس عندما أحال بصره عن يسوع _الذي دعاه قائلاً: “تعال”_ إلي الأمواج والرياح الشديدة!!إنَّ ثقتنا بأنفسنا تنمو عندما نستند بالكامل على إلهنا القوي وأبينا المحب القادر على كل شيء. وثقتنا بأنفسنا تعني قبول أنفسنا كما يراها الله ذاته، لا كما نتخيلها نحن ولا كما ينظرون إليها الأخرون فحسب! ألا نذكر كلمات القديس بولس عندما قال: «وبنعمة الله ما أنا عليه» (1قور 15/10)! «فقد تعلَّمتُ أنْ أَقنَعَ بما أنا عليه. فأحسنُ العيش في الحُرمان كما أحسن العيش في اليُسر. 

ففي كلِّ وقتٍ وفي كلِّ شيءٍ تعلَّمتُ أنْ أشبع وأجوع، أنْ أكون في اليُسر والعُسر، أستطيع كلَّ شيءٍ بذاك الذي يُقوِّيني» (فيل 4/11-13)! فهذا القبول يعني قبول كل ما هو إيجابي فينا وكل ما هو ليس إيجابياً بعدُ. ينبغي علينا أنْ نرضى بوضعنا الحاضر وأنْ نقبل أنفسنا ونحبها حتى نستطيع أنْ نحب الله والأخرين: «أحببب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل قوتك، وكل ذهنك، وأحبب قريبك حبك لنفسك» (لو 10/27)! فمِن خلال الثقة بالنفس النابعة مِن الثقة بالله يمكننا أنْ نجاهد باستمرار نحو النِّمو والتَّحرَّر اليوميّ بدون يأسٍ أو إحباطٍ أو تقليلٍ مِن شأن ذواتنا.

عزيزي، ثق بنفسك! فعندئذٍ ستصنع الكثير والكثير لمجد الله ولخلاص نفسك والأخرين!!